الرابطة الأولى موبيليس: مولودية وهران تسقط في فخ التعادل السلبي امام اتحاد خنشلة    إجتماع أوبك/روسيا: التأكيد على أهمية استقرار أسواق النفط والطاقة    المؤسسات الناشئة: ضرورة تنويع آليات التمويل    تصفيات كأس إفريقيا-2025 لأقل من 20 سنة/تونس-الجزائر: ''الخضر'' مطالبون بالفوز لمواصلة حلم التأهل    تنظيم الطبعة ال20 للصالون الدولي للأشغال العمومية من 24 إلى 27 نوفمبر    لجنة تابعة للأمم المتحدة تعتمد 3 قرارات لصالح فلسطين    الذكرى 70 لاندلاع الثورة: تقديم العرض الأولي لمسرحية "تهاقرت .. ملحمة الرمال" بالجزائر العاصمة    الرئاسة الفلسطينية تؤكد ضرورة قيام المجتمع الدولي بالعمل الفوري على وقف العدوان الصهيوني المتواصل عل الفلسطينيين    مولي: الاجتماع المخصص للصادرات برئاسة رئيس الجمهورية كان مهما ومثمرا    ميلة.. تصدير ثاني شحنة من أسماك المياه العذبة نحو دولة السينغال    بنك الجزائر يحدد الشروط الخاصة بتأسيس البنوك الرقمية    أوبرا الجزائر تحتضن العرض الشرفي الأول للعمل الفني التاريخي ملحمة الرمال " تاهقارت"    منظمة العفو الدولية: المدعو نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة الجنائية    الاتحاد العام للجاليات الفلسطينية في أوروبا يثمن قرار الجنائية الدولية باعتقال مسؤولين صهيونيين    الرابطة الأولى موبيليس: شباب قسنطينة يفوز على اتحاد الجزائر (1-0) ويعتلي الصدارة    ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء وتكثيف الدعم لها لضمان تحقيق أهدافها    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    ربيقة يستقبل الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    بوغالي يترأس اجتماعا لهيئة التنسيق    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    دعم حقوق الأطفال لضمان مستقبل أفضل    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    شايبي يتلقى رسالة دعم من المدير الرياضي لفرانكفورت    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    ماندي الأكثر مشاركة    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور محي الدين عميمور : مالرئيس بومدين قال لي يوما أنه يجد نفسه في الكثير مما أكتبه
نشر في صوت الأحرار يوم 02 - 02 - 2015

هذه مجموعة من الأسئلة تبتعد عن الجوانب المعروفة من حياة الدكتور محيي الدين عميمور وتركز على جانب نتصور أنه لم يأخذ حقه كاملا في الحديث، وهو جانب الكتابة، والذي يدخل تحت عنوان ركن »الوجه الآخر« الذي ارتأت »صوت الأحرار« التعرف عليه والتعريف به، سعيا منها لتنوير القارئ الذي قد لا يعرف أن الكتابة كانت منطلق الوزير والمفكر والديبلوماسي والسياسي المحنك، فكان لنا معه هذا الحوار الصّريح والشيق.
بداية، تعرضتم مؤخرا إلى وعكة صحية، كيف هي أحوالكم الآن وكيف تعاملتم مع المرض؟
أنا الآن أحسن بحمد الله، وأعتقد أن أحسن تعامل مع المرض أن يعتبره الإنسان ابتلاء من الله وامتحانا لشجاعته، وأعترف أن هذه خانتني أحيانا لكنني صمدت بفضل الله، وأملي أن أستكمل علاجي في أحسن الأحوال.
الكتابة لدى الدكتور عميمور هاجس دائم، كيف تعاملتم مع هذا الهاجس خلال فترة المرض؟
لم أحسّ بأنني أسير نحو الشفاء إلا عندما كتبت أول مقالاتي بعد معاناة الوعكة الصحية، وأسجل هنا التشجيع الذي لقيته من نذير بو القرون، والذي كان يحثني على استئناف الكتابة، وهو ما حدث، وإن لم يكن بنفس الزخم السابق.

