يتواصل الجدل حول الاستحقاق الرئاسي المقبل بنفس الخطاب، في ظل حالة التيه التي أصابت الكثير من تشكيلات المعارضة، هل تتأهب هي الأخرى لخوض غمار الانتخابات التي لا تزال محاطة بالكثير من الغموض، أم تسترسل في انتقاد من تسميها بأحزاب السلطة وفي مقدمتها حزب جبهة التحرير الوطني الذي أعلنها صراحة تأييده للرئيس عبد العزيز بوتفليقة للترشح لعهدة رئاسية رابعة. مين عام حزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني قال أن الأفلان »قاطرة تقود وليست عربة تقاد« وفي كلامه إشارة واضحة وصريحة إلى أن الجبهة لا تحتاج لمن يملي عليها ما الذي عليها فعله في الاستحقاق الرئاسي المقبل، فالحزب اختار طريقه منذ سنوات ولا يمكن له أن يتخلى عن رئيسه الذي هو رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، ولابد من الاعتراف بان المنطق السليم يقتضي ذلك أيضا فليس من العقل أن يطلب من حزب أن ينقلب على رئيسه ويساند أطروحات مخالفة لمصالحه تماما، هذا إن ربطنا خيار الأفلان بمصلحة الحزب وليس بحسابات أخرى لها علاقة بمصالح الجزائر وفق ما يراه الأفلان والتشكيلات السياسية التي أعلنت منذ الآن تأييدها لبوتفليقة ودعمها له من اجل الترشح لعهدة رئاسية رابعة. السؤال الذي يطرح هنا ويبدو مشروعا هو هل سيترشح بوتفليقة للرئاسيات المقبلة أم لا وهل سيقبل دخول غمار عهدة رابعة، وهذا ما ستكشفه الأيام والأسابيع المقبلة، وإلى أن يحين هذا الموعد ستظل المعارضة تائهة بين أمرين إما أنها ترتب بيتها وتستعد للانتخابات، وإما أن تظل متشبثة بانتقاد العهدة الرابعة واستعمال ذلك كوسيلة لتبرير مقاطعتها ربما للاقتراع الرئاسي المقبل، وإن كان هناك من يعتقد بأن العهدة الرابعة ربما تشكل له فرصة للتبشير مجددا بقرب انغماس الجزائر في وحل ما يسمى ب »الربيع العربي«. حكومة سلال تحاول من جهتها العمل حتى لا تتيح الفرصة لمروجي الفتن والزيارات الميدانية التي يقوم بها الوزير الأول، والتي قادته مخرا إلى خنشلة وأم البواقي يندرج في هذا الإطار، وتبدو القرارات التي أعلن عنها الوزير الأول بالنسبة للشباب وفي قطاع الصحة والسكن..الخ جد مشجعة وتفتح آمالا وساعة أمام الشرائح الاجتماعية المعوزة، خصوصا وان الوضع الاجتماعي لا يبدو في صحة جيدة، ولما نسمع عن انتشار الملاريا التي انتقلت من غرداية إلى مناطق أخرى من الوطن، نفهم جيدا بأن القطاع الصحي يعاني وان الإطار المعيشي يوجد هو الأخر في مستويات كارثية. ولا تزال العلاقات الجزائرية المغربية تشكل محورا للجدل الدائر سواء في الجزائر أو المغرب، ولم يكن قرار الجزائر القاضي بخفض تمثيلها في المؤتمر الوزاري الإقليمي الثاني حول أمن الحدود بين بلدان شمال أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء الذي احتضنته نهاة الأسبوع المنصرم العاصمة المغربية الرباط، رد فعل دبلوماسي على التصعيد المغربي الأخير ضد الجزائر فقط، بل يرتبط أيضا بالتساؤل عن مدى جدوى هذا اللقاء في الظرف الحالي، وخلفيات النظام المغربي وراء تنظيم هكذا مؤتمر، خاصة وأن المغرب بعيد إلى حد كبير من رهانات الحدود الملتهبة وليست له علاقة جغرافية مباشرة بمنطقة الساحل الصحراوي، وسبق لوزير الخارجية رمطان لعمامرة، أن صرح في ندوة صحفية عقدها بالاشتراك مع وزير الاتصال الجزائري عبد القادر مساهل، بأن الجزائر قد شاركت بالفعل عام 2012 في مؤتمر عن أمن الحدود في ليبيا، مضيفًا: »إننا لا نعلم بشكل كافٍ ما أهمية هذا الاجتماع الجديد الخاص بحدود المغرب العربي ومنطقة الساحل«، مؤكدًا عدم مشاركته في المؤتمر رغم تلقيه دعوة، وبالفعل قاد الوفد الجزائري الذي كان جد محتشما، السفير الجزائريبالرباط. لاشك أن وراء هذا القرار كما اشرنا سابقا إرادة لمعاقبة الرباط وإيصال رسالة إلى السلطات المغربية تتضمن احتجاجا على التصعيد المغربي غير المبرر الذي أوصل العلاقات بين البلدين إلى طريق مسدود، فالجزائر، حسب ما تشير له العديد من المصادر، تنتظر ردا مغربيا صريحا عل طلبها لإشراكها في التحقيق حول حادثة اقتحام القنصلية الجزائرية بالدار البيضاء وتدنيس العلم الجزائري، علما أن الشخص الذي قام بتنفيذ الاعتداء لا يزال حرا طليقا، وتنتظر الجزائر من النظام المغربي اعتذارا مباشرا بعدما أبلغتها رسميا أنها غير مقتنعة بأطروحة الفعل المعزول التي روجت لها الرباط للتهرب من المسؤولية، بمعنى آخر فإن تعنت النظام المغربي سوف تنجر عنه حتما جملة من الإجراءات السياسية والدبلوماسية من قبل الجزائر يجهل لحد الآن طبيعتها والحدود التي قد تصلها في المستقبل. والمؤكد أن