من خلال استفزازات شارلي إيبدو، والتغطية الإعلامية للمسيرات الناصرة للرسول محمد )ص( سقطت حرية التعبير سقوطا حرا على الصعيد العالمي، وساد التضليل والدعاية على نطاق واسع، وتحولت حرية التعبير إلى إرهاب فكري وإعلامي، في وقت تجمع فيه كل حكومات العالم وحتى الأممالمتحدة على ضرورة محاربة الإرهاب. لقد شهد العالم الغربي والعالم الإسلامي في الأسبوع الماضي غليانا كبيرا ومزدوجا، بسبب الحملة الاستفزازية المقصودة التي تقوم بها جريدة شارلي إيبدو الفرنسية في الإساءة للرسول محمد (ص)، والمسيرات الكبيرة التي شهدتها دول العالم الإسلامي قاطبة ضد إلصاق الإرهاب بالإسلام من جهة، وضد التحرش والاستفزاز من قبل وسائل الإعلام الغربية ضد الإسلام والمسلمين. غير أنه يلاحظ أن حدث تضليل إعلامي كبير. التضليل الإعلامي ل "أنا شارلي" حاول المتعاطفون مع جريدة شارلي إيبدو الاحتماء بفكرة حرية التعبير لتبرير اعتداءاتهم الإعلامية والفكرية على المسلمين جميعا من خلال إهانة الرسول محمد(ص)، بيد أن هذا هو أهم تضليل إعلامي وفكري وسياسي مارسته شارلي إيبدو وحلفاؤها والمتعاطفون معها، لأن مجمل قوانين الإعلام وكل الدساتير في العالم باستثناء دستور الولاياتالمتحدةالأمريكية الذي يقر بالحرية المطلقة، تضع حدودا لحرية التعبير. كما أن الإتفاقيات الدولية المعروفة مثل الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان تضع أيضا حدودا لحرية التعبير. وبالتالي لا يجوز التستر بحرية التعبير للإساءة للأديان. إن شارلي إيبدو وحلفائها، لا يدافعون عن حرية التعبير، عندما يتعلق الأمر بنقد الصهيونية العالمية المتجسدة في الحكومة الإسرائيلية وهي تتعدى على أهم حق من حقوق الإنسان وهو الحق في الحياة، ويضعون لذلك خطا أحمرا بدعوى عدم معاداة السامية، ووصل الأمر بالحكومة الفرنسية إلى سن قانون يعرف باسم قانون قايسوت في مطلع التسعينيات يمنع حتى البحث في قضية المحرقة رغم أن ذلك يعتبر مساسا بحرية الفكر والإبداع والتعبير. إذان مادام هناك إمكانية لوضع حدود لحرية التعبير مثلما هو الأمر مع إسرائيل، فلماذا ليس هناك إمكانية لوضعها بخصوص التعامل مع الأديان وخاصة الدين الإسلامي؟ وهكذا تسقط أهم حجة تتذرع بها جريدة شارلي إيبدو وحلفاؤها. فضلا عن ذلك، فإن اسطوانة حرية التعبير، كان ممكنا تصديقها، لو توقفت جريدة شارلي إيبدو عن نشر الرسومات المسيئة للرسول محمد(ص) مباشرة بعد نشرها لأول مرة وحدوث ردود فعل قوية من قبل الشعوب المسلمة، لكن تكرار نشر الرسومات المسيئة، فضلا عن نشر رسومات ليست هي من أنتجتها في بداية الأمر، بل صحف دانماركية، يحول حرية التعبير إلى " إرهاب فكري وإعلامي" ضد المجتمعات الإسلامية. التضليل الإعلامي ضد "أنا محمد" في سياق آخر سقطت حرية التعبير سقوطا حرا، في تغطية المسيرات المنددة باستفزازات جريدة شارلي إيبدو، من قبل وسائل الإعلام المؤيدة ل "أنا شارلي" وذلك من خلال التقنيات الدعائية التالية: 1 – الربط المزيف من غرائب ما تابعت وقرأت في بعض وسائل إعلام الدول الغربية وحتى بعض الصحف الجزائرية، أنها لجأت لتوظيف تقنية الربط المزيف في العمل الدعائي، لتشويه صورة المسيرات الناصرة للرسول محمد (ص)، حيث لجأت إلى الربط بين المسيرات وبين ظهور شخصيات إسلامية، في إشارة إلى أن المشاركين في المسيرات هم فقط إسلاميون، بينما المسيرات شاركت فيها كل الحساسيات الفكرية والجنسية والثقافية ومختلف شرائح الأعمار، وذلك سعيا منها لتشويه المسيرات. 