بمناسبة الحملة الانتخابية لرئاسيات 2014 ،تقدم بهذه الورقة لأشارك بمساهمة في هذا الشأن... هذه المساهمة المطروحة عبارة عن وجهة رأي شخصية صقلتها تجربتنا المتواضعة المتدرجة دون كلل أو انقطاع عبر هياكل وهيئات حزب جبهة التحرير الوطني خلال سنين مضت، وعبر نظرة استشرافية ارتسمت لنا بعض معالمها من خلال ما توفر لدينا من معطيات إلى حدّ كتابة هذه الفقرات ، قد يجد فيها القارئ أو المتتبع للمشهد السياسي في الجزائر هذه الأيام بعض التقاطعات مع التوجهات السياسية للمرحلة المقبلة من خلال تطبيق برنامج فخامة رئيس الجمهورية، وبصفته رئيس حزب جبهة التحرير الوطني،وهذا ما سنعتز به إن تحقق، وقد يحدث أن يجد القارئ الكريم في ذلك ما يتناقض أو يبتعد عن التوجه العام لما سيقدم على تطبيقه السيد الرئيس بعد الفوز المؤكد الذي سيمنحه له الشعب الجزائري لا محالة بعد السابع عشر من شهر افريل الحالي، فذلك اجتهاد حاولناه، وأخطأنا في تقديره، فالمرجو المعذرة مسبقا من السادة القراء إن حصل ذلك. ما بدا من دوافع لدى هذا وذاك من المترشحين،أو ما تستر عليها الآخر، فذلك وغيره ملأ نفس المتتبع والمشاهد بالحصرة والقنوط من استخفاف القوم بعب ء منصب رئيس الجمهورية أو القاضي الأول في البلاد ، وسهولة إدارة شأن الأمة والمحافظة على أمنها وكرامتها ورزقها...إن ثقل مسؤؤليةتسيير دفة الحكم في الجمهورية الجزائرية أعظم مما يتوهمون أو يحلمون أو يتوقعون.. إن الجمهورية الجزائرية الحرة ميلاد ثورة نوفمبر الخالدة،وأعظم ثورة في القرن العشرين،جاءت تتويجا لحركة نضال ومقاومة وجهاد شاق وعسير،بل وبعد ليل طويل ذاق خلاله الجزائريون مرارة الظلم والطغيان والفقر والجهل والحرمان..فمن يقدر هذه الحقيقة ياترى؟ الجزائر المستقلة التزمت المنهج الثوري التقدمي، فأعتقت النفوس من غياهب فكر القرون الوسطى، عززت الوحدة الوطنية،وأرست قواعد العدالة الاجتماعية،وناهضت الاستعمار أينما كان..، وقد تجسد ذلك عن طريق الاختيار الاشتراكي، ونظام الحزب الواحد ، وفاء وتطبيقا لبرنامج طرابلس الذي حدد بوضوح ملامح مشروع المجتمع الجزائري الناهض بالأمة، لقد تعزز هذا التوجه الثوري المجيد بالتصحيح الثوري عام ,1965 انطلقت بعده البلاد بخطى ثابتة مدروسة وملموسة،لم تلبث خلالها الجزائر أن تحولت إلى ورشة كبيرة مزدهرة بالإنجازات العظيمة، حرّكت وتيرة المجتمع برمته نحو العصرنة والمعاصرة،فاسترجع الشعب ثرواته بفضل سلسلة من التأميمات، وتوالت المخططات،فتغير وجه الجزائر العميقة،وتغيرت بنية المجتمع ذاته ،فلمس الجميع فضيلة التوازن الجهوي،والعدالة الاجتماعية والتنمية المحلية بأشكالها وأبعادها.. أصبحت الجزائر قبلة المظلومين والمضطهدين من جميع أنحاء العالم ،من أمريكا اللاتينية، وإفريقيا، وحتى من أوروبا،واقتدى الثوار هنا وهناك في تسمية حركاتهم بتسمية حزب جبهة التحرير الوطني، هذه التسمية التي شقت طريقها نحو العالمية، ومع ذلك ومن أخلاقيات ثورة نوفمبر،لم يجد الغرور منزلة في نفوس رجالات الحزب والدولة،أو محاولة منهم إلى تصدير الثورة إلى الخارج،بل وحتى لدى بعض الأنظمة الرجعية آنذاك التي كانت شعوبها تئن تحت القهر والظلم..