لعلي قد أجبت ولو جزئيا - عن هذا السؤال في كتابات سابقة وخاصة ضمن مقالي المنشور يوم 28 أكتوبر 2013 في نفس الجريدة تحت عنوان ''بوتفليقة: العودة والتحدي'' ولقد أشرت حينها إلى كون هذه المعارضة التائهة لا تكاد تتفق إلا على نقطة واحدة هي ضرورة البحث عن توافق يمكنها من دخول المنافسة الرئاسية بمرشح واحد، وذلك من أجل هدف أوحد هو قطع الطريق على الرئيس ''بوتفليقة'' وقد نسيت يومها أن أقول أن لا أحد من زعماء معارضتنا المنهكة - باستثناء بعض الأقزام اللاهثة وراء الشهرة - أعرب عن نيته في أن يكون هو المرشح المأمول وهذا في تقديري له تفسير واحد، هو أن لا أحد منهم مقتنع بأنه يتمتع بالقامة والهامة والتميز الذي يجعل الآخرين يقبلون به كمرشح إجماع لهذا التكتل المصطنع وأنى لهم أن يتفقوا وهم عشرون، إذا أضفنا لهم جماعة ''''17 أصبحوا قادرين على تشكيل كتيبة احتياط في الجيش. ■آيت سالم ● لكن الأكيد أن الكتيبة تبقى بدون قائد، لأنهم لن يتفقوا قطعا على قائد سواء بالتزكية أو الإنتخاب لكن ربما أرغمتهم الجنونية في قطع الطريق على الرئيس، على الإتفاق على رجل من خارج صفوفهم، وفي هذه الحالة لن يكون هذا الرجل إلا شخصية وطنية سبق لها أن تقلدت مسؤوليات هامة داخل النظام، أعني النظام الذي يزعمون معارضته ويسعون بكل الوسائل إلى تغييره حتى ولو أن بعضهم أكل على موائده ردها من الزمن ذلك أن الأسماء المتداولة كلها ولدت وترعرعت وشاخت في حضن النظام، وقد تساءلت كثيرا لماذا لا تحاول هذه المعارضة البائسة - إن كانت تريد التغيير حقا - أن تلتف حول شخصية مستقلة لها مكانتها في المجتمع وتتوفر فيها شروط القيادة. والجواب هو أن كل هؤلاء الزعماء المزعومين مسكونين بغرور لا حدود له وطموح مرضي يمنعهم من التنازل عن الترشح، لأي شخصية مستقلة مهما ارتفع شأنها وعلا كعبها وثبت صدقها في أوساط المجتمع المدني بنخبته وعامته. أجل، لهذا لا أعتقد أنهم يقبلون إلا برجل من الرعيل الأول، أعني من الجيل القديم، هم الذين يدعون السعي للتغيير والتجديد ! لعبة الأرانب.. هواية مفضّلة عندما أقول بأن أغلب قادة الأحزاب امتنعوا بل تمنعوا عن الترشح وهم الراغبون، لابد أن أميز بين أحزاب قديمة شاخت قبل أن تشب وظهرت فيها أمراض وعلل تجلت في العديد من الصراعات الداخلية التي وصلت حد الإنشقاق والتنابز والعداء ففقدت بذلك مبرر وجودها وهناك أحزاب أو حزيبات صغيرة حديثة الولادة، فهي لا تزال تحبو بصعوبة ولا ندري هل ستقف يوما ما على رجليها، رؤساء هذه الأحزاب الجديدة التي لا تساوي من حيث قاعدتها النضالية حجم ناد رياضي في بلدية من البلديات النائية، يعرفون حق المعرفة بأن ليس لهم مثقال ذرة من الحظ في الوصول إلى سدة الحكم على الأقل في المدى المنظور ومع ذلك يرغب بعضهم في الترشح صراحة أو تلميحا. هؤلاء الزعماء الجدد يشتركون مع القدامى الذين سبق لهم أن ترشحوا أكثر من مرة بدون طائل، في الولع بلعبة الأرانب التي أصبحت هوايتهم المفضلة، وكثيرا ما تساءلت عن سبب حبهم لهذه اللعبة والجواب حسب تقديري هو أن هؤلاء الإخوة يترشحون بناء على قاعدة : أترشح فأنا موجود. على غرار القاعدة الأصلية التي تقول ''أفكر فأنا موجود'' وربما كان منهم من هو مصاب بمركب النقص والعظمة معا، فيتوهم أنه بمجرد أن يترشح للرئاسيات يصبح في مستوى الرؤساء حتى ولو خسر الرهان، مواقف هؤلاء الإخوة أو بالأحرى تفكيرهم المعتل يذكرني بحكاية طريفة أستسمح القراء في روايتها :''عندما كنت طفلا صغيرا كان يقام في مدينتنا سباق سنوي للدراجات الهوائية، وكان هذا السباق يتمثل في المرور عدة مرات حول الساحة الكبيرة للمدينة والغريب أن في كل سنة