2 – تضخيم ما يجب عدم تضخيمه في سياق آخر تعمدت وسائل الإعلام المؤيدة ل »أنا شارلي« إلى تضخيم بعض التجاوزات التي حدثت خلال المسيرات، مثل بعض الاشتباكات مع رجال الأمن، أو الاعتداءات التي حصلت ضد بعض المراكز الثقافية الفرنسية كما حدث في النيجر، أو طرد سفير فرنسا من ندوة صحفية في السودان. والحقيقة أن المسيرات الشعبية، التي لا يقف منظم وراءها، من الطبيعي أن تشهد بعض الإنزلاقات، ربما حتى من بعض الأطراف التي ترغب في تشويه المسيرة أو التي ترغب في تحريفها عن مسارها الصحيح. 3 – تهوين ما يجب تضخيمه ومقابل ما سبق، لجأت وسائل الإعلام المؤيدة ل »أنا شارلي« إلى التهوين من حجم المسيرات، فهي لم تبرزها بالشكل الذي يبجب إبرازه، حيث تغافلت ضخامة مسيرات الطلبة والأساتذة والعنصر النسوي والمواطنين، مسيرات كانت هادئة وهادفة. وقد حققت الهدف المرجو. 4 – إبراز ردود فعل من العالم الإسلامي تنتقد المسيرات وعلى العكس من ذلك، ابرزت وسائل الإعلام المتحالفة مع شارلي إيبدو بعض ردود الفعل من المجتمع الإسلامي التي تنتقد المسيرات الناصرة للرسول محمد (ص) مثلما حدث مع الروائي الجزائري »الجديد« الذي ظهر إلى السطح فجأة كمال داود، في سعيها لتخفيف وقع المسيرات الشعبية الضخمة على المجتمعات الغربية. وهذا تضليل إعلامي دعائي يخدم مؤيدي »أنا شارلي«. 5 – عدم إبراز عبارة تنديدا يشارلي إيبدو في عناوين التغطيات الإعلامية كذلك تعمدت كثيرا من الصحف ووسائل الإعلام المؤيدة ل "أنا شارلي" عدم إبراز في عناوينها عبارة أن المسيرات منددة بشارلي إيبدو، مقابل ذلك ابرزت التجاوزات التي حدثت وتيار سياسي شارك فيها. ونحن نعلم في فنيات الكتابة الصحفية أهمية العناوين وخاصة المانشيتات وكذلك الصور، فضلا عن الصفحة الأولى والصفحة الثالثة والصفحة الأخيرة. إنه تضليل إعلامي رفيع المستوى. 6 – اتهام المسيرات الشعبية بأنها عبثية في سياق التضليل الإعلامي وممارسة الحرب النفسية ضد الشعوب الإسلامية، نشرت الصحف المؤيدة ل "أنا شارلي" تحليلات صحفية، واستضافت بعض القنوات محللين سياسيين، تحاملوا على المسيرات وقالوا أنها عبثية، بيد أن تلك المسيبرات حققت ما ما كان مرجو منها على المدى القريب: أ – إرسال رسالة إلى الغرب بأن الإسلام مكون رئيسي في هوية الشعوب المسلمة وأنها لا تقبل المساس به. ب – رسالة إلى الحكومات بأن الشعوب لا تزال حية وقلبها ينبض رغم مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية، وأنه بمقدورها أن تنتفض حيث يجب ذلك. ج – أرغمت الهئيات الدينية في العالم الإسلامي على المطالبة بسن قوانين تجرم بشكل صريح المساس بالأديان. د – حركت كثيرا من النخب في المجتمعات الغربية إلى التعاطف مع الإسلام والتنديد بحرية التعبير المزيفة وفتح نقاش هام حول "التعايش في أوروبا بين مختلف المكونات الثقافية والعرقية والدينية". وفي المحصلة، لقد سقطت حرية التعبير، وساد التضليل والدعاية، وتحولت الحرية إلى إرهاب فكري وإعلامي، في وقت تجمع كل الحكومات وحتى الأممالمتحدة على ضرورة محاربة الإرهاب.