يقدم الباحث الدكتور حسن يوسفي من خلال كتاب»المسرح والفرجات« مجموعة من الدراسات المتميزة عن موضوع مهم يتصل بعوالم المسرح، و ما يزال يستحق الكثير من الأبحاث والدراسات. تافيلالت...فضاءً للفرجات: في المبحث الثاني من الكتاب تحدث الدكتور حسن يوسفي عن تافيلالت بصفتها فضاءً للفرجات،فذكر في البدء أن الحديث عن الفرجات الفيلالية يقترن باستحضار تافيلالت باعتبارها فضاء ثقافياً له امتداداته التاريخية والجغرافية الضاربة في عمق التخوم الجنوبية الشرقية للمغرب. وبالنسبة للفرجات الفيلالية فهي شأنها شأن الفرجات الإنسانية بشكل عام تتخذ أشكالاً وصيغاً متنوعة،فتتمظهر في شكل طقوس وشعائر أو احتفالات أو أعياد،كما يتمازج فيها الرقص بالغناء و الإنشاد،وتعتمد مختلف اللغات والوسائل التعبيرية المستعملة في الفرجات بما فيها الكلمة سواءكانت حكياً أو شعراً أو زجلاً أو غيره،إضافة إلى الإيقاع والجسد. ويتساءل الدكتور حسن يوسفي عن كيفية تصنيف المتن الفرجوي الفيلالي؟وما هي المبادئ التي يمكن اعتمادها في نمذجة الفرجات الفيلالية لاسيما وأنها تتقاطع مع الصيغ العامة للفرجات الإنسانية من حيث الوسائل والأشكال التعبيرية،وإن كانت تتميز عنها من حيث طرائق تمثلها لهذه الوسائل ولأبعادها الاجتماعية والأنثروبولوجية؟ يعتقد المؤلف أنه بالإمكان تصنيف الفرجات الفيلالية إلى ثلاثة أصناف كبرى هي: -فرجات طقوسية. -فرجات جسدية. -فرجات إيقاعية. يقصد بالفرجات الطقوسية تلك التي تندرج في صلب الحدث الديني أو الاجتماعي المرتبط بالحياة اليومية أو بالفترات الزمنية الحاسمة في معيش الإنسان الفيلالي،وهي تقسم إلى فرجات ذات طابع روحي أو ديني،وتندرج ضمنها طقوس الزوايا،وهناك فرجات تتخذ طابعاً سوسيولوجياً وتندرج في صلب بعض الاشغال الموسمية للإنسان الفيلالي في علاقته بأرضه وبمعيشته. في حين أن طقوس الزواج والأعراس تتخذ في الغالب شكل احتفال منظم تتخلله لحظات فرجوية مسننة ومنظمة يتم تنفيذها عبر مراحل ،ويشير المؤلف إلى أن الأعراس غالباً ما تكون مناسبة لانتعاش الفرجات الجسدية،لاسيما من خلال طبيعة الرقصات التي يتم تأديتها بشكل فردي أو جماعي،حيث تعرف كل منطقة من مناطق تافيلالت بفرجة جسدية خاصة لها سننها الخاص وترتيباتها المميزة. ومن بين الفرجات التي تصنعها الكلمة بتافيلالت سواءً كانت شعراً أو زجلاً أو حكياً،يندرج ضمن هذا الإطار ما يعرف بالرباعيات. ويذكر الدكتور حسن يوسفي في هذا البحث أن فن البلدي يعتبر«الفن الأكثر حضوراً في فرجات الفيلاليين،لاسيما خلال الأعراس ومختلف المناسبات العائلية،وهو مزيج من الزجل المحلي والطرب المعتمد على الإيقاع البطيء تارة والسريع تارة أخرى،وقد اشتهر من رواده المرحومان مولاي علي الفيلالي ومحمد باعوت،هذا الأخير الذي أضفى طابعاً فرجوياً منقطع النظير على هذا الفن.يتجلى ذلك في كونه فناناً شاملاً يجمع بين الرقص والغناء والضرب على بعض الآلات الإيقاعية ،ناهيك عن كونه أدخل إلى البلدي بعداً جديداً تمثل في ثقافة الجسد بكل ما تحمله هذه الثقافة من دلالات مختلفة على صعيد التزيين والزي.مما يحول العديد من فرجات باعوت إلى فرجات بصرية وسمعية في آن واحد. أما الرباعيات فهي عبارة عن أزجال تؤدى بكيفية فردية وجماعية في آن واحد،وتعرف بها على وجه الخصوص منطقة الجرف. وفي صلب هذه الأزجال يستشف السامع لها حكايات وفرجات ذهنية تعكس روح الفضاء الصحراوي الذي تنتمي إليه،بعاداته وتقاليده وطبائع أهله»(ص:37-38). المواقع الأثرية الإسماعيلية...فضاءً للفرجة المسرحية الحديثة: في المبحث الثالث من الكتاب،تطرق الدكتور حسن يوسفي إلى قضية(الفضاء)باعتبارها متغيراً من المتغيرات البارزة في الفرجة المسرحية الحديثة،وقد عالج هذه القضية من خلال تطرقه إلى المواقع الاثرية الإسماعيلية بمدينة مكناس المغربية، وأشار في سياق معالجته لهذه القضية إلى أن العديد من التجارب المسرحية الطليعية ذات النزعة المتمردة غالباً ما نظرت إلى قضية تفجير الفضاء المسرحي،وبالتالي إخراج المسرح من علبته الإيطالية التقليدية،باعتبارها قضية رئيسة وجوهرية تساعد على تحرير المسرح وتخليصه من القوالب الجاهزة،كما تجعل إبداعيته مفتوحة على آفاق جديدة في الإنتاج والتلقي. وقد بين المؤلف في هذا البحث أن بعض التجارب المسرحية العالمية في أوروبا وأمريكا عمدت إلى إخراج الفرجة المسرحية إلى الساحات العمومية والشوارع وفضاءات المؤسسات الصناعية والتجارية وهوامش المدن والأماكن المهجورة أو المنسية،علاوة على المواقع ذات العمق التاريخي أو الحضاري. ويؤكد المؤلف على أنه إذا كانت الرغبة في تفجير الفضاء المسرحي التقليدي هي نقطة تقاطع مختلف هذه التجارب فالاستعمالات السياسية والثقافية والسوسيولوجية والجمالية لهذا التفجير قد اختلفت من تجربة إلى أخرى،وذلك بالنظر إلى طبيعة السياق الذي نشأت فيه هذه التجارب،وقد شكل التعامل مع المواقع التاريخية أو الأثرية أو العجيبة أو الاستثنائية جزءاً لا يتجزأ من هذا النزوع الجديد في الفرجة المسرحية التي ترتبط إبداعيتها-شكلياً وموضوعياً ورؤيوياً-بالموقع باعتباره فضاء له ذاكرته الخاصة وحمولاته الثقافية والتاريخية المتميزة. ويرى الدكتور حسن يوسفي أنه ينبغي التمييز بين بعدين في علاقة الموقع بالفرجة: