الحديث عن الأدمغة المهاجرة والسبل الكفيلة بإعادتها إلى الوطن يبدو كلاما سياسيا أكثر من كونه تصورا واضحا لخطة عمل تهدف إلى تثمين القدرات العلمية والاستفادة منها بعيدا عن العواطف ليست الجزائر من الدول التي تصدر العلماء بنسب كبيرة، فنحن إلى اليوم لا نملك عالما واحدا حاز على جائزة نوبل في أي ميدان من الميادين العلمية، والجزائريون الذين يسمون أدمغة مهاجرة في الخارج منهم العلماء ومنهم الكفاءات المتوسطة وهم لا يمثلون استثناء، وحتى نكون أكثر وضوحا فإن هجرة الأدمغة ظاهرة معروفة حتى في الدول الكبرى، فدول أوروبا الغربية الأكثر تطورا كانت ولا تزال تجد صعوبة في الحفاظ على كفاءاتها التي استهوتها أجواء البحث والإبداع في الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ القرن الماضي، وقد يكون من المفيد تشجيع هؤلاء العلماء على الذهاب إلى هناك من أجل تطوير قدراتهم وتفجير طاقاتهم وهذا أكبر تثمين لهم على الإطلاق. ما ذا سيفعل عالم فيزياء أو عالم كيمياء أو عالم بيولوجيا عندما يترك جامعة مرموقة ومركز أبحاث كبير في الولاياتالمتحدة أو اليابان ويأتي إلى الجزائر؟ بكل تأكيد لا شيء، هل سيذهب للتدريس في جامعة باب الزوار مثلا ؟ سيكون هذا انتحارا علميا، فالأنفع بالنسبة للجزائر هو امتلاك طاقات علمية في الدول المتطورة وعندما نكون مستعدين للاستفادة من مؤهلات هؤلاء لن نجد أي عناء في إقناعهم بمساعدة بلدهم. المشكلة الحقيقية ليست في هجرة الأدمغة ولكن في كون الجزائر بلد طارد للأدمغة بسبب انعدام تصور لدور العلم في المجتمع وفي التسيير وفي حل المشكلات التي تواجهها البلاد على مختلف المستويات وكلنا نذكر ذلك المؤتمر العلمي الكبير الذي نظمته حكومة سيد أحمد غزالي وحضره أساتذة من كبريات الجامعات الغربية ليقال لهم في النهاية شكرا على المشاركة لكن اقتراحاتكم لا تلزمنا في شيء. العلماء في الجزائر هم ديكور لرجال السياسة، والملتقيات والندوات التي تنظم هنا وهناك كلها تحركها أهداف سياسية أو حسابات انتخابية ولهذا السبب لن نستطيع أبدا استيعاب العلماء الذين آثروا البقاء حيث يمكنهم الشعور بأنهم في المكان الصحيح.