تتهيّأُ وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط رمعون من الآن إلى ما بعد الانتهاء من الامتحانات الرسمية، أين ستشرف شخصيا على ملتقى وطنيا واسعا، أو ندوة وطنية قالت عنها أنها ستُخصص لإصلاح القطاع بالمراجعة والتغيير والتحوير. ويُنتظر وفق ما أعلنت عنه بنفسها أن ينصبّ جهدها أساسا حول مراجعة الجوانب البيداغوجية بالدرجة الأولى، وهذه الجوانب مثلما نعلم هي التي كانت لها حصة الأسد في أشغال اللجنة الوطنية للإصلاح المُنتهي، وكانت سادتها خلافات وصراعات حادة بين أنصار »المدرسة الجزائرية الأصيلة والمتفتحة«، وزمرة من »التغريبيين المنتصرين لسيادة اللغة الفرنسية في المنظومة التربوية«. يتوقع العديد من المختصين في التربية، والمتابعين للشأن التربوي في الجزائر أن تحتل الجوانب التربوية مكانة الأولوية في كل الإصلاحات والمراجعات والتعديلات والتحويرات، التي تعتزم وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط رمعون أن تُحدثها في عمق المنظومة التربوية في الملتقى الوطني، الذي أعلنت على تنظيمه شهر جويلية القادم، والذي قالت عنه أن كل الفاعلين في القطاع سيُساهمون فيه. ومع أنها تريد الإصلاح، وهذه هي رغبتها التي تريد ترجمتها على واقع القطاع، إلا أنها وحتى هذه اللحظة لم تُعلن صراحة عن ماهية التفاصيل والجزئيات التي تريد إحداثها في الإصلاح المنشود، وحتى لا نضع العربة أمام الحصان وفق ما يُقال، ولا نسبق الأحداث، فقط نُذكر أن وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط كانت واحدة من الأعضاء الفاعلين في اللجنة الوطنية التي أُنشئت في شهر ماي من سنة 2000 ، وانتهت أشغالها التي سادتها صراعات مبدئية حادة إلى إصدار تقرير نهائي في شكل كتاب ضخم، اقتُرن اسمه باسم بن علي بن زاغو، رئيس اللجنة الوطنية آنذاك، والعميد الحالي لجامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا في باب الزوار بالعاصمة، وقيل آنذاك وفيما بعدُ أنها كانت من المناصرين للخيارات البيداغوجية التي طرحها بن علي بن زاغو ومن معه من المدافعين عن الاستمرار في حجز أفضل مكانة للغة الفرنسية في المنظومة التربوية، وعلى النقيض من ذلك وقف لهم تيار قوي من داخل اللجنة الوطنية نفسها المشكلة من 158 عضوا، تمثل في أنصار »المدرسة الجزائرية الأصيلة والمتفتحة«، ومن بين أبرز أسماء هذا التيار الوطني الخالص، نذكر الوزير الأسبق الدكتور علي بن محمد، والأستاذان الجامعيان القديران رحمهما الله عبد المجيد بوالقمح وعبد الله ركيبي، والأستاذ الأديب والإعلامي عمر برناوي، والأستاذ الشاعر والأديب رابح خيدوسي، وأذكر أننا يومها في »صوت الأحرار« كنا نعتقد ومن دون مزايدة أننا نحن أيضا معنيين بالصراع الصاخب الذي كان يجري داخل اللجنة الوطنية، ونشعر بالمسؤولية الكاملة فيما ينفع المنظومة، وما ينفع الجزائر، وكانت هذه الأسماء الوطنية الكبيرة، وأسماء أخرى من أعضاء اللجنة هم مصادرنا الأساسيين في مُتابعة ما كان يجري يوميا داخل القاعات، ونقله بكل أمانة وإخلاص لقرائنا الكرام، وللرأي العام الوطني. ولن نُديع سرّا إن قلنا أن إدارة الإليزي ومُوظفين سامين بوزارة التربية الفرنسية كانت تُتابع ما كان يجري باهتمام بالغ، وكان أحرص مسؤوليها على هذا الأمر مُفتشها العام بوزارة التربية الوطنية، وهذا المفتش العام الفرنسي تحديدا هو نفسه الذي فضح هذا الأمر من حيث لم يُفكر في تبعاته عندنا، وقد أطلعنا هو نفسه وبوضوح تام عن كل هذا الاهتمام، حين نشرت آنذاك وسائل إعلام فرنسية، في مقدمتها يومية »لوموند« تصريحاته، التي قال فيها هذا المفتش العام لوزير التربية الفرنسي : » الأمور مُطمئنة، جرت وتجري وفق ما كنا نريد، وهي على أحسن ما يُرام«، وكان لي يومها شخصيا موضوع بجريدتنا »صوت الأحرار« نبّهتُ فيه إلى خطورة هذه التصريحات التي أدلى بها هذا المفتش العام، ومدى التمادي في إهانتنا فيها، والاعتداء معنويا وعمليا على منظومتنا التربوية، وإجمالا على بلدنا الجزائر، وكانت هذه التصريحات مباشرة عقب عودته إلى باريس من جولة مغاربية قادته إلى كل من تونس والمغرب والجزائر، وقد تزامنت، أو قل زامنوها مع الأشغال الجارية للجنة الوطنية الجارية آنذاك في قصر المؤتمرات بنادي الصنوبر. ولأن هذا هو واقع حال لجنة الإصلاح، المؤسسة سنة ,2000 وبالنظر لكل ما تمّ تجسيده ابتداء من السنة الدراسية 2003 2004 ، فإن أعدادا كبيرة من أعضاء اللجنة الوطنية السابقة يحذرون من منزلقات أخرى، أو محاولات للتعدّي على اللغة العربية التي هي اللغة الوطنية والرسمية، التي يُفترض ومن دون نقاش أن تكون لها السيادة الكاملة في التربية والتعليم، بل وفي التعليم العالي أيضا، ومن مسؤوليات الملتقى الوطني )الندوة( المرتقبة أن يتُنبّه إلى ضرورة التحذير من خطورة تواصل الدور السيادي الكامل للغة الفرنسية في التدريس الجامعي في كل الشعب، وبصفة أدق في الشعب العلمية والتكنولوجية التي تتوفر عليها جامعة هواري بومدين، وما يماثلها من جامعات ومدارس عليا عبر كامل تراب الوطن.