تعود بي الذاكرة فأجدني مفجوعا موجوعا أتألم لمنظر تلك الصور الفظيعة التي عرضتها بعض القنوات التلفزيونية عن مذبحة غزة لأجسام فلسطينية متفحمة تم انتشالها على المباشر، و قد كانت تنام عدة أيام و هي ممزقة تحت الأنقاض و الركام ،صبيةٌ في عمر الزهور استُشْهِدُوا بعد أن تم اغتيالهم بطريقة وحشية بشعة جبنا و غدرا ، حيث كانت صرخاتهم تتعالى للسماء ،فلا يسمعها غير الرب ، صورُ نساء رضَّع و حوامل رُدِمْنَ تحت الأنقاض مع الأجِنَّة و الصبيان .. في المقابل صراخٌ و عويلٌ لنساء و نحيبٌ لرجال فقدوا فلذات الأكباد.. فقدوا الأمل في الحياة، بعد أن فقدوا كل شيء، فقدوا الأهل والأحبة و الجيران، والبعض الآخر فقد كل أفراد العائلة التي أبادها الجلاّدون القتلة.. فقدوا كل ما يمتلكون و ما يفترشون ،كلُ هذا و(العالم الغربي الحر) يتفرج على هذه المجزرة الرهيبة غير مبالٍ لهول ما يحدث من مجازر ضد الإنسانية من جلاد ظل يخدع العالم كله و خصوصا الغرب و يبتزه ابتزازا لا حدود له تحت عنوان (المحرقة النازية) ضد اليهود. أحياء بكاملها بقطاع غزة تحولت بفعل المحرقة الصهيونية إلى أنقاض و ردوم و أشباح مثل بلدة خزاعة حيث هجرتها حتى الكلاب والقطط الأليفة لأنها لم تتحمل تلك الروائح الكريهة المنبعثة من فوق الأرض و من تحتها بفعل تحلل تلك الأجساد الآدمية .. لم يعد هناك من طائر يحوم فوق الأشجار المحترقة والمباني المهدمة و فوق تلك الأحياء عموما بعد أن تكدَّر سماؤُها و غطَّتْهُ سحاباتٌ سوداء تُدْمِع العيون و تَحْبس الأنفاس البشرية و تُزْكِم الأنوف التي ما عادت لتشمَّ روائح الورد أو تتمتع بالخضرة و بالهواء الغزَّاوي النقي.. أيها الغربيون ،يا حاملي مِشعل الحضارة والتمدُّن ،و يا أيها (المدافعون الشرسون) عن حقوق الإنسان و حرياته الجماعية و الفردية و يا (حماة )حرية الصحافة و الاتصال والإعلام ، و يا أيها (المناضلون من أجل الديمقراطية) !!..يا من نَافَحْتُم (في الدفاع) عن حقوق الأقليات ونسيتم شعوبا بأكملها ، و يا مَنْ جنَّدتم كل وسائلكم في الدفاع المستميت عن حقوق فَرْد إسرائيلي واحد ردمته الآلة الإسرائيلية المدمرة نفسُها تحت الأرض مع آلاف الفلسطينيين الشهداء، ثم راحت تُسَوِّق للعالم كله وقد سوقتم معها ذلك الزعم الكاذب بأنه معتقل لدى المقاومة الفلسطينية ،وتناسيتم آلاف المعتقلين الفلسطينيين في ظروف لا إنسانية في زنزانات و محتشدات يُجْمَعُ فيها الفلسطيني مع الكلاب البوليسية الناهشة للأجساد البرية ،وكذا مع الحيات السامة ، في وقت تتحدثون أنتم مع العالم الآخر الذي تريدون إصال الديمقراطية له عن ضرورة توفير شروط السلامة الصحية والإنسانية للسجين و تنسون ما فعلتم في غوانتانامو وتتجاهلون جرائم حلفائكم في النقب و عسقلان و الرملة و عوفر و بئر السبع و معتقلات و سجون أخرى فوق الأرض و تحت الأرض تعرفون جيدا الظروف اللإنسانية التي يعيشها المعتقل