الدكتور إبراهيم ماخوس سوري الأصل، من قرية ماخوس تخرج من كلية الطب السورية عام 1955 والتحق بالثورة الجزائرية كطبيب جراح، وعاد إلى سوريا، حيث صار وزيرا للصحة عام ,1963 ثم وزيرا للخارجية عام 1965 ثم نائبا لرئيس الوزراء من سنة 1966 إلى ,1968 الدكتور ماخوس عمل كطبيب جراحة في المستشفى الجامعي مصطفى باشا منذ 1971 لغاية 1993 مع المرحوم الأستاذ منتوري. وفي هذا اللقاء نحاول تسليط الضوء على مشاركة الأطباء العرب في الثورة. ● كيف كان تتبعهم لثورة نوفمبر، ثم تفكيركم بالإقدام على التطوع للمشاركة بها؟ ■ إننا نشأنا وتربينا على الإيمان بوحدة الأمة العربية وبالتالي ضرورة دعم هذه الأمة للثورة الجزائرية، كون مشاركة المناضلين العرب فيها هو واجب وفرض ملزم وشرف كبير. وأذكر لكم بهذه المناسبة، حادثة معبرة عن شعور الجماهير الشعبية في ذلك الوقت، حيث علمنا أن الحكومة السورية، أبرمت في عام 1955 صفقة لبيع القمح إلى فرنسا، علما أن سوريا لم تكن تصدر في ذلك الوقت أية مادة أساسية كالقطن والبترول سوى القمح فقط، فخرجنا بمظاهرة حاشدة من جامعة دمشق بقيادة رفيقنا نور الدين الأتاسي وحاصرنا سرايا الحكومة، وخضنا معركة مع شرطة الحراسة حتى اضطر وزير الاقتصاد المسؤول إلى الخروج سرا من الباب الخلفي؟؟ وانتهى الأمر باستقالة الحكومة؟ ونحن الذين نرصد ونتتبع كل ما يتعلق بالثورة الجزائرية، لم نكن نقبل بالتعاطي مع فرنسا التي كنا نعتبرها العدو المستعمر للجزائر؟ ولعله من المفيد أن أشير إلى الأوضاع العربية الحالية البائسة، إذ لو أن الأمة العربية، بأنظمتها وجماهيرها أقدمت على مقاطعة أمريكا وإسرائيل، اقتصاديا وسياسيا على الأقل وهذا ممكن طبعا لو توفرت الإرادة الثورية الكفاحية لتغيرت أمور كثيرة نحو الأفضل في فلسطين والعراق والدارفور والوطن العربي بأسره؟ ومن هذا المنطلق كنا نراجع الإخوة في مكتب جبهة التحرير الوطني في دمشق، بطلب الالتحاق بالثورة ولكن الإخوة كانوا يقولون لنا إن الثورة ليست بحاجة حاليا للمقاتلين بقدر ما هي بحاجة للأخصائيين وخاصة الأطباء، وقد استمهلوها حتى نكمل دراستنا في السنة الأخيرة في كلية الطب بجامعة دمشق؟؟ فنكون أكثر فائدة للثورة؟ وبعد تخرجنا عام 1955 قمنا بدورة تدريبية في كلية الإحتياط العسكرية، ودورة تدريبية في الجراحة حتى عام 1957 حيث لبوا طلبنا وكنا ستة رفاق أطباء - نور الدين الأتاسي - يوسف زعين- صفوح الأتاسي- صلاح السيد - رياض برمدا- إبراهيم ماخوس؟ وبعد إبلاغنا بقبول تطوعنا في الثورة جاء العقيد عمران إلى دمشق والتقينا في فندق بسيط وتوجهنا معا إلى قيادة أركان الجيش السوري »حيث كان لرفاقنا الضباط نفوذ كبير إذ ذاك« ففتحت لنا مخازن الصحة العسكرية لنأخذ منها ما نشاء. ودائما برفقة الأخ العقيد عمران شخصيا رحمه الله وطيب ثراه أخذنا ما رأينا أن الثورة تحتاجه من أدوية ومعدات من بينها 6 غرف عمليات ميدانية متنقلة وغرفة عمليات كبيرة مع تفويض كامل بتلبية كل ما نحتاجه بعد التحاقنا بالثورة وبعد ذلك، تولى الأخ العقيد عمران ترتيب الأمور، حيث سافرنا معه في الطائرة إلى القاهرة ومنها على دفعات إلى ليبيا، حيث استقبلنا تباعا الأخ بشير القاضي رئيس مكتب الجبهة في ليبيا، ثم أدخلنا إلى تونس بطريق البر بوثائق جزائرية وبأسماء مستعارة؟ ● ما انطباعكم عن النظام الليبي عند مروركم بإتجاه الجزائر ؟ ■ استقبلنا الأخ بشير القاضي في بيته، وكان عنده مجموعة من أبناء الشهداء الذين تبنتهم العائلات الليبية الكريمة، التي كانت تكن محبة خاصة للشعب الجزائري، بالرغم من وجود القواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية إذاك؟ وللأمانة التاريخية، فإن الملك السنوسي كان، كما علمنا من الإخوة الجزائريين، يتبنى القضية الجزائرية ويقول لرئيس وزرائه اذهب أنت وتعامل مع الحكومات الأجنبية واترك لي كل ما يتعلق بالثورة الجزائرية؟ ● وماذا عن سفرك برفقة الدكتور نور الدين الأتاسي من ليبيا إلى تونس؟ ■ سافرنا في سيارة صغيرة وفي الطريق تعرفنا على سائق السيارة التي كانت تقلنا - مع أنه كان صامتا لا يتكلم أبدا - فكلمناه في تلك الليلة الخريفية المقمرة ونحن في إحدى محطات البنزين التونسية وعلمنا أنه كان ضابطا في الجيش الفرنسي برتبة نقيب، ثم التحق بالثورة، وعندما تساءلنا عن عمله كسائق بسيط، بدل الالتحاق بجيش التحرير، أجابنا أن الثورة تختبرنا في أول الأمر لفترة معينة لتتأكد من انضباطنا وثقتها فينا وبعد ذلك تدمجنا في جيش التحرير؟ ثم أضاف قائلا »بعد تحرير الجزائر، سنذهب إن شاء الله لتحرير فلسطين فقال له الدكتور نور الدين رحمه الله، هذا حلم « فرد عليه بل هو أمل. ● عندما كنتم في تونس حملتم بطاقة شخصية باسم بلعربي مراد، فهل أنتم اخترتم الاسم؟ ■ لقد تم ذلك بالتشاور مع الإخوة المسؤولين لاختيار أسماء نضالية كأعضاء في جبهة وجيش التحرير الوطني، وأذكر إن اسم الدكتور نور الدين كان عبد الوهاب عبد القادر تيمنا بالأمير عبد القادر الجزائري، أما أنا فاخترت اسم بلعربي مراد تيمنا بالقائدين الثوريين العربي بن مهيدي وديدوش مراد؟ كما زودنا بلباس المجاهدين وأهمه القشابية والحذاء المطاطي ومسدس شخصي ماركة ألمانية ورشاش ماركة ايطالية. ● يقال أنكم رفضتم البقاء كأطباء في تونس، رغم إصرار الدكتور التجاني هدام على بقائكم إلى جانبه؟ ■ وصلنا إلى تونس على أساس الدخول إلى الجزائر ولم نكن على علم بوجود لاجئين جزائيين على الحدود التونسية ولا بوجود جيش تحرير على الحدود وقد استقبلنا الأخ الدكتور التيجاني هدام،، الإنسان الطيب، رحمه الله، وكان يرأس مصلحة الصحة في الثورة، وبتنا أنا والرفيق د؟ نور الدين في شقته الصغيرة في مستشفى الصادقي المركزي في العاصمة التونسية، ريثما اجتمع شملنا مع بقية الرفاق في مكان واحد. ولكننا لاحظنا بعض التلكؤ في استخدامنا، الذي لم يكن يحتمل الانتظار، وفقا لتقديراتنا وحماسنا الفياض وحاجة الثورة، ففاتحنا الأخ هدام بذلك ونتيجة كثرة مراجعتنا وشدة إلحاحنا صارحنا الأخ هدام بأن بعض الإخوة المسؤولين في القيادة المحلية يريدون بقاءنا في تونس العاصمة، والعمل في مشافيها الرسمية، حيث توجد أجنحة خاصة بتصرف أطباء جبهة وجيش التحرير، وذلك بدعاوى عديدة، منها اختلاف لهجتنا واحتمال انكشاف أمرنا وجهلنا بالمناطق الجزائرية، واحتمال وقوع بعضنا في أيدي العدو في الداخل، الذي سيبادر لاستغلال الأمر للتشهير بالثورة، والتدليل بذلك على صحة دعواته المضللة بضعف الثورة؟ ومنها أيضا عدم توفر قواعد صحية ثابتة في الداخل، خاصة بعد تطبيق مخطط شال المعروف، الذي يقوم على تقسيم الجزائر بدءا من الشمال القسنطيني إلى مربعات يقوم بكسحها - راتيساج - تباعا وتصفية قوات جيش التحرير المتواجدة فيها لا كما كان يتوهم، وهو ما جعل القيادة تواجه ذلك المخطط وتفشله باستراتيجية التحرك المتواصل لقوات جيش التحرير التي قسمتها إلى مجموعات صغيرة غير مستقرة بحيث تفلت من قبضة شال وشبكة مخططه الجهنمي، كما يتسرب الماء وتلسع قواته وتختفي، حتى تنهكها وتفشل مخططها المذكور؟ ولكننا لم نقتنع بذلك، وأجمعنا على عدم قبول الفكرة من الأساس، حيث لا توجد أية حاجة لوجودنا في تلك المشافي التونسية (المرفهة) التي لا يصلها إلا العدد القليل من المرضى الجزائريين وخاصة الجرحى بالذات الذين لا يستطيعون عبور الخط المكهرب، مما لا يأخذ سوى جزءا بسيطا من طاقة الأطباء الجزائريين العاملين في تلك المستشفيات اصلا والذي يقضون معظم وقتهم في معالجة المرضى التونسيين مقابل ذلك وبرواتب عادية تقدم من الحكومة التونسية كبقية الموظفين الأخرين في الصحة. علما أنه كان في مستشفى الصادقي المركزي الاساسي الذي يشبه إلى حد ما مستشفى مصطفى باشا، في الجزائر - 03 سريرا فقط - مخصصا للمرضى الجزائريين وأن عدد الأطباء الجزائريين العاملين فيه يفوق حاجة هؤلاء بكثير وكذلك الحال بالنسبة لبقية مستشفيات العاصمة التونسية؟ كما كان بقاؤنا في العاصمة التونسية لا يستقيم بأي حال مع الهدف من تطوعنا للمشاركة العملية في الثورة ولا يرقى في نظرنا إلى مستوى الجهاد المنشود .. وأننا أمام خيارين .. إما السماح لنا بالعمل الطبي الميداني الذي جئنا من أجله مع المجاهدين أو العودة الاضطرارية إلى القطر السوري، وفي هذه الحالة مواجهة أحد الاحتماليين، وأحلاهما مر .. قول الحقيقة بما يعنيه ذلك من انعكاسات سلبية على الثورة في القطر السوري خاصة وهو ما نرفضه قطعا أو اتهام أنفسنا بالجبن والتراجع وتحمل مسؤولية العودة وهو الاختيار المر الذي سنقدم عليه رغم أنه سيدمر حياتنا النضالية وسمعتنا وكرامتنا القومية من الأساس، حرصا منا على سمعة الثورة الجزائرية ومصداقيتها لدى جماهير القطر السوري. وهنا اضطر الأخ د؟ هدام الذي كان محرجا لمصارحتنا بأسلوبه الأخوي اللطيف بتخوف بعض الإخوة المسؤولين الذين لم يذكر أسماءهم، من كون اختلاطنا بالمجاهدين ومعايشتنا لهم، واكتشافنا لبعض الأخطاء والنقائص والسلبيات، قد يصيبنا بصدمة نفسية وخيبة أمل ويشوه الصورة المثالية التي نحملها عن الثورة. ولكننا سرعان ما بددنا ذلك التخوف، ونسفناه من الأساس، عندما أوضحنا له ولبعض الإخوة المعنيين محليا الذين قد يكونون متشككين بإمكانية تطوع ستة أطباء عرب من القطر السوري للمشاركة في خدمة الثورة وتعريض حياتهم للمخاطر ... هكذا مجانا ولوجه الله والوطن، دون أن يكلفوا الثورة سنتيما واحدا ... ودون أية أهداف أخرى، ومع تفويض بطلب ما نحتاجه من أدوية ومعدات طبية من القطر السوري. علما أنه عندما نلتحق بالثورة طوعا واختيارا، وكمناضلين قوميين واعين.. بوحدة العملية الثورية ومسؤولياتنا فيها وندرك مسبقا ونتوقع وجود الكثير من النواقص والسلبيات المذكورة، والتي قد تكون موجودة في أية ثورة، بما في ذلك الثورة الجزائرية التي نعتبر مجرد تفجيرها بعد حوالي قرن وربع قرن من الاستعمار الاستيطاني الفظيع، معجزة خارقة ومفخرة للأمة العربية، بل ولجميع المناضلين من أجل الحرية والاستقلال في العالم بأسره، وأننا كمناضلين عرب، نعتبر أي خطأ أو تقصير في الثورة الجزائرية، خطأ و تقصيرا في الأمة العربية كلها، نشارك فيه جميعنا ولا يولد لدينا أي رد فعل سلبي، بل يضاعف شعورنا بالمسؤولية نحو الثورة ويستنفر كل طاقاتنا للمساهمة في واجب إصلاحه وتجاوزه دون أي تدخل في الشؤون الداخلية للثورة بأية حال وهو المبدأ الذي التزم به حزبنا بثبات منذ انطلاق الثورة في الأول من نوفمبر 1954 وحتى الآن. ● وكيف تم تقسيمكم بعد ذلك؟ ■ أمام ذلك المأزق وبجهود الأخ الدكتور هدام المشكورة، فقد تم التوصل إلى حل وسط، بالسماح لنا بتولي مسؤولية العمل في الحدود التونسيةالجزائرية الممتدة من البحر الأبيض المتوسط إلى ملتقى الصحراء التونسية الليبية الجزائرية في أقصى الجنوب، حيث كان يتمركز جيش التحرير الذي يجري إعداده للحرب والمرحلة ما بعد الاستقلال، وسمي بعد ذلك بجيش الحدود، وتنتشر قواعد الثورة التي كانت تمون الداخل وتستقبل القادمين والعائدين إليه، وكذلك تشكيلات (الكوماندوس) المختصة بتدمير الخط المكهرب وحماية دخول وخروج المجاهدين... هذا بالإضافة إلى حوالي ثلاثمائة ألف لاجئ جزائري معظمهم من الشيوخ والنساء والأطفال (قبل أن تقرر قيادة الثورة الحد من تدفقهم إلى الحدود التونسية والمغربية بعد ذلك إلا ضمن أسس خاصة صارمة لتفادي إغراق الثورة بالمشاكل). ومن الجدير بالذكر أن تلك الحدود الطويلة المذكورة كانت خالية من الأطباء