طالما هناك إبداع هناك نقد أدبي والعكس صحيح، هذه عبارة يرددها بعض أو جل النقاد والسائرين في حقل النقد الأدبي هنا بالجزائر، ولنأتي للب الإشكال المطروح، لماذا ليس هناك نقد في الجزائر؟ ولماذا إن وجد يتهجم على هذا الروائي أو ذاك، ويتوج ذاك ز المبدع ز أو تلك ز المبدعة ز على عرش المشاهير، ثم يأتي عبر وسائل الإعلام يصرح لنا إن مستوى المنتج الإبداعي ضعيف ولغته ركيكة ولا ندري ماذا أيضا، طلب مني أن أعالج بالتحليل، سؤالا ستعلق بموت النقد أو تحوله لرجل ميت يلبس بذلة، وارتأيت أن يكون لي نصيب من المساهمة في بلورة طرح جديد قد يفيد الساحة الأدبية أو يكون بادرة حديثة في عالم النقد تجلعه يقفز من النعش الذي وضع فيه لسبب أو لآخر، إلى الوقوف من جديد على رجليه، ثم الظهور لنا بثوب الرجل الحي الذي يريد أن يعطي للإبداع معنى لا أن يثبط من عزيمة هذا الروائي الطارق باب الأدب. حتى لا أطنب من غير الغوص في الظاهرة، أقول، إن الذي يسمى في الجزائر نقدا، هو في الأصل دراسات أكاديمية تعنى بشؤون الأدب عندا، إما رواية أو ديوان شعر، وحتى ما نشر من اجتهاد في هذا الاتجاه شابه بعض من اللاموضوعية، إذ يكفي لأي ناقد أن يكون صديقا لروائي أو مبدع، كي يكتب عنه، ويشهر به عبر وسائل إعلام كثيرا ما لعبت دورا في تهميش خيرة الأدباء الشباب، ولا داع لذكر أسماء هؤلاء النقاد، ولا عناوين تلك الجرائد، لست هنا لأتهجم على حركة النقد في الساحة الأدبية، لكننا لا نرى مثلا أن كتابا صدر في النقد، يؤسس فعلا لنظرية نقدية يمكنها أن تخلق منافسة في عالم الكتابة عن الرواية، أي حتى لما يأتي الناقد، غالبا يكون دكتورا أو باحثا في شعبة الأدب بالجامعة، كي يكتب ويجد أن هناك منظرين في النقد، تتكون له حماسة في منافسة هذا الناقد أو ذاك، ثم لماذا، لا نرى نقادنا من أساتذة وباحثين، يعكفون على قراءة كل منتج أدبي دون إستثناء، ثم يقدمون لنا نظرتهم لما يكتب بكل موضوعية، مثلا أن تقرء رواية ز اللاز لطاهر وطار، أو أصابع لوليتا لوسيني الأعرج، أو لها سر النحلة لأمين الزاوي، الحالم لسمير قسيمي، أو وصية المعتوه لإسماعيل يبرير، أو في رواية أخرى لعلاوة حاجي، أو ربما تلك الأعمال الشابة التي طمست بكثير من التهميش، هاجر قويدري عن روايتها نورس باشا، والقائمة طويلة، ذكرت هذا الكم القليل من الأعمال الروائية بالأخص، واستثنيت الشعر منها، لأن له وقته ومساحته للحديث عنه بمزيد من التعمق، كي أدقق في نقطة واحدة، هي لماذا؟ أقول سؤال ال اللماذا كي أوجه كلامي لمل من يشتغل في حقل النقد، لماذا يا ترى مات ولبس لباس رجل فقد القدرة على الحركة، لماذا لم يرتقي إلى مصاف النقد الأدبي كما يحدث في الخليج مثلا، أو في المغرب، هل ظل حبيس ايديولوجيات نقادنا، أم لأن فلان لا يحب علان فلا يكتب عنه لا بالسلب ولا بالإيجاب، وإن كتب فقد يتهجم عليه بالقول فقط دون النقد البناء، فيقول مثلا ز إن هذا الروائي ضعيف المستوى من حيث اللغة ز أو يقول ز إن الأسلوب السردي ضعيف وهو نص يشبه الرواية لكنه لا يرقى لمستواها ز وهكذا، كلمات وعبارات كلها تصب في إتجاه وقف حركة الإبداع، والحق أقول، إن في ساحتنا الأدبية، أعمال خرجت من رحم المأساة، لا ألمح لمأساة التسعينات، بل أرمز لماساة الإدباع عموما والنقد بالأخص، هناك إبداع وإن قل، ومع ذلك يمكنه أن ينافس على جوائز عربية ولما لا عالمية، بدليل أن العرب هناك في المشرق يعترفون لهذا الروائي