في بداية تعرفي على «الفيسبوك»، خلت أنه سيكون منبرا مفيدا، يتسارع إليه المبدعون للترويج لأعمالهم، تماما كما سيتسارع إليه القراء والنقاد ليعلقوا بما يتناسب أذواقهم على تلك الإبداعات. مع مرور الوقت أدركت أن فكرة المنبر ساذجة، وليس الفيسبوك إلا مرايا يحب المبدعون الانعكاس عليها، ثم مر وقت آخر لأدرك حقيقة مذهلة، وهي أن هذا الموقع الاجتماعي لم يعد يخدم المبدعين في إبداعتهم، بل يختزل تلك الإبداعات ليظهر الوجه الشاحب للأدب والإبداع. أحب أن أوجه هذه السطور لمبدعينا من الجزائر، أن أخصهم بهذا الحديث، وأحب أكثر أن تعنى هذه الكلمات بروائيينا بشكل خاص. سبب ذلك ربما اهتمامي الخاص والاستثنائي بعالم السرد، والأهم أن الرواية تستجلب الكثير من الاهتمام وتستقطب عددا مهما من المبدعين لأسباب عدة. إلا أنني ?واللأمانة فقط- لم أشأ أن أكتب شيئا، إلا بعد انتشار ما نسميه «النقد الخلاني» على صفحات الفيسبوك لمجموعة من الأعمال الموصوفة بالرواية، وهو نوع من النقد يستحث الكاتب فيه أصحابه و»خلانه» على كتابته، ظنا منه أن مديحهم سيؤثر في القارئ والنقاد. الغريب أن التأثير الذي يتمناه هذا النوع من المبدعين لا يقاصر على القراء فحسب بل على النص بحد ذاته. وجود مساحة ترويجية كالفيسبوك، انبث في قلوب هؤلاء وهما «أحمق» يشبه الوهم الذي لازم القرون الوسطى في أن ثمة طريقة لتحويل الحديد إلى ذهب. إنه وهم أن تصبح تلك النصوص الممتدحة- بفصل أو بسبب كل ذلك الكم الهائل من المديح الخلاني- نصوصا كبيرة وقوية. في الجزائر- وفي الجزائر دون غيرها- لم يفهم المبدعون ولا رجالات الصحافة إلا القليل منهم، ذلك الفرق الجوهري بين «الأكثر مبيعا» والأكثر أدبية. لقد بدا ذلك واضحا بالنسبة لي بمناسبة انتقادي لأخر نص كتبته أحلام مستغانمي، حين رفض الكثيرون رأيي بحجة أنني انتقد رواية تبيع الألاف من النسخ. شعرت يومها بأسى المبدع الذي لا يجد ما يرد به كلما حاول أحدهم إقامة علاقة بين نجاح أعماله وأرصدته البنكية. في الحقيقة كان هذا سؤالا «متكلفا» واجهني به أحد الأصدقاء من عالم الأدب حين استغرب كيف يمكن أن تجتمع شهرتي-وإن كانت نسبية- بقلة مداخيلي من بيع رواياتي. وكما لا يوجد أي تفاعل كيماوي يقدر على أن يحول الحديد إلى ذهب، فلا يوجد أي نقد أو مديح يحول النص الرديء إلى نص جيد، تماما كما لا توجد أي مبيعات وإن بلغت الملايين أن تحيل الرواية التجارية إلى رواية أدبية. الفيسبوك- وللأسف وأصر على الأسف- يجدر الوهم في نفوس الكثيرين. كنت لأتفهم ذلك الشعور الذي ينتاب العامة كلما نشروا شيئا على صفحاتهم وانهالت عليهم التعليقات مديحا وترحيبا. اتفهم ذلك من باب أن ذلك يخلق نوعا من الشعور بالتميز يحتاجه أي واحد منا. لكنني لن أفهم أبدا اعتزاز بعض روائيينا بمديح أعمالهم وهم الأدرى أنها لا تساوي حتى ثمن أوراقها. تحتاج الرواية إلى عالم صحي للتطور. تحتاج الرواية في الجزائر إلى عالم أكثر صحية لتكتشف نفسها أولا، ولاحقا لتسعى إلى التطور. تحتاج إلى قراء حقيقيين لا علاقة لهم بالمبدع واقعيا ولا افتراضيا. تحتاج إلى نقد لا يأبه بالمجاملات ولا بجنس المبدع-ذكرا أو أنثى- ولا بمكانته وعلاقاته ولا بنوع ما يمكن أن يقدمه نظير ذلك المديح المتملق، لا لعمل رديء فحسب، بل لظل ذلك العمل المكتوب على غلافه رواية.. بكل صدق لا تحتاج الرواية -في الجزائر خاصة- إلى أي مديح ظل خافت. * روائي من الجزائر