يتطرق العقيد الطاهر الزبيري قائد الولاية الأولى »منطقة الأوراس« وقائد أركان الجيش في الجزائر المستقلة في برنامج »حوار في الذاكرة« الذي بثته القناة الأولى في حلقات إلى مسيرته إبان حرب التحرير وأهم المحطات التي مرّت بها ثورة نوفمبر، حيث كشف العقيد عن عدة حقائق وأماط اللثام عن ممارسات الاستعمار الفرنسي الوحشية ضد الشعب الجزائري. طفولة قاسية وفرنسا جردت عائلته من كل ممتلكاتها بدأ العقيد الطاهر الزبيري سرد شهادته منذ أن بدأ يعي معاناة شعب مع احتلال غاشم، حيث يؤكد أن فرنسا شردت عائلته وجردتها من كل ممتلكاتها مما اضطرها إلى الفرار من قصر الصبيحي بولاية أم البواقي إلى أم العظائم بولاية سوق أهراس، أين حاول والده ذو السبعة أبناء إعالتهم من خلال تعليم أطفال البلدة القران الكريم مقابل حفنة من القمح. وأكد الزبيري أنه مرّ بظروف صعبة في مرحلة الطفولة، خاصة وأن والده منعه من دخول المدرسة بسبب الفقر المدقع، مشيرا إلى أن الوالد حاول إقناعه بأن يتعلم القران أحسن من دخول المدرسة التي تعلم آنذاك علوم كان يراها الوالد من المحرمات. وأضاف انه كان يجهش بالبكاء كلما رأى أقرانه يذهبون إلى المدرسة وينهلون من كل العلوم. وأقر الطاهر الزبيري بالمعاناة التي كان يعيشها بنو عشيرته، مؤكدا أن أخاه الأكبر كان ينشط في السر لحساب حزب الشعب والتحق به هو بعد مظاهرات الثامن من ماي 45 واستطاع أن يكون رئيس خلية بعد سنوات قليلة من العمل النضالي حيث اثبت الرجل كفاءة عالية في العمل السري مما مكنه من لقاء كبار المسؤولين كباجي مختار، ديدوش مراد وغيرهم. صعدت إلى الجبل قبل اندلاع الثورة أكد العقيد الزبيري أنه بعد ما أصبح مطاردا من قبل البوليس الفرنسي قرّر الصعود إلى الجبل لمكافحة العدو فيما يعرف بحرب العصابات، حيث كانت الخلية التي يرأسها تجمع السلاح القديم من مخلفات الحرب العالمية الثانية وتحاول القيام بعمليات ترهب العدو حتى اندلاع الثورة. وقال العقيد الزبيري أنه قرّر الصعود إلى الجبال بعد تفاقم الصراع بين المناضلين في حزب الشعب سابقا وتأخر موعد انطلاق الثورة. واعتبر هذه المحطة هامة في حياته، حيث عمل رفقة بعض الجنود على جمع السلاح الموجود عند الأهالي وغير المرخص عند السلطات الفرنسية . ومع اندلاع الثورة وجد الثوار ?يضيف- أنفسهم مجبرين على التنقل شرقا وغربا من أجل الحصول على قطعة سلاح مما اضطره الدخول إلى تونس والاتصال بعديد الأشخاص من اجل شراء الأسلحة إلا أن العملية باءت بالفشل بعد عملية قام بها الجيش الفرنسي وتم القبض عليه حيث نقل على جناح السرعة إلى مستشفى سوق أهراس وبعدها إلى سجن قالمة وبعد تحقيق موسعا حكم عليه بالإعدام ونقل إلى سجن الكدية بقسنطينة. وأشار قائد أركان الجيش الجزائري السابق إلى قراره بصعود الجبل قبل اندلاع الثورة. كما نفى، أن عملية هروب الشهيد مصطفى بن بولعيد من سجن الكدية، كانت بوسائلة بسيطة. وسرد العقيد الطاهر الزبيري وقائع عملية الفرار من السجن بعد تفكير عميق وتخطيط محكم كان يهدف إلى ترتيب كل الأمور لهروب البطل الشهيد مصطفى بن بولعيد، مضيفا أن عملية حفر النفق بوسائل بسيطة تتمثل في ملعقة أكل، قطعة نقود، منشار صغير، وكذلك استعمال الأغطية كحبل للتنقل بين الجدران فضلا عن أسرار وشهادات أخرى. ظروف استشهاد مصطفى بن بولعيد أكد العقيد الطاهر الزبيري أنه في ليلة فراره من سجن الكُدية بقسنطينة توجه إلى الشمال القسنطيني وبالتحديد منطقة الميلية ولاية