وتلك الروائية ويتوجونهم، أليس هذا إعتراف منهم هم أن في الجزائر من الكتاب في حقل العمل الروائي، من يمكنه أن يقارع الكبار في المشرق، قد نقرأ مقالا في الصفحات الثقافية لبعض الجرائد، يتحدث صاحبها عن جانب معين من المنتج الأدبي ويهمل جانبا آخر، ربما الجزء الفارغ من الكأس، ذاك لب السؤال، لماذا يهتم نقادنا بالسطحيات ويهملون سياق الكتابة ونفسية الكاتب مثلا، وكيف اختار هذا اللفظ أو ذاك، ولماذا حاول التجريب بقالب سردي جديد قد يبدو للنقاد غريبا وغير مألوف، لكنه تجديد واجتهاد، وليس على الكاتب أن يلتزم بقالب نمطي حدد له سلفا من مدرسة أدبية ما، وهناك أشير أن في الجزائر، هناك ما يعرف بالجماعات الأدبية وإن اكتفى البعض بعدم تسمية أنفسهم، لكنه يتجهون في نفسى المنحى الأدبي، فهناك الجاحظية، واتحاد الكتاب، ولا أدري ماذا، لا أتهجم عليهم، لكن أقول، ليس على النقد أن يتهم الروائي أو يصفه بتوصيف يثبط من عزيمته الإبداعية، بل على النقد أن يحيا ويفتح عينيه على حقيقة أخرى، أسميها ز التأويل وهنا يمكنني أن أعلن عن تأسيس مصطلح نقدي جديد أسميه ز تأويل النص الروائي ، ويمكن شرحه كما يأتي: إن تأويل النص الروائي، أو قراءة المنتج الإبداعي ( رواية ) قراءة تأويلية، يسمح للناقد بالوقوف على النص ذاته بعيدا عن صاحبه، وأول الخطوات لاي ناقد كي يكون ناقدا تأويليا، أن يتخلى عن عبائته الذاتيه، ويلبس لباس الموضوعية، يجرد النص من صاحبه، أو لنقل يزيل إسم الروائي ويترك فقط الرواية، هنا، وفقا لما يدعو إليه بول ريكو، الفيلسوف الفرنسي البنيوي، بحث في اللغة والتأويلية، فالحقيقة، من منطلق تأويلي ظاهراتي، أن يقوم النقد، من وجهة نظري، أن يدرس النص الروائي دراسة تأويلية، ويتعامل معه كنص منعزل عن صاحبه، يغوص من خلاله في عوالم الكاتب كي يفهم، وأقول ز الفهم ز أي فهم اللغة المستعملة، الألفاظ والعبارات، كي يفهم نفسية البطل في الرواية، يفهم حاجة الروائي لإستعمال هذا القالب أو ذاك، والأمثلة كثيرة في حقل التأويل والفهم، إذن نحن ندعو النقاد أولا للتعامل مع الأدب كظاهرة نصية بعيدا عن أيديولوجية صاحبها، سواء كان يساريا أو يمينيا، أو إسلاميا، أو معارضا للنظام. أعتقد وهذا رأيي، أن النقد الأدبي في الجزائر، فعلا هو الآن في بوتقة منغل على ذاته، لا يأبى الخروج عن دائرة الحساسيات، والأيديولوجيات، والمحاباة، والذاتية في التعامل مع منتج النص الروائي أي كان، الموت يعني اللا نفس، اللا حياة، والنقد مات ويلبس فعلا لباس رجل، لكن الرجل ميت، أو يحتضر، وأراه يخرج من تحت الأنقاض إن هو محص وفحص الظاهرة الإبداعية بفهم صحيح، بتأويل النص والحفر في بنائيته، التعامل مع الوثيقة في سياقها الزمني، سياقها اللغوي، النفسي، الثقافي، وبذلك، نخرج من دائرة النقد المحاباتي، النقد غير البناء، بل الهدام، مادام، يرغب البعض في تنصيب أنفسهم أوصياء على هذا القالب الأدبي. أيها الناقد، إستعمل من المدارس النقدية ما شئت كي تنقد رواية ما، وقل إن هذا الروائي ليس مبدع لأنه لم يرق دوق القارئ، وزد في القول بوصفه ضعيفا سرديا، لغويا، فنيا، بنائيا، لا أكثر، لكن تأكد أنك لو عزلت ذاتيتك، وتعاملت بموضوعية، وفق منهج التأويل، ستساهم بحق في إظهار إنتاجنا الأدبي للعالم العربي أولا، ثم بالمساهمة عالميا بالترجمة، في غبراز أن هناك مبدعين في الجزائر، هذا ما أراه نقدا، وللنقاد الحرية في نقدي باية نظرية كانت.