هل نسترجع معكم دور الكتابة في شريط حياة، وجدت نفسها ملزمة بمسار نضالي وسياسي وثقافي مختلف عمّا كانت تعدّ له؟

الكتابة كانت بالنسبة لي في البدايات هواية عابرة ونشاط وطنيا، ثم تحولت إلى التزام دائم ونضال مستمر، وفتحت أمامي أبوابا لم أكن أتوقعها أو أحلم بها، وكان الخط الذي سرت عليه، منذ كتاباتي الأولى في الجيش، ثم في المجاهد والشعب وغيرها، أن الكتابة ليست إفرازا زائدا عن الحاجة نتخلص بواسطته من، أكرمكم الله، بقايا حركة الهضم الفكري، ولكنها، كالحليب، إفراز بهدف ومن أجل غاية، وهو أجزاء من الخلايا الحية نفسها، وأنا أعتبر نفسي دائما مجرد قارئ يتفاعل مع الأحداث، ويسجل تفاعله في سطور تحمل، بكل تواضع، عنوان: انطباعات.
ومنذ دراستي الثانوية ثم الجامعية أصبحت الكتابة هي وسيلتي للتعريف ببلادي والدعوة لدعم كفاحها، وأتذكر أنني أصدرت في كلية الطب خلال الخمسينيات مجلة حائطية أسبوعية كنت أكتب مواضيعها وأخط رسومها بنفسي، واخترعت أسلوبا جديدا كنت أستعمل فيه الآلة الكاتبة لتسهيل القراءة على المتابعين.
وكان لتعرفي بعبد القادر المازني وأحمد رضا حوحو دور كبير في صياغة أسلوبي، وهو، كما تعرف، أسلوب يستعمل الفكاهة والمرح وسيلة للوصول إلى قلب القارئ وفكره، بحيث يمكن أن أدّعي أن الأسلوب المرح في صحافة ما بعد استرجاع الاستقلال تجسد في كتابات شخصين، التلي بن الشيخ والعبد الضعيف.
ويسعدني أن كثيرين ما زالوا يذكرون كتابات الجيش التي تناولت بعض جوانب الحياة بالنقد والتحليل، وبنوع من الشجاعة تفاعلت معها السلطات العليا إيجابيا فتزايدت ضراوتها.
آنذاك كنت مسؤولا عن الخدمات الطبية في البحرية الجزائرية، ولأنني كنت مسكونا بما كان البعض يسميه »لوثة« التعريب فقد كنت أعدّ لمجلة الجيش ملفا طبيا باللغة العربية، أقدم فيه عددا من المعلومات الطبية والحقائق العلمية المبسطة، عبر ثمان صفحات مزينة برسوم كنت أرسمها بنفسي وتبرمج في وسط المجلة، التي كانت منبرا رائعا للفكر النضالي، وتوضع شهريا تحت تصرف الجمهور، الذي كان يتابعها باهتمام لم نعد نعرفه اليوم مع معظم الكتابات الصحفية، وتميزت بسلسلة مقالات تتناول قضايا ثقافية وفنية وإعلامية، أصبحت تركز أكثر على القضايا السياسية بعد هزيمة 1967، وكانت توضع في آخر المجلة وتحمل عنوان "انطباعات، وعرفت يومها أن وزير الدفاع العقيد هواري بو مدين كان يتابع بكل اهتمام كتاباتي مع الرفقاء عبد الله ركيبي وزهور ونيسي وآخرين.
وتواصلت الكتابة بعد أن خرجت من الجيش وفتحت عيادة خاصة، وواصلت استعمال التوقيع الرمزي الذي كنت أستعمله خلال عملي في الجيش، وهو ميم دين، وكنت أول من أدخل الرسوم الكاريكاتورية في الصحافة العربية.
ولعلي أدعي أن كتاباتي كانت من بين ما لفت نظر الرئيس الراحل إلى العبد الضعيف، فقد قال لي، بعد أن بدأت العمل إلى جانبه في بداية السبعينيات، أنه كان يجد نفسه في الكثير مما أكتبه، وهكذا أتصور أن حكم الرئيس علىّ بُني على أساس الأفكار التي كنت أستعرضها في مقالاتي، إضافة إلى نشاطي في البحرية، خصوصا عندما أنشأت فيها المحافظة السياسية، وكان من بين إنجازاتي كتابة اسم البحرية الجزائرية بالخط الكوفي، والذي طبع على قبعات الجنود وما زال كذلك إلى يومنا هذا.