كان يشارك في السباق رجل تجاوز عتبة الشباب بكثير وفي كل مرة كان هذا الرجل الذي لا زلت أذكر اسمه وصوره - يتخلف عن كوكبة المتسابقين بعدة دورات، ويمر وحيدا في الحلبة لكنه لا يتوقف حتى يكمل السباق وهو ما كان يسعد الأطفال فيهتفون باسمه ويصفقون له. والأغرب أنه كان يعود للمشاركة في كل سنة دون انقطاع وعلى نفس المنوال حتى أصبح السباق دون ''عمي الدويدي'' لا طعم له ولا رائحة وكم تساءلت وأنا في تلك السن المبكرة لماذا كان هذا الرجل يشارك وهو متيقن بالخسارة بشكل يجعله سخرية الأطفال وحتى الكبار مع أن هذه السخرية كانت بريئة وتحمل في طياتها كثيرا من الحب والتعاطف على عكس المشاركة العبثية في سباق الرئاسيات التي لا تجلب لصاحبها إلا الخزي والمهانة لأن صاحبها كان يعلم قبل غيره أنه ساقط لا محالة فيها ومع ذلك يشارك؟ قلت بأنني تساءلت كثيرا ولازلت أتساءل عن هدف ''عمي الدويدي'' من المشاركة في سباق الدراجات؟ أكيد أن ذلك لم يكن من أجل الحفاظ على لياقته البدنية، لأن الرجل كان بإمكانه أن يتمرن في أيام أخرى! كما أنني لا أظن بأنه كان يشارك طمعا في الفوز، فقد كان يعلم يقينا أنه لا يستطيع مغالبة أولئك الشبان الأقوياء لكن ربما كان مثل إخواننا المترشحين بلا أمل، يشارك على أساس نفس القاعدة : أشارك فأنا موجود أو أتسابق، فأنا إذا في مستوى الأبطال المتسابقين. أرجو المعذرة على هذا الإستطراد الطويل، لكن هذه الحكاية أعادتني إلى أيام الصبا الحلوة الجميلة فشكرا لمرشحينا، فلولاهم لما تذكرتها وتذكرت شبابي. أبو جرة.. تكسرت الجرة! أعود الآن إلى أحزابنا التائهة وأولها حركة حمس والذي أعادني إلى الحديث عنها، هي تصريحات رئيسها السابق الدكتور أبو جرة سلطاني الذي تكسرت ''جرته'' بعد أن هبت عليها رياح الربيع العربي العاتية. تصريحات الأستاذ سلطاني الأخيرة توحي بأن حبل الأمل قد انقطع لديه إلى درجة جعلته يقول بنبرة المهزوم - وهو الذي كان بالأمس القريب يصول ويجول - إن الإنتصارات التي تراكمت منذ سنة 1988 - صارت فوق مستوى جيل الثورة وجيل الإستقلال معا. ثم بعد أن يعترف بأن حمس قدمت تنازلات كبيرة يؤكد بأن التغيير الجذري مستحيل وبأن الأفق مسدود، ولم تعد هناك طريق ترسم لها خرائط جديدة !؟ ثم بعد ذلك يقر بأن الشعب لم يعد يعير لهذه الأحزاب أي اهتمام بعد أن يئس منها ومن خطابها. الآن فقط يكتشف سلطاني هذا - وقد كان من قبل أيام الوزارة والإمارة - يدعي بأن الشعب يريد التغيير الشامل وبأن المواطن متعطش إلى دولة الحريات والديمقراطية الحقة وبأن حزبه كفيل بأن يستجيب إلى تطلعات الجماهير إن هو تسلم مقاليد الحكم. أجل، هذا هو خطاب السيد سلطاني اليوم، خطابه يائس ومع ذلك يبدو لي أنه استعاد بصيصا من الأمل في الآونة الأخيرة حيث أبدى صراحة رغبته في الترشح إن مكنه حزبه من ذلك لكن الحزب ولسوء حظه قرر المقاطعة، وحسنا فعل، لأنه لو شارك لأدت عملية اختيار الفارس الذي يحمل لواءه إلى معركة ضارية قد تؤدي به، إلى انشطار جديد، على خلفية الصراع بين رئيس قديم يعتبر نفسه الأولى بالريادة وخليفته الطموح الذي يعتقد بأنه الأحق والأجدر والأقدر على تمثيل الحركة. ودليلي على تعطش السيد مقري للسلطة، ما أبداه من جهد منقطع النظير، وما قام به من تحركات في كل اتجاه بحثا عن توافق قد يسمح له بدخول الرئاسيات كمترشح إجماع للمعارضة، أجل، لقد قام السيد ''مقري'' بجهود جبارة ومساع حثيثة تنم عن هوس أكيد بالسلطة وبالرئاسة بالتحديد وإلا كيف نفسر تقربه - بعد أن يئس من الأحزاب الإسلامية وبعد أن أغلق الباب في وجهه حزب القوى الإشتراكية - من أحزاب علمانية إستئصالية متطرفة معروفة بمناوأتها