جيجل حاليا، حيث التقى هناك المجاهد الكبير بن طوبال الذي كان ينتظر وصول مصطفى بن بولعيد وأضاف الزبيري أنه تعرف على أسماء جديدة أثناء تواجده بتلك المنطقة مثل علي كافي. وقال الطاهر الزبيري إنه عندما غادر المليلية متوجها نحو سوق أهراس توقف في منطقة سمندو بقسنطينة، أين كان يتحصن الشهيد زيغود يوسف، ويضيف، أن وصوله إلى تلك المنطقة صادف مرور عام على الاحتفالات بالهجوم على الشمال القسنطيني، حيث كان زيغود يوسف يفكر في إعطاء نفس جديد للثورة عبر تنظيم محكم في ضرب أهداف العدو، خاصة أن الثورة عرفت تقلص الموجهات ضد الاحتلال. وبعد سرد ظروف وصوله إلى منطقة سوق أهراس قال إنه وجد ترحيبا كبيرا من قبل مسؤول المنطقة »الوردي قتال« الذي كان على خلاف كبير مع نائبه جبار عمر. مؤتمرو الصومام غيبوا منطقة الأوراس بسبب الخلافات أكد الطاهر الزبيري أن الأحداث جاءت متتالية في منطقة الأوراس بعد إعدام جبار عمر واستشهاد بن بولعيد وكذا استشهاد العقيد عميروش الذي حقق في ملابسات وفاة قائد الأوراس. لذلك حاول البعض المشاركة في اجتماع مؤتمر الصومام كشقيق بن بولعيد الذي كان مسؤول منطقة إلا أن عبان رمضان رفض ذلك، مؤكدا أن المنطقة دخلت في حرب باردة انجرت عنها تصفية بعض المجاهدين. وحسب الزبيري فإن منطقة سوق أهراس التي حاولت مراسلة المجتمعين بقري افري اوزلاقن حيث بعث عمارة بوقلاز رسالة تتضمن تقارير عن منطقته من اجل مواصلة الثورة دون خلافات إلا أن الوفد لم يستطع إيصال الرسالة بعدما أن التقوا العقيد عمار بن عودة عضو مجموعة 22 الذي اخذ منهم التقارير وقال لهم إن الاجتماع انتهى ومنطقة سوق أهراس ليس لها تمثيل في المؤتمر لأنها تابعة إلى المنطقة الثانية التي كان يترأسها زيغود يوسف. فرنسا حولت أسر خمسة من جنودها إلى قضية رأي عام أكد قائد العقيد الطاهر الزبيري أنه خلال الاشتباكات مع العدو الفرنسي على الحدود التونسية سنة 1958 استطاع أن يأسر خمسة جنود فرنسيين، حيث عمل على إخفائهم عند شقيقه في أحد المواقع التابعة له في التراب التونسي. وقال الزبيري إن العملية أخذت مناحي عديدة حيث أحرجت بورقيبة وأثارت جنون فرنسا التي حولت القضية إلى الأممالمتحدة والى الدبلوماسية الدولية، ودفعت بوزير الخارجية الأمريكي آنذاك »ميرفي« إلى زيارة تونس والتفاوض بشان المأسورين. كما تدخل الاتحاد السوفيتي من خلال الضغط على مصر وإجبار الحكومة المؤقتة على تسليم الجنود المأسورين. هذا ويذكر الزبيري أن أحد الجنود مرض وأصيب بحمى شديدة مما دفعه إلى جلب طبيب جزائري من مؤسسي الهلال الأحمر إلا انه توفي بعد أيام بسبب إصابته بجراح أثناء عملية الاشتباك. وقال أخر قائد للولاية الأولى العقيد الطاهر الزبيري انه مل من مكوثه بالأراضي التونسية لذلك قرر الدخول إلى التراب الجزائري لأنه كان مقتنعا بان الجهاد من الجزائر . فسلم الأسرى إلى الهلال الأحمر الجزائري الذي تأسس حديثا آنذاك مضيفا انه عندما حاول مرارا وتكرارا الدخول إلى الجزائر واجه عدة صعوبات من بينها إحكام الحراسة على الحدود من قبل العدو وكذا خطي شال وموريس . تحدث الزبيري عن العملية الكبرى التي قامت بها فرنسا بعد سماعها بدخول فيالق قادمة من تونس حيث حاصرت سلطات الاحتلال كل المناطق والمد اشر وقامت بعمليات تمشيط واسعة النطاق كادت أن تودي بحياة الطاهر الزبيري. وفي معرض حديثه، روى الطاهر الزبيري حادثة وقعت له عندما حوصر أشبه بأفلام هوليوود، حيث وصل إلى الموت