ثم واصلت الكتابة خلال عملك مع الرئيس.
عرفت كتاباتي آنذاك التزامين متناقضين من ناحية الأسلوب والصياغة، وهو ما أرهقني كثيرا.
وبداية، ظلّ كل ما يُنشر من كتاباتي يحمل نفس التوقيع المستعار، وذلك حتى لا أحرج المؤسسة التي أتشرف بالعمل فيها، وخصوصا في الفترة التي عرف فيها الوطن العربي إجهاض نتائج حرب أكتوبر 1973 وتفجرت فيها قضية الصحراء الغربية، كما تضمنت الكتابات اهتمامات ثقافية وفنية لها طابعها الوطني، لعل من أهمها مقالي الشهير عن فيلم سنوات الجمر، الذي اضطر المخرج إلى إعادة تركيب بعض مقاطعه، بعد أن سمع من الرئيس نفس النقد.
وكان النوع الثاني من الكتابات معلومات وتعليقات ودراسات كنت أكتبها من نسخة واحدة أرسل بها في إطار نشرة إعلامية يومية، كنت أعدها للرئيس، مع زملائي في مديرية الإعلام، وكنت أكتب تلك النسخة أحيانا بنفسي على الآلة الراقنة لكيلا يطلع عليها أحد، لأنها كانت تتضمن ما يجب أن يطلع عليه الرئيس وحده.
وعندما لاحظ البعض حصول الرئيس على معلومات لم تصل له عن طريقهم أدرك أن هناك من يُسرب له هذه المعلومات، وأخذ بعضهم يتندر على ما أقوم به، وأسماني كاتب القارئ الوحيد، وكنت استعرضت هذا في كتابي )نظرة في مرآة عاكسة(.
وكان هناك جانب آخر تطلب مني جهدا كبيرا، وهو إعادة صياغة الخطب التي كان الرئيس يلقيها ارتجالا، أو إعداد بعض ما يُنشر باسم الرئيس كبعض الافتتاحيات الصحفية أو الكتابات التذكارية في وثائق تدشين المنجزات.
لماذا كان هذا الأمر في حاجة لجهد خاص ؟
الرئيس بومدين كان متمكنا من اللغة العربية، حافظا للقرآن الكريم، الذي هو المرجع الأساسي للغة العربية، وكان عاشقا لأشعار المتنبي وغيره من فحول الشعراء، قارئا لطه حسين وغيره من كبار الكتاب، وكان معتادا على أسلوب بلاغي جزلٍ تخصص في كتابة مُعظم نصوصه أو ترجمتها المرحوم مولود قاسم، وكان عليّ بالتالي أن أحرص على أن يظل أسلوب ما أكتبه في نفس المستوى الذي تعوده الناس من الرئيس، وفي الوقت نفسه كان علي أن أراعي المتطلبات الإعلامية الحديثة التي تتطلب جملا تصل إلى الهدف بسرعة وتتفادى المحسنات البديعية، وأن أبتعد بالصياغة تماما عن أسلوبي الخاص في الكتابة، لأنني أعرف أن الرئيس دقيق الملاحظة، ولا أحب أن يشعر بأنني أستغل عملي في الترويج لنفسي.
هل كنت تبذل نفس الجهد مع خطب الرئيس الشاذلي بن جديد ؟
كان جهدا مضاعفا لعدة أسباب، أولها الحجم المتزايد للكتابات، فأنا كتبت وحدي النص الكامل لكل خطب الأمة التي ألقاها الرئيس في عهدته الأولى، وباستثناء الخطاب الأول الذي ساهم الدكتور أحمد طالب مشكورا في كتابة جانبه المتعلق بالسياسة الدولية، كما كتبت وحدي الصياغة الرسمية لكل الخطب التي ارتجلها الرئيس في اللقاءات الحزبية وفي التصريحات الصحفية وكذلك كل النصوص التذكارية في التدشينات ووثائق الحجر الأساسي للمنجزات.
السبب الثاني، هو أنه كان عليّ أن أختار الأسلوب المناسب لشخصية الرئيس الجديد، بحيث لا يبدو تقليدا لخطب الرئيس الراحل، وكان الشعار الذي قمت بصياغته وترويجه هو : التغيير في إطار الاستمرارية.