فكان مبدأ عدم التدخل في الشؤؤن الداخلية للدول الشقيقة والصديقة ثابتا من ثوابت الدولة الجزائرية الذي أقرته ثورة نوفمبر. فكان الطريق السليم والقرار الصحيح. لقد كرست مرحلة البناء والتشييد قواعد صلبة للثورة داخليا وخارجيا،وفي هذا الخضم كان الوقت مناسبا لتعزيز برنامج مشروع المجتمع الجزائري، الذي تمت مناقشته على أوسع نطاق ومن كافة فئات المجتمع ومؤسساته،وكل قواه العاملة من خلال ميثاق ,1976 والذي يعتبر لبنة جديدة في تفعيل ثورة نوفمبر وترسيخ قيمها وثوابتها على جميع الأصعدة،وكان ذلك استجابة واعية وملموسة للتطور الذي عرفه المجتمع الجزائري آنذاك.فمن له كان شرف المشاركة في اتخاذ هذا القرارأوذاك..؟ لقد أثريت وثيقة الميثاق الوطني الذي يعتبر عقدا اجتماعيا بكل المقاييس عام ,1986 كمحاولة للتجاوب مع التغيرات التي عرفتها الساحة الدولية،والهزات التي عرفها المعسكر الاشتراكي وخاصة في جانبيه الاقتصادي ، والإيديولوجي، فما كان من السلطة السياسية وعلى رأسها حزب جبهة التحرير الوطني الذي اخذ المبادرة الإستباقية للتخفيف من الآثار الوخيمة التي عرفتها لاحقا الدول الاشتراكية بدءا من الإتحاد السوفيتي،وألمانيا الشرقية،ويوغسلافيا ورومانيا الخ..،فحدث أن تم تعديل الدستور عام 1989 وبما يتماشى وقطبية العالم التي استفحلت آثارها بعد انهيار الإتحاد السوفيتي، وهكذا واصل حزب جبهة التحرير مسيرته ومسؤؤليته في تأمين البلاد والعباد والمحافظة قدر المستطاع على المكتسبات التي تحققت بتضحيات جسام رغم الهجمة الشرسة الغير مدروسة العواقب والتي تبنتها الأحزاب الحديثة النشأة المتسرعة للحكم، فكانت المغالطات،والتنكر لما تحقق من انجازات عظيمة،وكان الجحود لمفاخر الجزائر الجمهورية من أمن ورخاء واستقرار وكرامة،فحدث أن غابت هذه النعمة وصحبتها عشرية دامية أتت على الأخضر واليابس. فقد المواطن أمنه، وكرامته واستهدف تخريب اقتصاده فانقطع رزقه، ولولا لطف من الله تبارك وتعالى، وما تبقى من حراس ثورة نوفمبر لكانت الدولة اليوم في مهب الريح.. مع عواصف الاضطرابات وهمجية الإرهاب،والتدمير الذاتي، لم يجد المواطن من ملاذ له سوى بالرجوع إلى أحضان الحزب العتيد فمكنه من انتخابات ,1987 رغم ما شابها من تجاوزات ،ورغم ما كان ينتظره المناوئون من اختفاء قسري للحزب والى الأبد من خارطة جغرافية الأحزاب التي تناثرت كما تتناثر حبات العقد المقطوع وعلمها لدى القاصي والداني لا يحتاج إلى تذكير، لقد تواصلت الثقة والتجاوب مع برنامج ومشروع المجتمع الذي يحمله حزب جبهة التحرير الوطني بالأمس واليوم ،ومن سخريات القدران نسمع أشخاصا مرشحين للرئاسة هذه الأيام يصرخون بأنهم يملكون مشروعا للمجتمع الجزائري...؟. إن التطور الطبيعي والممنهج للمسار السياسي والاجتماعي للدولة من منظور حزب جبهة التحرير الوطني كما أرى فيما سيقدم عليه السيد الرئيس المجاهد والمناضل عبد العزيز بوتفليقة الذي سوف لن يبخل عليه الشعب الجزائري الأبي بعهدة رابعة، كيف لا وهو آخر رمز من رموز ثورة التحرير،وثورة البناء والتشييد، ومهندس بل ومعبد طريق المصالحة الوطنية،ستضمن المحاور الخمسة لبرنامجه الانتخابي بعد عرس افريل القادم، بتمكين جيل الاستقلال الذي عاصر جيل الثورة من أخذ زمام تسيير الشأن العام في الدولة الجزائرية،وبالانتقال السلس للمشعل بموضوعية وبمنطق عقلاني يضمن الإستمرارية، وتجديد الأفكار، وتطوير آليات وأساليب التسيير وتجديدها لمواكبة العصر والمحافظة على مصداقية الدولة وشرعيتها والعمل على تواصل الأجيال وتكاملها في إطار ثوابت ومرجعيات ثورة نوفمبر الخالدة،ومبادئ حزب جبهة التحرير الوطني، أما الذين يبشرون بخلق دولة جديدة متى تحقق لهم الفوز، فان مثل هذا الكلام ليس سوى شطحات خيال،أو أضغاث أحلام... فهو تصور لا أساس،ولا تأسيس له،بل ولا منطق يسنده،والعجب كل العجب أن نسمع بالموازاة التبشير بمشروع مجتمع جديد سينجز وكأننا أمام صناعة ميكانيكية تركيبية تتحقق بمجرد تغيير قطع الغيار،واستبدال القطع الفاسدة بقطع بديلة أخرى .