بعد نفاذ ذخيرته، إلا أن العقيد قال انه تعود على ترك رصاصة جانبا في كل المعارك التي يخوضها، وهي الرصاصة التي ستحبس أنفاسه إذ ما امسكه الجيش الفرنسي، إلا أن هذه الرصاصة أنقذته في الدقائق الأخيرة بعدما حاول احد الجنود الفرنسيين قتله. أحداث ساقية سيدي يوسف عملية انتقامية قال العقيد الطاهر الزبيري إن الطيران الفرنسي نفذ عملية إجرامية في حق التونسيينوالجزائريين في الساقية بعد خمسة وعشرين يوما من عملية اسر الجنود. واستغرب كيف لفرنسا التي تدعي وقوفها مع حقوق الإنسان أن تختار عمدا يوم السوق الأسبوعي للمدينة وتقصف الأهالي، كما أنها لم تحترم السيادة التونسية، مضيفا أن دماء الشعبيين الشقيقين أعطت دعما كبيرا للثوار والمتعاطفين مع الثورة من اجل طرد العدو، بعكس ما كانت تظن فرنسا أن العملية سترهب التونسيين وتدفعهم إلى التخلي عن مساعدة الثورة . تاريخي هو الذي أوصلني لقيادة الولاية الأولى قال أخر قائد للولاية الأولى »منطقة الاوراس« العقيد الطاهر الزبيري انه عندما قرر الدخول إلى الجزائر من الحدود التونسية واجه قوة عاتية حشدتها فرنسا تتكون من 3 آلاف جندي طوقت كل الولايات الشرقية إلا انه وصل إلى مركز الولاية الأولى بعد أن فقد صديقه علي سويعي الذي استشهد في الطريق، مضيفا أنه وجد الولاية الأولى دون مسؤول بعد أن دخل الحاج لخضر عبيد التراب التونسي. وبعد إلحاح من معد البرنامج الذي تساءل إن كان كريم بلقاسم وافق على تعينه على رأس الولاية الأولى بسبب أولا : أنه مناضل قديم وصعوده إلى الجبال قبل اندلاع الثورة ثانيا: لأنه كان مع بن بولعيد في السجن ثالثا: أسره لخمسة جنود فرنسيين. رابعا : لأنه إنسان وسطي ولم يتورط في الخلافات التي كانت بين جماعة بن بله وجماعة عبان رمضان بالرغم من أنه من القاعدة الشرقية .فكانت إجابته دبلوماسية وقال: انه عندما قرر الدخول بثلاثة فيالق إلى الجزائر لم يكن طمعا في أي منصب بل من اجل استمرارية الثورة وانه لم يكن طامعا في المسؤولية خارج الجزائر فكريم بلقاسم عرض عليه ذلك ورفض، مضيفا أن قيادة الولاية الأولى من حقه. أزمة القيادات في تونس كانت بسبب مصالح شخصية ضيقة قال العقيد الطاهر الزبيري إن تغليب المصلحة الجهوية على الوطنية كاد أن يعصف بالثورة لولا الإرادة السياسية وتعليق الملفات العالقة إلى ما بعد الاستقلال. إلا أن هذه الصراعات أثرت على مؤتمر طرابلس الذي بقي مفتوحا لحد ألان. وأكد أخر قادة الولاية الأولى أن الولاية الأولى شاركت في مؤتمر طرابلس 62 تحت صف العقيد هواري بومدين وانه دعم بنود مؤتمر طرابلس خاصة في التوجهات الكبرى للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية المستقلة خاصة في الشقين السياسي والاقتصادي وقال بالحرف الواحد انأ اشتراكي وسأموت اشتراكيا و إقرار نظام الحزب الواحد أحسن توجه للجزائر المستقلة آنذاك. كما تحدث العقيد الطاهر الزبيري عن اجتماع مغنية 1962 الذي لا يذكره التاريخ كثيرا شارك فيه بن بله العقيد هواري بومدين والطاهر الزبيري... ومن خلاله استطاع المجتمعون تحديد المهام والقيادات للدولة الجزائرية حديثة الاستقلال وفي هذا الإطار بحث المجتمعون من سيكون رئيس الدولة )احمد بن بله( وزير الدفاع )هواري بومدين( قائد الأركان )الطاهر الزبيري( وكذلك كيفية التحضير للانتخابات الرئاسية وهيكلة الدولة الجزائرية وفض الخلافات بين جيش الحدود وجيش الداخل و إنهاء الصراع حول العاصمة بين الولاية الثالثة والرابعة.