كيف تم هذا التغيير بالنسبة للخطب؟
كان يجب أن أبذل جهدا كبيرا لاختيار جمل قصيرة يتكامل فيها عمق الفكرة مع بساطة الأسلوب، بحيث يقترب أحيانا من العامية، وبحيث يكون الرئيس على راحته عند قراءتها، وقد سهل الرئيس مُهمتي عندما قبل مراجعة الخطب الرسمية على ضوء كاستات كنت أسجّلها سلفا، وحرص على الاعتماد في الخطب المرتجلة على نقاط كنت أعدها له، وأحيانا باللغتين العربية والفرنسية، وكان يضعها أمامها ليلقي خطابه على ضوئها، وكنت ألتقط الكثير منها من تعبيرات كان الرئيس نفسه يستعملها، لكي يحس بأن ما أقوم به هو مجرد صياغة أفكاره وليس فرض أفكار غريبة عنه، وهو ما كان يفرض متابعة دقيقة لكل ما يقوله الرئيس، حتى في الجلسات الحميمية.
لكنك كنت تدخل أفكارك في النصوص؟
أعتقد أنني كنت أقوم بواجبي كمستشار إعلامي للرئيس، مهمته أن يحرص على أن يكون كل ما يتفوه به وينسب له في مستوى رئاسة بلد عظيم مثل الجزائر، وأنا أعرف أنه كان هناك من يدسّ لي عند الرئيس، لكنني كنت بالغ الحرص في تعاملي معه.
هناك من اتهمك بأنك اقترحت على الرئيس عند زيارته إلى سوريا خطابا أساء للجزائر؟
كانت تلك أول زيارة رسمية يقوم بها الرئيس الشاذلي إلى دمشق، التي كانت في شوق لرؤية خليفة الرئيس هواري بو مدين، وفوجئنا بأنه كان على الرئيس أن يلقي خطابا في ملعب رياضي، بعد خطاب للرئيس حافظ الأسد، الخبير في مخاطبة الحشود.
وفكرت طويلة في الأسلوب الذي يمكن أن أكسب به لرئيسنا ولبلادنا الجموع الهادرة في الملعب، ووصلت إلى النتيجة بأن أي محاولة لتقديم خطاب في نفس مستوى ما ألفه السوريون من بو مدين وبعد خطاب الأسد سيكون كارثة، فالرئيس ما زال يعيش خطواته الأولى في ممارسة الرئاسة، وهكذا اقترحت عليه أن يكتفي بكلمات قليلة يقول فيها ما معناه أنه ما جاء ليلقي خطبا ولكنه جاء ليعيش مع الشعب السوري صموده الرائع ويستلهم تضحياته الكبرى، وقبل الرئيس اقتراحي، وكانت النتيجة انفجار الحشود بتحية الرئيس الجزائري، الذي أعطى الوطن العربي درسا في التواضع، وهو رئيس أكبر الدول العربية والإسلامية وأعظمها كفاحا، وهكذا حققتُ الهدف.
وبالطبع، فإن كثيرين التقطوا الفرصة للإساءة إلى شخصي، لمجرد أنني لم أستشرهم وتحملت المسؤولية وحدي، ولم أندم على ذلك، وهو ما عشته أيضا عند تنظيمي لحوار الرئيس مع القناة الفرنسية الثالثة.
قيل أيضا أنك مسؤول عن اختيار شعار : من أجل حياة أفضل، الذي أثار سخرية الكثيرين.
ذلك اختيار أعتز به ويشرفني أن يُنسَبَ إليّ، وبالفعل، كنت أنا من قدم الشعار للجنة الإعلامية في المؤتمر الاستثنائي، بل إنني أنا الذي رسم شعار المؤتمر، ومجانا طبعا، وكان الهدف إشاعة روح التفاؤل بمستقبل يجب أن نعمل جميعا لبنائه، في تكامل وتنسيق بين القيادة والقاعدة.
هذه قضايا غير معروفة.
كلها موجودة في الكتاب الذي نشرته في حياة الرئيس الشاذلي بعنوان: أنا وهو وهم، وأسجل أنني أرسلت له نسخة لأستأذنه في توزيع الكتاب، وليس ذنبي أن مواقع بيع الكتب أصبحت تبيع الهامبورغر والبيتزا.
