أول قناة تلفزيونية خاصة في الجزائر تم إغلاقها قبل أن تصبح جزائرية. فقد داهمت قوات الأمن مقر قناة الأطلس وحجزت معداتها وشمعت مكاتبها، وبعد 24 ساعة من الحادثة لم يعرف الجزائريون المبررات القانونية التي ترفعها السلطة لتبرر فعلتها. قد تأتي الجهات الرسمية بعد حين وتخبرنا بأن القرار صادر عن العدالة وهو قانوني تماما، وقد يتم إعداد لائحة اتهام ضد القائمين على القناة، وربما اكتشفنا بعض التجاوزات الي تستدعي اتخاذ قرار مثل هذا، لكن كثيرا من الغموض لا يزال يلف هذه الخطوة، والأولوية أعطيت لإسكات القناة وليس للدفاع عن القانون شكلا وجوهرا. طريقة الانفتاح التي اعتمدت في قطاع السمعي البصري كانت خاطئة تماما، فقد تأخر القانون كثيرا، وبعده تأخرت أيضا القوانين التنظيمية، ولم تظهر هيئة الضبط التي تتولى النظر في التجاوزات، ورغم كل هذا قررت السلطة أن تمنح اعتمادات لقنوات نشأت في الخارج وبقيت تخضع لقوانين دول أجنبية، ولعلها أرادت من خلال هذه الخطوة أن تقوم بفرز هذه القنوات وتصنيفها في انتظار أن تخضع للقانون الجديد. الحديث عن حرية التعبير، وحرية الصحافة جزء منها، يجب أن يتجاوز الجدل القانوني الذي ينطوي على كثير من التلاعب بالنصوص، لينفذ إلى عمق القضية وهي أن حرية التعبير شرط لتحقيق النهضة بكل أبعادها، فلا يمكن محاربة الفساد دون حرية تعبير، ولا مجال لتحقيق التغيير السياسي، وبناء دولة الحق والقانون دون وسائل إعلام حرة، ولا يمكن للإبداع في مجال الثقافة والفنون أن يزدهر في أجواء الخوف والقمع. لقد اختارت السلطة أن تتعامل مع تحرير قطاع السمعي البصري كمشكلة، وأثمر هذا الأسلوب في التعامل قانونا يهدف إلى وضع القيود أكثر مما يرمي إلى توفير الإطار المناسب لممارسة إعلامية سليمة، وهذا اللجوء إلى الغلق مع أول امتحان هو إشارة سيئة إلى أننا بعيدون عن أجواء الحرية التي اعتقد الناس أنها بدأت تسود مع ظهور رأي مختلف عبر قنوات التلفزيون الخاصة. الوقت الذي يضيع في محاولة مراوغة حركة التاريخ، وتجنب حتميات التطور، ثمين وهو خسارة كبرى للبلاد.