رسالة التهنئة المتأخرة التي بعث بها العاهل المغربي محمد السادس لرئيس الجمهورية بمناسبة مرور 59 سنة عن اندلاع ثورة الفاتح من نوفمبر، لن تساهم في تهدئة الخواطر ولا في التغطية عل التصعيد المغربي ناهيك عن مسح جريمة الاعتداء على حرمة القنصلية الجزائرية بالدار البيضاء وتدنيس الراية التي ضحى من اجلها ملايين الشهداء، وسوف يدفع النظام المغربي من دون أدنى شك ثمن ما اقترفته سياساته المتهورة اتجاه الجزائر، فالعالم أجمع يوقف على حقيقة النظام المغربي الذي تحامل بشكل علني على الجزائر وبشكل غير مسبوق. وبالعودة إلى مؤتمر الرباط الذي تقرر أن يحط الرحال مستقبلا في مصر، صوف نصل إلى جملة من الاستنتاجات تصب كلها في قناعة راسخة بان بما يهم النظام المغربي بالدرجة الأولى هو التضييق على الجزائر التي لا تزال ترفض إشراك المملكة المغربية في التنسيق الأمني على مستوى الساحل الصحراوي لاعترافات موضوعية تتعلق بالجانب الجغرافي فليس لدى المغرب أي صلة جغرافية مباشرة بالساحل الصحراوي، وكل المحاولات التي يبذلها تهدف بالدرجة الأولى إلى تكريس احتلاله للصحراء الغربية كأمر واقع والسعي إلى إدراج الشعب الصحراوي الذي يناضل منذ عقود من أجل استرجاع أرضه وحريته ضمن القوى المناوئة للسلم والتي تهدد استقرار المنطقة حسب زعم النظام المغربي . لقد دعا ما سمي ب »إعلان الرباط« لتفعيل »التنسيق الأمني« إلى إقامة مركز إقليمي للتكوين والتدريب لفائدة ضباط مكلفين بأمن الحدود في بلدان المنطقة للاستفادة من تجارب الدول والشركاء الآخرين، إضافة إلى إنشاء فرق عمل قطاعية في مجالات الأمن والاستخبارات والجمارك والعدل لتقديم اقتراحات في تلك المجالات، كما أكد على أهمية تبادل المعلومات المتعلقة بأمن الحدود بين دول المنطقة وتنسيق التعاون بين السلطات المعنية بأمن الحدود لمواجهة التهديدات الأمنية المرصودة من قبل فرق العمل هاته، مشددا على تعزيز قدرات دول المنطقة »بتجهيزات وتقنيات حديثة لتقوية مراقبة الحدود وإقامة تعاون لمحاربة تزوير الوثائق وتعميم النظام البيومتري لتحديد الهوية وفقا للمعايير الدولية«، وأوصى من جانب أخر بإعداد قائمة بالمشاريع ذات الأولوية والمرتبطة بالتنمية البشرية تتماشى مع الحاجيات المناسبة لسكان المناطق الحدودية لضمان انخراطهم في تحسين أمن الحدود. وقال وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار في افتتاح أشغال المؤتمر شارحا رؤية الرباط بأن تحقيق أمن الحدود »يستوجب تفعيل العلاقات مع دول الجوار والشركاء الإقليميين والدوليين في إطار حوار سياسي منتظم ومنفتح وإيجابي«، وأضاف أن »الاندماج المغاربي لم يعد ضرورة مغاربية فحسب، بل أصبح مطلبا إقليميا ودوليا تفرضه تأثيرات العولمة وإكراهات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، والتحديات الأمنية في المنطقة«، وكان على رئيس الدبلوماسية المغربية أن يحدد أيضا من المسؤول عن تأخير بناء الصرح المغاربي، أليس هو المغرب الذي يحتل الصحراء الغربية والذي يروج للنزعة التوسعية والذي يختلق المشاكل مع جيرانه للدخول معهم في مهاترات فارغة والذي يعرض نفسه ليكون بوابة لكل الطبخات السيئة غير المرغوب فيها التي تستهدف خصوصا الجزائر. ولو كان لابد من توسيع التنسيق على مستوى منطقة الساحل لتشمل الدول المغاربية لكانت الأولوية لتونس التي تعاني من مشاكل أمنية تولدت عن مشاكل إقليمية معروفة، وبحسب مصادر إعلامية في تونسية فإن تونس تكون قد عرضت الانخراط كعضو في القيادة العسكرية المشتركة لدول الساحل التي تضم كل من الجزائر، مالي، النيجر وموريتانيا، ويقع مقرها بتمنراست بأقصى الجنوب الجزائري، بحيث تتمثل مهام هذه القيادة في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وعمليات التهريب، ويبدو أن معاناة التونسيين مع »الجهاديين« بجبل الشعانبي هو الذي دفع بهم للعمل على القضاء على الخطر في المصدر. تونس التي تواجه خطر القاعدة في جبل الشعانبي، تعايني أيضا من أزمة سياسية خانقة قادت زعيم النهضة التي تقود الترويكا الحاكمة في تونس الشيخ راشد الغنوشي مجددا إلى الجزائر للتشاور مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وتبقى الجزائر تمثل السند الرئيس لتونس في محنتها التي تكاد لا تنتهي، فالجزائر قدمت المساعدة لتونس، ولا تزال تعرض على التونسيين العون في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، قناع منها بأن استقرار تونس من استقرار الجزائر والعكس صحيح، ومن باب ردالجميل أيضا، فتونس كانت أكبر سند للشعب الجزائري إبان حرب التحرير.