في منتصف الثمانينات تمت تصفيتك مع آخرين، كيف اختلف تعاملك مع الكتابة ؟
لم يكن إنهاء مهامي في رئاسة الجمهورية بعد 13 عاما مفاجأة كبرى، فقد أصبح واضحا أنه كان هناك، في أكثر من مستوى سيادي بل وعائلي، من تقلقهم ثقة الرئيس في شخصي، وقد تناولت كل هذا بالتفصيل في كتابي المذكور.
وبداية، أخذت أستعد للعودة إلى ميدان الطب الذي كنت هجرته منذ نحو 13 سنة، وحدث أن دعاني سعد بو عقبة لكتابة كلمة بمناسبة ذكرى ميلاد جريدة الشعب، وفرضتْ علي ردودُ الفعل على ما كتبته في ديسمبر 1986 أن أعيَد التفكير في قراري بالنسبة للكتابة، التي أحسست أنها أصبحت تحتاجني وأحتاجها أكثر من أي وقت مضى.
كانت تلك المرحلة قد شهدت عدة أحداث لم يكن من الممكن أن يقف المثقف أمامها ساكتا، فكانت هنا عملية التسونامي السياسي التي استهدفت النيل من الرئيس هواري بو مدين والإساءة لمسيرته ولرجال عملوا معه، وكانت هناك عمليات تبذير اتسم بالسفه مع تزايد عائدات النفط، وبدأت نذر انخفاض الأسعار تثير الكثير من القلق، وكانت هناك أقوال كثيرة عن تعيينات عشوائية للأقارب وتدخلات في قضايا السلطة للأهل والأصهار.
هل كان دخلك من الكتابة يضمن لك حياة كريمة؟.
لم أعتمد يوما على أيّ دخل ماليّ من الكتابة، خصوصا في الصحافة الوطنية، التي كنت أعتبر مساهمتي فيها واجبا أقوم به، وكنت أختلف في هذا مع الرفيق أحمد بن نعمان، الذي كان يندد بأسلوب الزكاة الفكرية، كما يسمي الكتابة المجانية.
ولكن، كان من فضل الله وبفضل الرئيس الشاذلي أن ضُمِن لكل الإطارات المُبعدة وضعية التقاعد الكريم، وهكذا اكتفيت بمنحة التقاعد، وظللت أدفع الضرائب كأي مواطن، ثم استفدت من منحة إضافية خلال عضوية مجلس الأمة، كانت، بحكم القانون، 30 في المائة من المرتب، بغض النظر عن الجهد المبذول.
نعود إلى مرحلة الثمانينات، كيف كانت كتاباتك آنذاك؟
عرفت تلك المرحلة سلسلة المقالات التي أسماها قراء كثيرون: سلسلة الطلقاء، والتي حاولتُ فيها التحذير من فتنة كنت أراها على الأبواب، وذلك بإسقاطات استعرضت بها الوضعية التي قادت إلى الفتنة الكبرى في صدر الإسلام، وهي مقالات أعدت نشرها في سلسلة لله وللوطن، وأكتفي هنا بأن أشير إلى حدثين ارتبطا بها، يعطيان صورة لها معناها عن الجزائر آنذاك.
كان واضحا أن مقالاتي كانت نقدا لنظام الحكم، وطبعا بكل أدب واحترام، وجاءني يوما سعد بو عقبة، رئيس تحرير صحيفة الشعب التي كانت تنشر مقالاتي، ليروي لي حديثا له مع مدير المخابرات العسكرية آنذاك، العقيد قاصدي مرباح.
قال العقيد الرهيب لبو عقبة معلقا على مقالاتي، مؤكدا أنه يتابعها باهتمام: عندما يتحدث عميمور عن أبي بكر وقِصَر ولايته فواضح أنه يشير إلى بن بله، وعندما يتناول مسيرة عُمر وإنجازاته فإنه يتحدث في الواقع عن بو مدين، أما عندما يعرّض بتفضيل عثمان بن عفان لبني أمية فهو يعني الشاذلي بن جديد.