الثابتين المداومين في مراكزها العديدة كما لاحظنا، حيث كانت تلك المراكز الصحية تعتمد أساسا على الممرضين فقط الذين يستحقون كل الاعتراف والتقدير لدورهم الأساسي البارز في خدمة الثورة، باستثناء طالب طب واحد فقط هو الأخ أحمد بودربة الذي إلتحق بالثورة وهو لا يزال في السنوات الأولى من دراسة الطب، وكان يشرف على مركز تجروين الصحي الهام، بحيوية وإيمان وبدور فعال، مع ملاحظة أننا علمنا بعد الاستقلال أن مصلحة الصحة قد حاولت تدارك أمر فراغ الحدود من الأطباء قبل وجودنا وعملت على وضع بعض الأطباء الذين التحقوا بالثورة في بعض المراكز الحدودية المذكورة.. وتبعا لذلك، فقد جرى تقسيمنا إلى ثلاث مجموعات تولت الإشراف على كامل الحدود المذكورة. - الدكتور صلاح السيد والدكتور رياض برمدا، في القطاع الشمالي الذي كان يضم القاعدة الشرقية وغار الدماء؟ - الدكتور يوسف زعين والدكتور صفوح الأتاسي في القطاع الأوسط الذي كان مقره تجرين وتتبع لها ساقية سيدي يوسف، وكانت من الناحية العسكرية تابعة للولاية الثانية برئاسة الأخ العقيد علي كافي. - الدكتور نور الدين الأتاسي والدكتور ابراهيم ماخوس في القطاع الجنوبي الذي كان مقره تالة ويتبع لها مراكز صحية مثل »مزرعة المقراني« وكانت تابعة من الناحية العسكرية إلى قيادة الولاية الأولى التي كان يرأسها آنذاك الأخ العقيد محمد العموري رحمه الله. ● ماهي أول مشاركة طبية كانت لكم في تونس؟ ■ خلال وجودي في ضيافة الأخ الكريم الدكتور هدام ساعدته في إجراء أول عملية قلب لسيدة جزائرية، كما ساعدت الدكتور آيت إيدير في إجراء عملية في عظم الساعد لأحد المجاهدين الجزائريين. ● وبعد أن التحقتم بمركز تالة الصحي هل قمتم بعمليات جراحية؟ ■ المراكز الحدودية عامة كانت بمثابة مستوصفات للطب العام لعدم توفر الأدوات الجراحية اللازمة فيها وكان أقرب مستشفى مؤهل للعمليات الجراحية العادية، في مدينة الكاف التي تبعد عن الحدود بحوالي 25 كلم فقط، وكان رئيس القسم الجراحي هو الدكتور بشير منتوري الذي عملت معه بعد الاستقلال في مستشفى مصطفى، ويعتبر رحمه الله من آباء ومؤسسي كلية الطب في الجزائر الذي أعطى حياته كلها لذلك ولم يفتح عيادة خاصة طيلة حياته؟ وبالتالي كان يقوم بمعالجة من يمكن وصوله من المجاهدين الجرحى عبر خط موريس وهذا نادر جدا ويجري العمليات الجراحية العادية المعروفة للمرضى الجزائريينوالتونسيين في المنطقة وفي إطار ما يمكن تسميته بالجراحة الصغرى قمت بمعالجة أحد المجاهدين المسبلين الذي اجتاز الحدود وكان مصابا بعدة طلقات نارية، دخلت اثنان منها من ناحية الظهر وخرجت من الناحية الأمامية للبطن دون أن تمس الأحشاء سوى جرح بسيط في سطح الكلية اليسرى حتى كنا نستغرب ذلك، ولقد قمت بتصوير مدخل ومخرج كل من الرصاصتين لأن البعض قد لا يصدق ذلك، وكانت في الذراع الأيسر رصاصتان تحت الجلد دون أي كسر تمكنت من استئصالها بواسطة شفرة حلاقة عادية لعدم وجود أية أدوات جراحية أخرى لدي وبقي المسبل الطيب لدينا في المستوصف تحت المراقبة حتى شفي تماما، لأن الأجهزة التي نقلت من دمشق كما ذكرنا بقيت في تونس ولا نعرف ما إذا كانت قد أرسلت من بعد إلى داخل الجزائر أم لا؟ ● عندما أعلنت الوحدة المصرية السورية في فبراير 1958 كنت رفقة الدكتور نور الدين الآتاسي في تالة فكيف إحتفلتم بها؟ ■ احتفلنا برفقة المجاهدين في إحدى المقاهى الصغيرة في تالة وكان هؤلاء المجاهدون الطيبون يقولون لنا بالحرف الواحد أن قيام هذه الوحدة يعني تحقيق 50 من إنتصار الثورة الجزائرية؟ وهنا أرجو أن تسمح لي أيها الأخ العزيز أن التاريخ ليس مجرد ذكر الوقائع فقط، بل الإستفادة من دروسه وعبره في خدمة الحاضر والمستقبل. أنا أعتبر موقف وحديث سائق السيارة الضابط الذي ذكرناه وموقف هؤلاء الماجهدين يوم إعلان الوحدة يعبر حسب قناعة الراسخ عن روح شعبنا الجزائري العظيم الوحدوية وتعلقه بتحرير فلسطين وتوحيد الوطن العربي. علما بأن فرقا من الجيش الجزائري قد شاركت في التصدي للعدو الصهيوني عام 1967 على الجبهة المصرية وكذلك في حرب أكتوبر 1973 على الجبهة ذاتها. ● ماذا كانت تمثل لك الثورة بالأمس واليوم؟ ■ كنا نتصور ونحن شبان بأنه هناك ثورتان كبيرتان في الوطن العربي وهما الثورة الإسلامية الربانية بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم وشرفية العرب بحملها لتشع أنوارها على العالم، والثورة الجزائرية التي كنا نعتقد أن الشمس هذه المرة ستشرق منها وأن الجزائر بعد الاستقلال ستحلق بجناحيها المغربي والتونسي الثوريين لتحرير فلسطين والمساهمة في استكمال تحرير وتوحيد الوطن العربي، ولكن مع الأسف تمكنت القوة الثالثة في المغرب وتونس من إجهاض الثورة في القطرين الشقيقين وتحول النظامين في مرحلة من المراحل إلى حجري طاحون لمحاصرة الجزائر، رغم تسجيل تعاطف الشعبين الكريمين في المغرب وتونس الكامل مع الثورة الجزائرية. ● ذكرت أنكم كنتم في ساقية سيدي يوسف قبيل أسبوع من الجريمة المرتكبة في حق مواطنيها من قبل الاستعمار الفرنسي ولم تدع ولو مرة واحدة للمشاركة في الاحتفالات السنوية لذكراها وكذلك أنت العربي الوحيد من المشاركين في الثورة الموجود حاليا ومنذ 1971 في الجزائر ولم تدع لأي احتفال لذكرى الثورة، فماذا تقول؟ ■ بالنسبة لساقية سيدي يوسف، ذكرت أن الرفيقين يوسف زعين وصفوح أتاسي هما اللذان كانا المسؤولان عن مركزها الصحي، والحقيقة أننا كنا جميعا في زيارة الأخ العزيز العقيد علي كافي في أحد مراكز الساقية، حيث أخبرنا بقيام جيش التحرير بعملية كبيرة ناجحة ضد القوات الفرنسية داخل الحدود الجزائرية المتاخمة لساقية سيدي يوسف، وكونه يتوقع رد فعل الاستعماريين على ذلك الأمر الذي