أثارت زيارة كاتب الدولة الأمريكي للشؤون الخارجية وأمير قطر للجزائر الكثير من الجدل لتزامنها مع الحملة الانتخابية للرئاسية المقبلة، مع أن رئيس الدبلوماسية الأمريكية جون كيري كان مباشرا وصريحا، فما يهم أمريكا هو أن تظل الجزائر شريكا استراتيجيا لواشنطن وأما الرئاسيات فهي شان جزائري داخلي لا تتدخل فيه لا أمريكا ولا غيرها. لم يسبق أن عرفت أي زيارة رسمية لأي مسؤول أمريكي أو غير أمريكي الجدل الذي عرفته الزيارة الأخيرة لكاتب الدولة الأمريكي للشؤون الخارجية جون كيري، وبدرجة اقل زيارة الأمير قطري تميم بن حمد أل ثاني للجزائر، والسبب لا يكمن في الزيارتين بحد ذاتهما وإنما في توقيتهما وتزامنهما مع الحملة الخاصة بالرئاسية المقررة في ال 17 من أفريل الجاري، فالبعض تحدث عن تدخل أمريكي في الشأن الداخلي للجزائر، بل إن البعض أشار أيضا إلى محاولة دولة قطر طمأنة المسؤولين في الجزائر بشان الرئاسيات المقبلة، وبخصوص السيناريوهات التي يجري الحديث عنها حول التدخل الأجنبي ومحاولات جر الجزائر إلى مستنقع ما يسمى ب »الربيع العربي«، فإذا كانت أمريكا متهمة إلى جانب فرنسا بهندسة »الثورات العربية« لأهداف معروفة، فإن قطر تضل بالنسبة لجل المراقبين الخادم الأمين لهذا السيناريو الجهنمي الذي أدخل عدد من الأقطار العربية في فتن مدمرة. هناك من يعتقد بأن قطر تريد أن تبعث برسالة من خلال هذه الزيارة بأنها غير معنية بأي سيناريو قد يستهدف الجزائر، أو ربما تريد أن تلعب في الاتجاه المعاكس وتثبت حسن نواياها اتجاه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لكن هناك من يعتقد بأن ما يهم الدوحة في الوقت الراهن هو الخروج بأقل الأضرار من الوحل السياسي والدبلوماسي الذي وقعت فيه بفعل سياساتها الخارجية، فالعلاقات بينها وبين باقي دول الخليجي تمر بمرحلة جد حرجة، وما تريده السلطات القطرية في الظرف الحالي هو وساطة جزائرية بينها وبين السعودية والإمارات، فالجزائر بقيت تحتفظ بعلاقات جد متميزة مع الجميع، وهذا رغم التهم التي كانت تطالها بسبب مواقفها الحيادية والمتزنة من الأزمة في سوريا وقبلها في ليبيا. ويبدو أن العهد الذي كانت فيه قطر تسوق نفسها خارجيا كوسيط أو أداة لتنفيذ أجندة الولاياتالمتحدةالأمريكية وتجسيد ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد أو ما يسمى في بعض وسائل الإعلام بمشروع »الفوضى الخلاقة«، قد ولى، والتعامل مع الوضع في سوريا بعد صعود الخطر الإرهابي وتهديدات التنظيمات المتطرفة على غرار الدولة الإسلامية في العراق والشام، المعروفة اختصارا باسم »داعش«، أصبح صعبا، خاصة بعدما أصبحت العديد من الدول الأوربية على غرار بريطانيا وألمانيا تتخوف من أن ينقلب دعم الغرب وبعض العرب للمعارضة المسلحة في سوريا، بالسلاح أو دبلوماسيا، إلى أكبر فخ استراتيجي تدفع ثمنه الدول الغربية على المدى المتوسط، وقد يهدد حتى الكيان العبري ومصالح أمريكا وأوربا في كل المنطقة. لقد صرح رئيس حمس عبد الرزاق مقري قائلا أنه من الغريب أن يقوم جون كيري بزيارة الجزائر في عز الانتخابات الرئاسية..و أضاف: »كنتم قد اتهمتمونا بأننا نعمل نحت إمارة الأجانب و نستنجد بالأجانب، فكيف تفسرون استنجادكم بأميركا وفي هذا الوقت بالذات«، وجاءت تصريحات مقري في إطار استثمار واضح للمعارضة في الجدل الذي سبق زيارة كيري وتميم، فهذا الوزير والدبلوماسي السابق حليم بن عطا لله يصرح قائلا بأن زيارة كيري وتميم تعتبر تدخل في الشأن الداخلي للجزائر، ولم يبين بن عطا الله الذي يساند المترشح الحر علي بن فليس، كيف لدولة في حجم قطر أن تتدخل في الشأن الداخلي للجزائر أو تكون لها القدرة على التأثير في القرار السياسي لدولة في حجم الجزائر ووزنها الإقليمي والدولي؟ وزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة قال ردا على سؤال يتعلق بمزاعم مناقشة مسألة الانتخابات الرئاسية مع الأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني وكاتب الدولة الأمريكي جون كيري بالقول إن ملف الرئاسيات »شان داخلي ولا نناقشه مع ضيوفنا«، وهذا يعني بكل بساطة أن الجزائر لا تقبل بأي إملاءات أي كانت بشأن السياسات التي تنتهجها والخيارات التي تتبناها، وهو ما فهمته واشنطن التي أعلنت من خلال كيري بأنها ستتعامل مع أي رئيس تفرزه صناديق الانتخابات في الجزائر، الأمر الذي يقطع كل الشكوك حول الموقف الأمريكي وحول بعض ضنون جزء من المعارضة التي تعتقد بأن أمريكاوفرنسا أو غيرهما يمكن أن يتدخلوا في الجزائر أو يمارسوا أي شكل من إشكال الضغط لتوجيه الاقتراع المقبل في الاتجاه الذي يخدم معارضي العهدة الرئاسية الرابعة. والحقيقة أن لزيارة جون كيري أوجه كثيرة، فلا يمكن أن ننفي بأي شكل كان الطابع السياسي لهذه الزيارة، صحيح أن أمريكا لا يمكن لها أن تتدخل بشكل مباشر وتملي على السلطات الجزائرية ما يتوجب عليها فعله لتظفر بالرضا الأمريكي أو الغربي، لكن كيري جاء أيضا برسائل ضمينة وأخرى مباشرة، فأمريكا لا يمكن لها أن تقف ضد ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة العهدة رئاسية رابعة، وربما تساند هذا الترشح لشخصية توصف على أنها قريبة من الأمريكيين، لكنها ستحرص في المقابل على المطالبة بأن تجري الانتخابات في ظل الشفافية وأن تبذل السلطات في الجزائر ما يلزم لضمان الاستقرار. الجزائر تشكل بالنسبة للطرف الأمريكي رهانا لا يستهان به في المجالات الأمنية أو ما يسمى بتنسيق الجهود ضمن الحرب على الإرهاب وتقويض نفوذ القاعدة في المنطقة، وقد صرح كيري على هامش أشغال الدورة الثانية للحوار الاستراتيجي الجزائري-الأمريكي قائلا أن الموقف الذي تحرص على الدفاع عنه الجزائر والقائم على فكرة عدم التدخل لا يمنع إقامة تعاون وثيق بين الجزائروواشنطن، وأما حرص الأمريكيين على ضرورة التنسيق بين دول المنطقة لمواجهة خطر الإرهابي فهي مسألة تشاطرها السلطات الجزائرية وتدافع عنها بشكل واضح لا لبس فيه. وزير الخارجية رمطان العمامرة قال أن عدم مشاركة الجزائر بوحداتها القتالية خارج حدودها لا ينفي تعاونها الأمني والعسكري مع دول الجوار ويضيف بأن »الجزائر لا تشارك خارج حدودها بوحدات قتالية لكن هذا لا يعني أنه ليس للجزائر تعاون امني وعسكري مع الجوار حيث أنها تشارك في التكوين وفي التجهيز وفي تبادل المعلومات«، و الدليل على ذلك أن »هيئة الأركان (المعروفة باسم سيموك) المتخصصة في محاربة الإرهاب في منطقة الساحل موجودة بتمنراست (جنوبالجزائر) وقد أنشئت باقتراح من الجزائر وكذلك المركز الإفريقي للدراسات والأبحاث حول الإرهاب أنشئ بالجزائر العاصمة« وقد »برهنت في العديد من المناسبات الإقليمية والدولية على أنها في الطليعة فيما يخص محاربة الإرهاب«. لقد تزامنت زيارة كيري وتميم للجزائر مع ارتفاع ترمومتر الجدل في الساحة السياسية بعدما عرف خطاب الحملة سخونة لم يعرفها منذ سنوات، فعادت أجواء رئاسيات ,2004 بعد الاتهامات والقصف المتبادل بين منشطي حملة الرئيس بوتفليقة والمرشح الحر علي بن فليس، فيما واصلت مرشحة حزب العمال لويزة حنون على نفس المنوال محذرة من التدخل الأجنبي ومن مغبة انجذاب بعض المترشحين للخارج في محاولة لتكرار سيناريو الربيع العربي في الجزائر، خاصة بعد الرسالة التي وجهها كل من علي بن واري والجنرال المتقاعد محند يعلى للأوربيين والأمريكيين لاستجداء التدخل الخارجي، مما دفع بالعديد من الأطراف إلى تخوين الشخصيتين، فيما طلب رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان مصطفي فاروق قسنطيني بمحاكمتها بتهمة الخيانة. الرئاسيات 2014 لم تعد إلى الأذهان أجواء رئاسيات 2004 فحسب، بل كررت أيضا نفس الخلافات التي عرفتها الجبهة الإسلامية المحلة سابقا، فانشطر الحزب المحل على أكثر من جبهة بين من أيد المترشح الحر بن فليس وبين من فضل التريث، وهذا بعدما أعلن عباسي مدني من منفاه الإرادي بالدوحة، في رسالة بعث بها باسم الفيس المحظور، عن مقاطعة الرئاسيات وهو ما رد عليه القيادي السابق في هذه التشكيلة السياسية المحظورة، الهاشمي سحنوني مؤكدا بأن » عباسي مدني تحدث باسمه والرسالة لا تعدو أن تكون مجرد رأي خاص به ولا يمثل الجبهة الإسلامية للإنقاذ«، وواصل يقول مخاطبا عباسي مدني: » رسالتك لا تمثلك إلا وحدك يا عباسي أنت تعيش في قطر فلا تملي علينا ما نفعل في الداخل«، وعلل سحنوني موقفه بالقول أنه لم يكن هناك أي مشاوراتÅ بين قيادات »الفيس« المحل للخروج بموقف معين، مضيفا: »نا شخصيا لم يتصل بي أي طرف واطلعت على الرسالة عن طريق بعض الزملاء في الفيس ووسائل الإعلام، لذلك أعتبر أن الرسالة موقف خاص بعباسي مدني ولا تمثلنا في أي حال من الأحوال«، وقال سحنوني: »أنا شخصيا أرفض أن يملي علينا عباسي قراراته وهو الذي يعيش في الخارج وسبق لي وأن قلت لقيادات الفيس لا تصغوا لقرارات الخارج وأنتم هنا في الداخل«.