ويواصل بوعقبة روايته قائلا أن مرباح سأله: من يا ترى سيكون معاوية ؟ ويعيد بو عقبة عليّ طرح السؤال، فقلت له: معاوية لن يكون فردا بل جماعة. أما الحدث الثاني فقد عشته مع مدير الأمن الوطني الهادي خديري، وكنت أشرت له مرة في أحد مقالاتي، وأذكر به باختصار.
فقد دعاني لفنجان قهوة في مكتبه، وبالفعل ذهبت إليه وجاءت القهوة، وقبل أن أرتشفها سألني بكل هدوء: ألا تعتقد أن مقالاتك تعريض بالنظام؟ وأجبته على الفور: هل كان مجيئي إليك دعوة أم استدعاء؟
وقال، رحمه الله، هي دعوة أخوية، وأرجو أن تنسى سؤالي، وأجبته على الفور مرة أخرى: مقالاتي هي حرصٌ على ألا يتهاوى نظام جبهة التحرير الوطني، وعلى النظام أن يقرأ مقالاتي جيدا لأنه سيستفيد منها.
والطريف هنا أنني خشيت أن تستضيفني الدولة، فتخلصت في اليوم التالي من نقطة الضعف الرئيسية التي كان يمكن أن يُضغط بها عليّ، وهي التدخين، إذ كنت مدخنا شرها. وكنت أقول للهادي، عندما كنت أراه يجذب أنفاس السيغار: أنت أنقذتني من التدخين، ولست أدري كيف أردّ لك الجميل. لكن ما أعتز به هو أنه لم يوجه إليّ أي لوم أو عتاب من أي مستوى كان، وعرفت فيما بعد أن الرئيس الشاذلي رحمه الله كان يتابع مقالاتي بالكثير من الاهتمام.
ووقعت أحداث أكتوبر التي تراها أنت فتنة مدبرة ؟
ذلك رأي كثيرين من بينهم الجنرال خالد نزار، وربما استفدت أنا شخصيا من تلك الأحداث، حيث وصل الرئيس إثرها إلى اليقين بأنني كنت له ناصحا أمينا، وبأنني ظلمت عند عزلي من الرئاسة، فكُلّفت بمهمة السفارة في باكستان، وعندما حاولت أن أرفض قال لي وزير الخارجية آنذاك، الدكتور بو علام بسايح، أن القرار صدر من الرئيس شخصيا ومن حسن الخلق ألا أرفض تنفيذه. وفيما بعد قال لي الأخ العربي بلخير، والذي أظنه كان وراء عزلي، أن الرئيس، عندما أبلغ بقبولي السفارة، بدا عليه السرور وكأنه طفل حصل على لعبة جديدة.
هذه أيضا معلومات جديدة؟
هي ليست جديدة، فقد تناولتها في كتابين، أولهما كتاب : سفيرا زاده الخيال، والثاني : أنا وهو وهم، ولعلي تناولتها أيضا في بعض حواراتي أو مقالاتي.
مع تعيينك سفيرا انتهت العلاقة مع الكتابة؟
بالعكس، هي تضاعفت بحكم الأحداث، فخلال وجودي في باكستان حدث الغزو العراقي للكويت، ونتجت عنه الهجمة الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على المنطقة، وواكبتُ كل الأحداث بمقالات كنت أرسل بها من باكستان بالفاكس على نفقتي الخاصة لتنشر في المساء، التي كان يرأس تحريرها سعد بو عقبة، وركزت فيها على المؤامرة الأمريكية والدور السلبي للرئيس حسني مبارك.
قيل يومها أنك أرسلت رسالة تهنئة لقيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ إثر فوزها بالانتخابات؟
سمعت هذا الإدعاء، وقيل لي أن ديبلوماسيا جزائريا مرتبطا بالمخابرات في بلد عربي هو مصدره، وتحدّيتُ يومها أن يُظهر أحدٌ نص الرسالة المزعومة، وقلت لمن سألني بكل أخوة أنني رجل دولة، يمثل دولة، ويعرف حدود تصرفات رجال الدولة.
وكنت أتمنى لو ساءلتني المؤسسة التي كنت أنتمي لها رسميا، لكن أحدا لم يطرح الأمر، وإن كان الأخوان عبد القادر حجار ومدني حود قد أسرّا لي يوما أن مسؤولا ساميا كرر هذا الادعاء للرئيس بو تفليقة عشية تعييني وزيرا ليثنيه عن ذلك، ولم يعرِ الرئيس الأمر التفاتا، وأتصور أن ذلك كان لأنه يعرفني جيدا.