تقرر معه إخلاء المركز الصحي من المرضى واتخاذ الإجراءات الأخرى للوقاية من احتمالات الهجوم الفرنسي المعاكس، مما أدى إلى عدم وقوع أي إصابة بين المرضى الجزائريين أو وقوع معظم الإصابات على الإخوة من المواطنين التونسيين، أما مسألة الدعوة لم أسمع أنه حتى الأخ علي كافي نفسه قد دعا لتلك الاحتفالات البروتوكولية حتى يذكرنا المعنيون بذلك. ومهما يكن من أمر فإن المسائل الشخصية لا تهمني بأي حال لأن مشاركتنا المتواضعة في ثورة نوفمبر الخالدة كواجب ثوري قومي لا يستحق جزاء ولا شكورا كونه بحد ذاته شرفا كبيرا لنا لا يعادله أي شيء علما وللأمانة التاريخية أني فوجئت بعد سنوات قليلة من وجودي في الجزائر بالأخ العزيز الفاضل الأستاذ عبد الحميد مهري يقدم لي شهادة إشعار باستلام وسام جيش التحرير الوطني الذي لم أكن أعرف منه شيئا من قبل، حيث بادر كما علمت منه ذلك بشهادات وشهادة الأخ العزيز المجاهد العقيد أوعمران رحمه الله وطيب مثواه وشهادة الأخ الوفي المجاهد والقائد المعروف الأخضر بن طوبال أمد الله في عمره، ولما عبرت عن مفاجئتي بذلك وكوني لم أطلبه أخبرني بما معناه أنه يقدمون هذه الشهادة حتى للأجانب الذين ساهموا بدعم الثورة، فكيف لا نفعل ذلك معك، وأنت منا وأخونا في العروبة والإسلام. وقد تم تقديم الشهادات لبقية الرفقاء الأطباء إبان رئاسة الأخ علي كافي الشهم ووزير المجاهدين الأخ الصديق سعيد عبادو الذي كان شديد الحماسة لكل ذلك، والذين تم في عهدهما أيضا الإحتفال بذكرى إستشهاد رفيقنا الغالي الدكتور نور الدين الأتاسي جراء مرض حوالي ربع قرن من الإعتقال. ومن تسمية مستشفى بولوغين الجامعي بإسمه كأول عربي مجاهد يطلق اسمه على مؤسسة جزائرية، كما أني دعيت لأول مرة في الفترة ذاتها لحضور مؤتمر المجاهدين كمراقب كما عملت مع الإخوة المسؤولين ومن عرفته من المجاهدين الحقيقيين بمنحتي النبل، الأمر الذي أحتفظ به أنا وعائلتي الصغيرة وكل الرفاق الحزبيين بالتقدير والعرفان إلى الأبد، أما مسألة الدعوات البروتوكولية بمناسبة ذكرى أول نوفمبر السنوية على الخصوص وعدم دعوتي بأي مناسبة رسمية أخرى منذ وجودي عام 1971 بالجزائر حتى الآن فعلمها عند الله والجهات المعنية بذلك، ،لا تسبب لي أي عقدة لأن رصيدي الأخوي عند العديد من الأصدقاء الجزائريين الأوفياء لا يعادله أي شيء. وكل أملي في أن يكون الاحتفال بالذكرى ال 50 لعيد الثورة مناسبة أعمق من كل المظاهر الزائلة لينصب على تجديدها والمصالحة الوطنية لشعبها والالتزام بمبادئها الوطنية والقومية المقدسة، وقيمها الأخلاقية والجهاد الأكبر لتحقيق أهدافها المعروفة الذي يعتبر أكثر صعوبة وأشد تعقيدا من جهاد التحرير. ملاحظة: تكريما لروح المناضل الدكتور إبراهيم ماخوس سوري الأصل أحد المجاهدين المتطوعين في ثورة أول نوفمبر ارتاينا اعادة نشر هذا الحوار