تحول تواجد المهاجرين الأفارقة بالجزائر إلى مصدر إزعاج وتذمر واضح يعكسه التعامل القاسي والكلمات الجارحة التي لا يتوانى أغلب المواطنين في استخدامها لإبعاد أيدي المتسولين الأفارقة، ..وضع أسهم في تأزمه الإعلام إلى حد كبير بعد أن روج إلى أن هؤلاء النازحين هم مصدر لتقل الملاريا وممارسة التزوير والنصب وحتى الدجل والشعوذة. لم تعد الجزائر محطة عبور بالنسبة للمهاجرين الأفارقة كما كان الحال سابقا، وإنما تحولت إلى محطة استقرار بالنسبة لآلاف المهاجرين من مختلف البلدان الإفريقية خاصة من مالي والنيجر.هذه البلدان التي تعيش حالة شديدة من الفقر و المعاناة و هذا طبعا راجع الى التوتر السياسي في المنطقة و كثرة الانقلابات العسكرية و التطرف و الحروب القبلية سواء كانت ذات نازع ديني أو عرقي إلى درجة استحالت معها الحياة, فباتت الهجرة بالنسبة لهؤلاء الافارقة هي المنفذ الوحيد للخلاص من الجوع والموت والتطلع لحياة أفضل في الجزائر سواء بامتهان التجارة في الأسواق الموازية أو باحتراف التسول الجماعي كما يحدث عبر شوارع العاصمة. مواطنون ضاقوا ذرعا بالمتسولين الأفارقة عائلات إفريقية بأكملها تعيش على التسول بالجزائر وقد حذت في ذلك حذو نظيرتها السورية، لكن مع فارق وحيد أن المهاجرين السوريين لقوا الترحيب والتعاطف والمساعدة من طرف إخوانهم الجزائريين، بينما يقابل الأفارقة بالجفاء وسوء المعاملة بشكل واضح ومحير, على الأقل هذا ما لمسناه خلال جولة استطلاعية بالعاصمة أظهرت لنا مدى المعاناة التي يتكبدها إخواننا الأفارقة ببلادنا. دخلنا أحد المحلات بشارع حسيبة بن بوعلي بعد أن لاحظنا دخول إحدى الرعايا الإفريقيات قبلنا فتاة لا يتجاوز عمرها ال15 سنة مظهرها رث يوحي بالمعاناة والتعثير، سألت صاحب محل الأحذية نقودا فرفض إعطاءها فمدت يدها على حذاء تطلبه فهب من مكانه يطردها وكله حنق قائلا» اللي نعطيه لكم نعطيه لأولاد بلادي خير لي« ولم يلبث بعض الزبائن أن تدخلوا دفعة واحدة حيث قالت إحدى السيدات» خصنا غير الكحولة يجيبوا لنا المرض« لترد عليها زبونة أخرى » ليت الأمر يتوقف على المرض هذوا يجيبوا القري قري... يا لطيف« عبارات كلها تنم عن الاحتقار والاستصغار والعنصرية الواضحة التي لم أكن أنتظرها شخصيا لأنني لم أكن أتصور أن الجزائريين الذين ظلوا يشتكون من العنصرية التي تمارس عليهم في الدول الأوروبية يفعلون نفس الشيء مع إخوانهم الأفارقة. نفس السيناريو يتكرر في ساعات منتصف النهار أي عندما يحين وقت الغذاء حيث تعج المطاعم ومحلات الأكل الخفيف بالزبائن ومن بينهم المهاجرين الأفارقة، خاصة النساء والأطفال يطلبون وجبة غذاء بالمجان من أصحاب المطاعم والمحلات وما أكثرها ما بين شارعي حسيبة بن بوعلي والعقيد عميروش،لكن أصحابها على ما يبدو ضاقوا ذرعا بجحافل المتسولين الذين يوازون في عددهم الزبائن العاديين ولسان حالهم يقول» إلى متى؟ « سفيان أحد الزبائن بمحل للأكل الخفيف يقول» صارت اللقمة تقف في حلقي كلما رأيت هؤلاء الأفارقة يطلبون لقمة تسد جوعهم وكثيرا ما أشتري لأحدهم وجبة غذاء أيضا، لكنني أتساءل اليوم إلى متى سيستمر الوضع على ما هو عليه أعتقد أن الجزائريين ليسوا بعنصريين لكت الوضع طال ويتفاقم كل يوم أكثر، لذا على السلطات أن تجد حلا سريعا لقضية الهجرة غير الشرعية لإخواننا الأفارقة وليس على المواطنين وحدهم تحمل الوضع.