في عالم السياسة، كل شيء سياسة حتى النكتة، والعهدة الرابعة هي تحصيل حال، حتى لو اعتبرها البعض مزحة . سأل أحد الوزراء الفرنسيين المرافقين لرئيس الوزراء الفرنسي خلال زيارته للجزائر أحد الوزراء الجزائريين قائلا: يا صديقي هل العهدة الرابعة تكون أو لا تكون ؟، فرد عليه الوزير الجزائري : يا صديقي أنت متأخر جدا ..فنحن بصدد مناقشة العهدة الخامسة. هذا الحوار الثنائي بين وزيرين قد تشتم منه رائحة المزاح والتنكيت، لكن في عالم السياسة كل شيء سياسة حتى النكتة. ما يعني أن العهدة الرابعة للرئيس بوتفليقة حسمت، بقي فقط الإخراج السياسي لترشح الرئيس لعهدة أخرى. وسؤال الوزير الفرنسي، يعد في حد ذاته مزحة سياسية، فهو يشير بصراحة إلى الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة، فلو لم يلم المرض بالرئيس لما تجرأ الوزير الفرنسي وسأل هذا السؤال. وهكذا، أصبح هذا السؤال: هل تكون العهدة الرابعة أو لا تكون ؟ محل أحاديث الناس، من علية القوم إلى المواطنين البسطاء، فلا تنزل في أي منزل إلّا وبادرك الناس بذات السؤال. وكل له مبرراته، سواء أكان من المتوقعين أو المساندين لها، أو المتوقعين لعدمها والرافضين لها. مبررات أنصار العهدة الرابعة تتمحور مبررات المؤيدين للعهدة الرابعة حول منجزات الرئيس بوتفليقة خلال 15 سنة من توليه الحكم، وعلى رأس هذه المنجزات تحقيق المصالحة الوطنية، التي تعني وقف الإرهاب ووقف اقتتال الجزائريين فيما بينهم، وتمكين الجزائر من تفويت الفرصة على حدوث ربيع عربي في الجزائر كما حدث في ليبيا ومصر وسوريا وغيرها من البلدان، ثم تحقيق مكاسب تنموية كبيرة متجسدة في المنشآت القاعدية المتنوعة مثل الطرق السريعة وقطارات الطرامواي، وقطار الأنفاق، وبناء السدود، وحل مشكلة المياه الشروبة بإنشاء محطات تحلية مياه البحر، وبناء مراكز جامعية في عدة ولايات، وبناء السكنات المتنوعة التمويل: تساهمية، ريفية، وكالة عدل..، تقديم القروض للشباب وغيرها من المنجزات التي يرتكزون عليها، وحتى عسكريا فإن الجيش الجزائري عرف نقلة نوعية من حيث الاحترافية والتجهيز خلال ال 15 عاما المنقضية. وبنظر المؤيدين لترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة رابعة، فإن الجزائر في عهده على وشك أن تصبح قوة إقليمية مهيبة، وحتى تتمكن من تحقيق ذلك فإنه من مصلحة الجزائر أن يواصل بوتفليقة مهامه على رأس الدولة. بالإضافة إلى ذلك، حسب هذا الطرح، فإن الرئيس بوتفليقة يدرك جيدا أن العهدة الرابعة هي آخر عهدة له على رأس الدولة في حالة ما إذا ترشح لها، وبالتالي يسير الدولة متحررا من ضغوطات أو حسابات عهدة أخرى، ما يؤهله من بناء دولة مدنية بعد أن شق طريقها في أواخر العهدة الثالثة. حجج المعارضين للعهدة الرابعة أما المعارضين للعهدة الرابعة فبدورهم لهم مبررات وحجج يرتكزون عليها. أولا يشكك المتشددون في منجزات الرئيس بوتفليقة، بينما يقول المعتدلون أن المنجزات مؤكدة وثابتة لكنها دون مستوى ما صرف من أموال. كما يعتبر هذا التيار أن ترشح بوتفليقة لعهدة