لكل ما هو إسلامي. مناصرة يخسر ومقري لا برى إلا نفسه وفي نفس الإطار يتحتم علي أن أعود إلى الأخ مناصرة ورغم أنني أبديت رأيي في مواقفه ضمن كتاباتي السابقة، نعم لابد أن أعود له لأنه أصبح يقول كلاما جديدا في الفترة الأخيرة.. كلاما غريبا يقتضي التعليق عليه، رغم سخافته ونشوزه، أجل إن الأخ مناصرة قد أصبح يخبط خبط عشواء بعد أن شعر بأنه خسر السابق واللاحق، فلا تحالف أحزاب قد يجد مكانا ضمن قيادته، ولا مصالحة مع حزبه الأصلي، ولا عودة ممكنة إلى بيت السلطة، لذلك نراه يهذي ويرطن قائلا: إن رئيس الجزائر لابد أن يكون فارسا قويا، مما يوحي بأن الرؤساء السابقين كانوا حسب رأيه نعاجا أو خرفانا ضعيفة ولو كانوا كذلك لما وصلوا إلى سدة الحكم في بلد الثورة والثوار ومع ذلك نقول للسيد مناصرة من أين نأتي لك بهذا الفارس المغوار، فأنت تعرف أن الأسماء المطروحة في الساحة السياسية حاليا بعيدة عن هذا الوصف بعد السماء عن الأرض، لكن لعله يرى في نفسه ذلك القائد الهمام الذي تجتمع فيه شروط الفروسية، ففي هذا الحالة، ما عليه إلا أن يقتحم الميدان كشأن الفرسان وأن يترشح للإستحقاق المقبل، وألا يبحث عن ذرائع تجنبه خوض معركة يعرف أنه ليس في مستواها ومما يؤكد ارتباكه وتنطعه المفرط أنه أصبح يشترط في الرئيس القادم، بالإضافة إلى الفروسية، أن يكون لاعب كرة مثل ''رونالدو'' بحيث يتقن اللعب بالكرعين، فهل خفي على زعيم ''التغيير '' أن الرؤساء يسيرون ولا ينزلون إلى الميدان للعب بالكرعين؟ وهل يحتاج إلى أن أذكره بأن ''جوهفلانج'' كان رئيسا للفدرالية الدولية لكرة القدم وهو في العقد الثامن كما أن ''سمرانج'' قاد اللجنة الأولمبية الدولية وعمره يفوق السبعين؟ كيف فاتك هذا وأنت تعرف أن الرؤساء الكبار يلعبون بالرأس وليس بالكرعين، ولا الكفين الذي طالما صفقت بهما للرئيس ''بوتفليقة'' تصفيقا حارا حرارة الكرسي الوزاري الذي كنت تجلس عليه، مشكلة الأخ '' مناصرة'' تختلف تماما عن مشكلة زميله ''مقري'' الذي طوح به الغرور إلى درجة أنه صار لا يرى في نفسه أقل من رئيس. طموح ''مناصرة'' لا يصل إلى هذا الحد: لذلك فمشكلته ليست الرئاسة، وإنما الوزارة التي ضل طريق العودة إليها بعد أن ذاق حلاوتها وطراوتها، وقديما قيل'' اللي ذاق البنة ما يتهنى'' هذا بالنسبة ل ''حمس'' ومشتقاتها، أما زعيم حزب ''النهضة'' المستقيل من المنصب دون الإستقالة من الهراء والدجل.. وأقول الهراء وإلا كيف يحاول أن يبرهن على الفشل بالعمل، أجل، فعندما تسعى الحكومة، بشتى الوسائل إلى التقليص - ولو جزئيا - من مشاكل الشباب والحد من معضلة البطالة، يقول - وليس الوحيد - بأن الحكومة تشتري السلم الأهلي، وعندما تطلق برنامجا هائلا سعيا للقضاء ولو تدريجيا، على طامة السكن، يقول بأنها تعمل على إرضاء المواطنين من أجل ضمان الأمن والإستقرار ، سبحان الله. فهل مهمة الحكومة، أي حكومة في العالم، إلا السعي إلى إرضاء شعبها والعمل على توفير الشروط الضرورية لإستتباب الأمن و الأمان؟ لا شك أن مثل هذا التفكير الأخرق ساهم بكثير في إنهاء ربيع الأخ الربيعي الذي يريد من الحكومة أن تتوقف عن النشاط وأن تعلق برامج السكن وأن تجمد المشاريع الموجهة للشباب، لأن هذه الجهود كلها من شأنها أن تمتص غضب الجماهير وتبعث شيئا - ولو قليلا - من الثقة والأمل في نفوس الشباب، وبكلمة واحدة أخونا ''الربيعي'' يريد من الحكومة أن تنتحر، ويومئذ يفرح هو ومن لف بانهيار الدولة وبالتالي سقوط النظام الحالي وقيام نظام جديد يكون له فيه نصيب، ولا يهمه أن يقوم هذا النظام الجديد على أنقاض الوطن ولا يزعجه أن يكون ثمن هذا التغيير خراب الجزائر. ■ يتبع