الفلسطيني، حيث التعذيب الجماعي حد الموت و تفشي الأمراض و نقص النظافة و عدم الرعاية الصحية في تلك الواحة الديمقراطية الفريدة من نوعها في العالم ... فأيها الغربيون المدافعون بشراسة عن (واحة الديمقراطية) في الشرق الأوسط، عن إسرائيل الدولة المسكينة المسالمة ،إنني أنصحكم اليوم وقد ظَلَلْتم بكل وسائلكم تدافعون بقوة بالمال و الإعلام و بالكذب المباح و بوسائل عدة تتقنون صنعها و تسويقها عن كيانٍ غريب نَهَب الأرض و استعبد الناس و ارتكب المحرقة تلو المحرقة بحق النساء و الأطفال و الشيوخ والشعب الفلسطيني عموما على امتداد أكثر من ست عشريات .. أيها الغربيون يا من ضلَّلْتُم العالم كله بأكاذيب المحرقة التي تعرض لها اليهود على أيدي النازية الهتلرية .. أيها الغربيون الساكتون عن الحق الفلسطيني الساطع ..المدافعون عن الظلم الصهيوني الفاضح المفضوح.. أيها الغربيون... أتوجه إليكم اليوم كمواطن من هذا العالم يهمه أن يَعُمَّ السلام كل ربوع العالم ،و أن يتعايش فيه الناسُ جميعهم أبيضهم و أسودهم و أصفرهم ، مسيحيوهم ومسلموهم و بوذيوهم ، المؤمنون منهم والملحدون ، الشريرون منهم و الطيبون، الفلسطينيون و اليهود ،و كل الناس ، من كل الأجناس و الأعراق في محبة و سلام ووئام .. أيها الغربيون أنصحكم اليوم إن استيقظ فيكم الضمير الميت منذ زمان أن تكونوا عادلين في أحكامكم ،و أن تتحدثوا عن هذه المحرقة التي ابتدعها صهاينة متعطشون للدماء و الخراب وقتل الأطفال ،يرتكبونها على المباشر جهارا نهارا ضد الشعب الفلسطيني في محرقة هذا القرن الصهيوني بامتياز، و أنتم ساكتون كأنكم عُمْيٌ صُمٌّ بُكْمٌ ، بل كأنكم لا تَرَوْنَ و لا تَسْمعُون ،في وقت تكتسح فيه أقماركم الصناعية و التجسسية كل سماوات العالم ومحيطاته و بحاره و أنهاره و أوديته وأراضيه و جباله و سهوله حيث تصور الناس حتى وهم نيام فوق أسرتهم ، أو في حالات حميمية ، وتسمع أحاديثهم وأنّاتهم و اتصالاتهم و حتى أنفاسهم ، بل و تحاول حتى فك رموز تفكيرهم .. أيها الغربيون اسألوا أنفسكم عن ضميركم الغائب المُغَيَّب و أنتم الذين زرعتم كيانا قائما على الاغتصاب و المكر و الخداع و قتل الأطفال و الشيوخ و النساء الحوامل و الرضع و دك البيوت الآمنة بمن فيها و ما فيها دون وازع إنساني أو قانوني أو أخلاقي بعد أن هيأتم له كل ألوان الدعم و الحماية، و دلَّلْتموه حتى صار يتلذذ في القتل المتعدد باسم حضارة محرقة هذا القرن الصهيوني المحمي منكم أيها الغرب المتحضر .. أسألكم بكل محبة إنسانية أَمَا آنَ لضميركم الميت أن يستيقظ ويَحْيا ليقول كلمة حق، و قد تعودنا أن نسمعكم تتحدثون عن الحقوق ،وأنتم فنانون في الدوس عنها إن تعلق الأمر بالآخرين.. ملاحظة : نَشرْتُ هذا المقال في صفحتي على الفيسبوك في 26 جويلية 2014 أثناء بدايات المحرقة الصهيونية الأخيرة على غزة ، وأدخلت عليه تعديلات و إضافات. [email protected]