أخرى يقضي على حلم التداول على السلطة، ويقولون أن الفساد انتشر كثيرا خلال السنوات الماضية، كقضية سوناطراك، وغيرها من المبررات. غير أن أهم حجة لهم تتعلق بالقدرات الصحية للرئيس، فمنذ عودة بوتفليقة من العلاج بباريس، وخاصة بعد ظهوره على كرسي متحرك في مختلف اجتماعاته واستقبالاته، أصبحوا متمسكين بالملف الطبي كي يثبتوا عجز الرئيس صحيا عن مواصلة مهامه ناهيك عن ترشحه لعهدة جديدة. غير أن أنصار العهدة الرابعة، يؤكدون أن الرئيس بوتفليقة يحافظ على كامل قواه العقلية بدليل أنه استقبل عدة شخصيات دولية فضلا عن استقباله الوزير الأول عبد المالك سلال، وقائد أركان الجيش الفريق قايد صالح عدة مرات. ويستشهدون بتصريحات راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية، والباجي قائد السبي زعيم نداء تونس، الذين صرحا عقب استقبالهما بشكل انفرادي من قبل بوتفليقة : " أن الرجل في كامل قواه العقلية وأنه مدرك ومتحكم في كل مفاصل الأحداث الدولية والإقليمية، وأن لديه وجهة نظر وتوجيهات قيمة ومحترمة." وبذلك يؤكد أنصاره أن المشكل الحركي للرئيس سيتحسن مع الزمن، وسوف يكون بمقدور الرجل أن يقود حملته الإنتخابية بنفسه. قضية أخرى أشارت إليها الصحف الجزائرية، وسوقتها على أن العهدة الرابعة لن تكون، هي تصريحات الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي حمد الله في لقاء بمجمع يهودي في باريس لأن وزير داخليته رجع سالما من الجزائر. وقيل حينها أن باريس بهذه التصريحات تعارض ترشح بوتفليقة لعهدة رابعة. ومهما كانت الطريقة الدبلوماسية التي طويت به الأزمة الناجمة عن ذلك التصريح، فإن مؤيدي بوتفليقة يشككون في صدقية تلك التصريحات ويقولون أن الذين سربوها ينتمون للوبي اليهودي الفرنسي المؤيد للمغرب، الذب انزعج للتطور الإيجابي في العلاقات الجزائرية الفرنسية. ملاحظ محايد أما الملاحظون المحايدون، فيقولون أن كل التحليلات الموجودة في الساحة السياسية والإعلامية في الجزائر، فهي عبارة عن رغبات تحولت إلى معلومات، بمعنى أن كل طرف يقدم رغبته على أساس أنها معلومات وبالتالي لا يمكن البناء عليها. أما ما يمكن البناء عليه، فهي التغييرات التي مست بعض الوزارات والمؤسسات كوزارة الداخلية والعدل والمجلس الدستوري، فضلا عن الجولات الماراطونية للوزير الأول عبد المالك سلال ل 32 ولاية وهو أكبر عدد من الزيارات الميدانية التي يقوم بها مسؤول جزائري منذ الاستقلال. هذه الزيارات اعتبرت حملة مسبقة لصالح العهدة الرابعة. ويلتف حول العهدة الرابعة العديد من الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية والجمعيات، يتقدمهم حزب جبهة التحرير الوطني، وحزب تجمع أمل الجزائر، والتجمع الوطني الديمقراطي، والمركزية النقابية واتحاد الفلاحين واتحاد التجار والحرفيين وغيرهم. هذه الأخيرة تستطيع حسم نتائج الانتخابات بسهولة في حال ترشح بوتفليقة لعهدة جديدة. وفي المحصلة يمكن التأكيد على المزحة السياسية للوزير الجزائري: إن القوم تجاوزوا العهدة الرابعة .. إنها تحصيل حاصل.