« حتى العمال الأفارقة لم يسلموا من الأذى اختار أغلب الشباب الأفارقة امتهان التجارة ببعض الأرصفة والأسواق الموازية حيث ينصبون سلعهم البسيطة المتنوعة ما بين النظارات الشمسية أو أعواد السواك والمسك مع بعض حبات »الودعة« وغيرها.من البضائع البسيطة التي يتحايلون بها على البطالة.لكن هؤلاء أيضا لا يسلمون من »الحقرة« في الأسواق وغالبا ما يطردون من أماكن يدعي آخرون بأنها لهم أو عموما بأن الأفارقة يزاحمونهم على لقمة العيش، هذا ما لاحظناه في عدة أسواق على غرار باب الوادي وبلوزداد وحتى لعقيبة حيث ينصب بعض الأفارقة بساطا يصفون فيه سلعهم المتواضعة. رضا أحد التجار ب» مارشي ال12« يؤكد» أينما نصب أحد الأفارقة بضاعته إلا ولقي تذمرا ورفضا من طرف بقية التجار، لا يقبلونهم في السوق ولا في أي مكان، يذكرونني بما يحدث في أوروبا وفرنسا ويجعلونني أتسائل لماذا يتصرفون بهذا الشكل وأغلبهم ذاقوا مرارة العنصرية واكتووا بنارها ولا أجد لهذه السلوكيات تفسيرا خاصة وأننا من نفس القارة والدين أيضا فهم مسلمون أيضا وليسوا يهودا أو مجوس، بينما أضاف سيد احمد بأن الناس لا يكرهونهم ولكنهم يخافون منهم بسبب ما يسمعونه ويقرؤونه في الجرائد بأنهم السبب في نقل الأوبئة الملاريا وحتى السيدا وبأنهم يتاجرون في الممنوعات وبراعتهم في قضايا التزوير يتحدث عنها الكل. ويدعو سيد احمد السلطات للقيام بدورها في الحد من هذه الهجرة التي شوهت العاصمة وكل المدن، أو أن تجد لهؤلاء المهاجرين حلا لأنه ليس من دور المواطنين أن يتحملونهم.فيما أكد كمال تاجر في بلوزداد بأن الجزائريين يجهلون ثقافة شعوب إفريقيا وهذا الجهل بالآخر هو الذي قد يفسر خشيتهم التي يعبرون عنها بممارسات تمييزية عنصرية كرفض التعامل مع الأفارقة وصدهم. بل أن هذا الخوف قد يتطور في ظل الصعوبات الاقتصادية والمزاحمة على لقمة العيش ليأخذ أشكالا أكثر عنفا تصل الى الاضطهاد والميز العنصري مثل رفض تأجيرهم للشقق ورفض تشغيلهم أو حتى شتمهم في الطريق العام والاعتداء عليهم وهذا ما نراه اليوم.« وللإشارة تطلعنا التقارير الأمنية الجزائرية بين كل فترة وأخرى عن عمليات توقيف أفارقة يحاولون أن يهبوا الحدود إلى الجزائر، لكن ورغم جهود شرطة الحدود تبقى »الحرقة« أو الهجرة غير الشرعية المنفذ الوحيد للفار ين من جحيم بلدان افتقد أهلها الأمان والحق في الحياة. ....وآخرون على النقيض بعيدا عن حالات الرفض والاستهجان، سجلنا حالات أخرى على النقيض لمواطنين أبدوا تعاطفا كبيرا تجاه إخواننا الأفارقة فتصدقوا عليهم بالمأكل والملبس والمأوى في بعض الأحيان، خاصة حينما يتعلق الأمر بالعائلات والأطفال. فالإنسانية شعور راق تقول سيدة قدمت حذاءا رياضيا لأحد الأطفال الأفارقة الذي كان شبه حافي بالقبة، مضيفة أن هؤلاء الأفارقة »ما جابهمش الخير« وأقل شيء يمكن أن نقدمه لهم هو التعاطف فهم إخواننا في الدين.« وروت لنا هذه السيدة كيف أن جارها شغل عند أحد الأفارقة في مغسل السيارات وآخر كيف تكفل بكسوة عائلة إفريقية تعيش في الحي وغيرها من الحالات التي تؤكد أن الخير ما زال في هذه الأمة وسيبقى إلى يوم الدين.