أحيانا ننسى أنه على يد المعلم تخرج الوزير الأول .. والوزير الأخير .. والنائب والسيناتور .. آخر راتب لهؤلاء 30 مليون سنتيم .. أي ما يتقضاه المعلم خلال حولين كاملين. عندما نبحث عن تفسير لكلمة »الحقرة«، نجد أن أصلها »حقر« من الاحتقار، فعندما يحتقر أحدهم أحدا نقول حقره، وأن الذي وقع عليه الفعل يوصف ب »المحقور«، ومرتكب الفعل يصبح »حقارا« ومصدر الكلمة »حقرة«. يوم أمس، احتفل العالم باليوم العالمي للمعلم .. واحتفل المعلم الجزائري بيومه هذا من خلال الشروع في إضراب أو وقفة احتجاجية على ظروفه التعيسة التي سلطت عليه من قبل »الحقارين« ( جمع حقار ). إن المعلم الجزائري في وضعية ليست أقل من وضعية العبيد أو الرق أو القن في القرون البالية .. فهو يشتغل 24 ساعة في اليوم وها ليس مبالغة. فبحكم ممارستي للتعليم الجامعي، أستطيع أن أؤكد أن التعليم عملية لا تتوقف بمجرد خروجك من القسم، إنها تستمر في التحضير للدرس القادم، ومتابعة عمل الطلبة والتلاميذ وتقييمهم وتصحيح أوراق امتحاناتهم وهكذا دواليك. وأحيانا تكون هذه العملية على حساب وقت فراغك، وعلى حساب حقوق أبنائك، وعائلتك، وصحتك. بدون مقابل يذكر. ولا تقل لي أيها القارئ الكريم رجاء بأن المعلم يتقاضى مقابل جهده، لأن المقابل الذي تقصده هو ذلك الراتب الهزيل والتعيس والمهين الذي يتلقاه المعلم مقابل الساعات التي يدرسها في القسم. أما المجهود الجبار خارج القسم، فلا أحد يلتفت إليه. ومع ذلك، فهل يعقل أن يتلقى المعلم راتبا بنحو 200 دولار للشهر مقابل 35 ساعة في الأسبوع، أي نحو 140 ساعة في الشهر، بمعنى 1 دولار ونصف لكل ساعة، أي نحو 100 دينار للساعة؟ إن 100 دينار للساعة يتحصل عليها أي متسول في ساحة الشهداء !! إن الجزائر يا أخي، لا يمكنها أبدا تحقيق أهداف الألفية .. ما دام المعلم والأستاذ بسبب النظرة القاصرة للدولة تجاه هذه الفئة يقبع في آخر سلم الأولويات .. فهو بذلك لا يشكل نموذجا يحتذى به .. وأنت لا تستطيع أن تشجع أبنائك أو أهلك على طلب العلم والمعرفة .. لأنهم مقتنعون بأن مصيرهم المادي ومكانتهم الاجتماعية ستكون في نفس مكانة الأستاذ أو المعلم الساكن أمامهم في الحي .. والذي يقف كل صباح على الرصيف وحافة الطريق تحت الأمطار والبرد والحر ينتظر سيارة النقل الجماعي ، أو شفقة صاحب أحد السيارات الفخمة الذين لم يلتحقوا بالمدرسة أصلا. على يد المعلم تخرج المهندس والطبيب وقائد الطائرة والباخرة وكبير المسؤولين وغيرهم .. ونسيت أن أقول أنه على يدهم تخرج الوزير الأول .. والوزير الأخير .. والنائب والسيناتور .. بعض هؤلاء لا يشتغل 35 ساعة في العام .. لكن آخر راتب لهؤلاء 30 مليون سنتيم .. أي ما يتقاضاه المعلم خلال حولين كاملين .. ولا حول ولا قوة إلا بالله.