وجاءت العشرية الحمراء
وتزايدت كتاباتي، سواء في الصحافة الوطنية أو في عدد من الصحف المشرقية مثل الشرق الأوسط والأهرام والقدس العربي والراية القطرية، وركزتُ اهتمامي على أمرين، أولهما شرح أحداث الجزائر ومواجهة الحملة الضارية ضدها، والثاني شرح كل الجوانب المرتبطة بقضية الصحراء الغربية، التي كان الأشقاء في المشرق يجهلون أبجدياتها أو يتجاهلونها.
ثم حدث أن اختارني نادي الصحافة في دبي عضو في مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية، كما اختارتني مؤسسة الفكر العربي عضوا في هيئة المستشارين، وكانت فرصة سانحة لكي أعرف بزملاء من الصحافيين الجزائريين، وأدعم ترشيح بعضهم للجوائز التكريمية. وأعترف اليوم أن حجم كتاباتي أصبح أقل، بعد أن قلت أهم ما كنت أريد قوله.
عميمور المجاهد كيف يقرأ الصراعات التي طفت إلى السطح مؤخرا بين رموز الثورة، ولماذا هذا الجدل في هذا الوقت، ومن المستفيد منها؟
أنا أقلُّ شأنا من أن أحْكم على مواقف كبار المجاهدين، حتى لو اختلفت مع رؤية بعضهم للأحداث، وأنا أفرّق بين الشهادات النزيهة أو بعض الأحكام المتسرعة لمجاهدين عاشوا وضعيات خاصة وبين الهذر التافه الذي يُصفي به بعض البسطاء حسابات رخيصة، أو ينتقم لنفسه أو لتياره الفكري بتلويث قيادات معروفة.
هل كتابة التاريخ تستوجب التطرق إلى كل الجوانب التي عرفتها الثورة؟
يجب أن نفرق بين الشهادات على الأحداث التاريخية، وكتابة التاريخ، والذين صنعوا أحداث التاريخ أو عاشوها بشكل مباشر لا يستطيعون، من الناحية الإنسانية، الكتابة المحايدة والموضوعية للتاريخ، ودورهم هو إعطاء الشهادات حول ما عاشوه.
وعند تناول أحداث الثورة يجب أن نفهم أن هناك جروحا لم تلتئم بعد، وبالتالي فهناك فرق بين تسجيل الشهادات لتكون تحت تصرف المؤرخين، ونشر هذه الشهادات على الملأ لتكون تحت تصرف عابث لا يعرف قيمتها وتأثيرها وأبعاد التعامل معها.
اقترن اسمكم بالرئيس الراحل هواري بومدين، هل بإمكانكم أن تعطونا جوانب من هذه الشخصية؟
هذه معطيات تحدثت عنها كثيرا، وأعتقد أنني قلت أهم ما لديّ مما يمكن قوله، والدور اليوم هو على أساتذة التاريخ والمحللين السياسيين لدراسة معطيات المسيرة الرائعة للرئيس الراحل ولكل قياداتنا الوطنية، وعلينا ألا نقيم وزنا لمن يحاول تعقيد الآخرين باتهامهم أنهم يتاجرون بذكرياتهم عن القيادات الراحلة، لأن هدف أمثال هؤلاء هو التعتيم على كل ما هو نبيل في مسيرتنا، لمجرد أنهم كانوا فيها صفرا على شمال الأعداد.
من هي الشخصيات التي أثرت فيكم وكانت بمثابة معالم ومنارات في حياتكم؟
كثيرون، لكن الرئيس هواري بو مدين يحتل مركز الصدارة.
عشتم ظروفا وعرفتم مناسبات سياسية ودبلوماسية فريدة من نوعها، رفقة الرئيس الراحل هواري بومدين وشخصيات وطنية أخرى، بماذا توصون دبلوماسيينا ومسؤولينا السامين في الدولة في كيفيات التعامل مع الأشقاء والأجانب؟
ليس من حقي أن أنصح أحدا أو أن أعطي الدروس لأحد، والحلال بيّن والحرام بيّن.