قد يكون في هذا الابتكار الغريب ما يندهش له علماء الاجتماع، وعلماء الاجتماع السياسي،ودارسي الحضارات الخ.. ميلاد الجمهورية الجزائرية كان بفضل تضحيات الشهداء رحمهم الله ،ومن المجاهدين من مازالوا على قيد الحياة فكان الانبعاث بتاريخ: 5جوليت .1962 والميلاد يأتي مرة في العمر،أما أن لا نجد من محاسن الحضارة الغربية إلا اخذ أوصاف الأرقام التي لا تمثل حدثا ذا أهمية في بلاد الغرب ولا الشرق إلا في عقول بعض المنبهرين عندنا بالثقافة الفرنسية وفي قشورها لا أكثر،فما الفائدة من استقدام ترقيم الجمهوريات...؟ إن تجديد الطاقة الوطنية للمجتمع الجزائري تمر حتما عبر التطور الطبيعي المدروس والسلس لآليات الحياة السياسية والاقتصادية بموازاة التطور الداخلي والخارجي،بل وكلما دعت الضرورة، أما أن يتم بالعنف، وبالديماغوجية الانتخابية الظرفية لدغدغة العواطف،فان مفعولها كالزبد الذي لا ينفع الناس فيتبخر ويذهب هباء، وان الترقيم في مسيرة الجمهورية لا أجد له من تشبيه سوى من انه عبارة عن ترف أو تسلية فكرية من باب جلب الانتباه لاأكثر بمناسبة الحملة الانتخابية التي توشك على نهايتها. والخلاصة إن عدم الدراية عن الممارسة إلا ما كان سطحيا منها،والافتقار إلى الواقعية في تسيير الشأن العام وأبجدياته، وكذا انعدام تقدير ثقل المسؤولية تقديرا صحيحا، كل ذلك وغيره قد يرفع اللوم عما بدا من بعض المترشحين لرئاسة الجمهورية وفيما يرونه بديلا في برامجهم والتي في عمومها تفتقد إلى الجدية في الطرح ، والإحاطة بمهام الدولة في التصور، والاستشراف....من يخط في دراسة الواقع يخط في حلول مشاكله. إن التجربة، والممارسة المتواصلة للشأن العام والاهتمام بالواقع المعاش كما هو، يعتبر أحسن ضمانة في تحليل الواقع تحليلا صحيحا ،ومن ثمة فالمعالجة لا تكون إلا صائبة ومتطابقة ومستجابة للانشغالات الحقيقية والتحديات المطروحة. وكذا تجسيد ترسيخ قاعدة تواصل الأجيال، واستقرار المؤسسات، ومواصلة استكمال مجهودات التنمية المبرمجة عبر مخططات التنمية الشاملة التي عرفتها البلاد منذ أول عهدة لفخامة رئيس الجمهورية،وما صاحب ذلك على المستوى الخارجي من توثيق للعلاقات على المستوى الدولي والإقليمي،أفضى إلى استعادة الجزائر لمكانتها وسابق عهدها المجيد دبلوماسيا بفضل إخلاص وحنكة أبنائها من جيل ثورة نوفمبر الخالدة وثورة البناء والتشييد، كل ذلك وغيره يمنح الدولة الجزائرية فرص الثبات والرقي كدولة متحضرة، وكذا ما قد تعرفه العهدة القادمة من تمكين لجيل ما بعد جيل الثورة من تبوأ مكانته الطبيعية والمشروعة في سلم المسؤوليات على جميع الأصعدة ،وبذلك يتحقق تسلم مشعل مواصلة المسيرة المظفرة بجانب جيل مرحلة البناء والتشييد وتحت رعاية وتوجيه ما تبقى من جيل ثورة نوفمبر الخالدة.وليودّع بعض السياسيين من مقتنصي فرص المراحل الانتقالية التي يسعون إلى تبرير استحداثها لما يجدون فيها ما يعوضهم ، من تمركز سياسي واجتماعي،ولما يجدون فيها أيضا ما من شأنه سوف يخفي فشلهم الذر يع في فرض أفكارهم أوفي إيجاد من يسمعها ،وكذلك في تقهقر أحزابهم التي رفضها الشعب في أكثر من مرة.