انتقدتم مؤخرا خطاب ممثل ملك المغرب في ملتقى الفكر العربي بالرباط والذي هاجم صراحة الجزائر، في اعتقادكم، لماذا يتشبت المخزن دائما بعدائه تجاه الجزائر؟
كنت أتوقع عملا استفزازيا ولهذا اعتذرت عن الاستجابة لدعوة الأمير خالد، وباختصار شديد جدا يمكن القول أنه منذ استقلال الجزائر كان عداؤها والتحريض ضدها القاعدة الرئيسية لسياسة القصر الملكي في تحقيق الوحدة الوطنية حول العرش، وستجد أن كل الأشقاء الذين يهاجمون مقالاتي يرددون نفس الأسطوانة.
ما هي أهم المواقف واللحظات التي بقيت راسخة في ذاكرتكم عبر مشوار سياسي طويل وحافل بالمحطات المهمة؟
أول الأحداث رفعنا للعلم الجزائري رسميا للمرة الأولى في 1955، وهو علمٌ ما زلتُ أحتفظُ به إلى اليوم، وأهم ما عشته لقائي الأول بكل من الرئيس عبد الناصر والملك فيصل، وأروع ما عشته تشريف الرئيس بو مدين لي بدعوتي للعمل إلى جانبه، وهو ما ينطبق أيضا على الرئيس الشاذلي، وأجمل اللحظات كانت دخول بو مدين إلى قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة بكل الهيبة التي انتفض لها الحضور، وأكثر المفاجآت إرباكا هي تعييني وزيرا في أوت 2000، وأسعد اللحظات كانت اختياري في الكويت عام 2001 في مرتبة شخصية العام الثقافية، وحصولي على جائزة الصحافة العربية في دبي عام 2010.
أصدرتم عدة مؤلفات هل تعتبرونها مذكرات خاصة بكم؟
أصدرت نحو 13 مؤلفا بعضها في أكثر من جزء، وهي تضم دراسات وتحليلات ومشاهدات وأفكارا متعددة آمل أن يستفيد منها الشباب، كما تضم شهادات آمل أن تساهم في إمداد كتاب التاريخ ببعض جوانب المسيرة الوطنية.
ارتبط اسمكم لدى العامة بالنظام، ما تعليقكم؟
يسعدني أنك استعملت كلمة )العامة( ولها معناها المحدد، وما أقوله هو أن ذلك الارتباط يشرفني وهو ليس تهمة أخجل منها، ولعلك تعرف أنني طيلة حياتي لم أطلب مسؤولية في الدولة، ولكنني كنت أستدعى بما يشبه الأمر لخدمتها.
هل ما تزال لديكم طموحات سياسية؟
في مثل سني وعلى ضوء تجربتي وفي ضوء ما أراه اليوم يُعتبر أي طموح سياسي نوعا من الغباء والحماقة وقصر النظر.
ما رأيكم في واقع اللغة العربية اليوم بالجزائر؟
واقع مؤسف ومخجل.
ما تعليقكم حول ما أصبح يسمى ب "الربيع العربي" والذي نجم عنه وضع قاتم بعدد من الدول العربية.
هو بالفعل ربيع حقيقي تحالفت ضده عواصف الحقد والخوف من غضبة الشعوب، وانتهى الأمر به في بعض البلدان إلى ثورة مضادة بكل المقاييس، ونحن مسؤولون إلى حدّ ما عن النتيجة السلبية التي انتهى إليها، وهو ما تناولت جانبا منه في كتابي : نحن والعقيد..
هل أنتم من هواة الرياضة؟
لا، للأسف.
ما تعليقكم على أداء المنتخب الوطني في كأس أمم إفريقيا التي تجرى حاليا بغينيا الاستوائية.
كل إنجاز وطني يُسعدني، أيا كان مجاله.
كيف يقضي الدكتور عميمور يومياته؟
بصراحة، مع الفيس بوك والأنترنت والبرامج الثقافية في التلفزة.
ما هو الكتاب الذي تطالعونه اليوم؟
أحاول أن أكمل مذكرات هيلاري كلينتون، التي أهداها لي الأخ أحمد أو يحيى عندما كنت نزيل المستشفى العسكري خلال شهر نوفمبر الماضي.
كلمة أخيرة
شكرا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.