يتذكر بعض مجاهدي بجاية بعد 50 سنة خلت تنقلهم إلى تونس ضمن سرية من 135 جندي من جيش التحرير الوطني خلال شهر ماي 1959 في مهمة لجلب السلاح لفائدة الولاية التاريخية الثالثة، وكانت الرحلة في غاية الصعوبة بسبب الغليان الكبير الذي كان يميز منطقة الشرق سنة بعد معركة سوق أهراس الشهيرة حيث كانت المواجهات ضارية ما بين جيش التحرير و جنود الاحتلال الفرنسي مما اضطر معظم أفراد الرحلة إلى البقاء في المنطقة والانضمام للكتائب التي كانت مستقرة بعين المكان ليشاركوا في الحرب ضد العدو إلى غاية الاستقلال. المجاهد مصطفى يخلف أحد الأعضاء المتبقين من تلك الرحلة الشاقة التي كانت تشبه الكابوس لكل من يتذكرها حيث يقول أنها كانت بمثابة جهنم بالنسبة لكل من عايشها، سيما وأن وكان سن معظم أفراد تلك السرية حسب ما يتذكره هذا المجاهد الذي لا يزال يحتفظ بحيوية الشباب يتراوح ما بين 18 و 22 سنة إذ تم تزويدهم ببندقية واحدة و حفنة من القنابل اليدوية لكل مجموعة من 10 جنود لا يعرفون في معظمهم المناطق التي يعبرونها، ولكنهم بالرغم من ذلك واجهوا الموقف بكل شجاعة وكانوا مستعدين للتصدي للعدو الذي كان يترصدهم على طول طريقهم انطلاقا من غابة أكفادو ببجاية إلى غاية الأراضي التونسية أي على مسافة حوالي 900 كلم. زيادة على خطر قوات الاستعمار الفرنسي المحدق كان هؤلاء الفتية مستعدين حسب تأكيد السيد يخلف لمواجهة الموت الذي ينتظرهم أمام أسلاك موريس وشال الجهنمية التي كانت تشكل الحواجز المكهربة التي أقامتها فرنسا على طول 450 كلم من الحدود التونسية الجزائرية، والتي كان عرضها لا يقل عن ثمانية أمتار و علوها أربعة أمتار معززة بالأسلاك الشائكة والألغام،مضيفا وعلامات الحيرة الممزوجة بالفخر بادية عليه »اليوم فقط يمكننا إدراك مدى خطورة المواقف التي تعرضنا لها آنذاك و مدى أهمية نجاح تلك المهمة« ويواصل قائلا» في ذلك الوقت كان الأهم بالنسبة لنا هو الوصول إلى تونس و لم نكن نفكر بتاتا في حالنا كنا في الحقيقية مستعدين للموت«. وفي سرده لتفاصيل تلك الرحلة الخالدة في ذهنه يقول سي يخلف أنه تم جمع الجنود المكونين لفريق المهمة بغابة أكفادو على بعد حوالي 70 كلم غرب بجاية تحت قيادة الملازم إيسيغاد أحسن، وتنقلت السرية مشيا على الأقدام إلى غاية منطقة إمزاين ببجاية قبل الوصول إلى جيجل عبر منطقة البابور بدرقينة و لعلام ثم إلى الطاهير. ويواصل رفيق يخلف في المهمة المجاهد جرود لونيس، قائلا » كانت الرحلة تبدو سهلة إلى غاية النقطة المذكورة لكن بمجرد بلوغنا ضفاف واد السودان بميلة فوجئنا بهجوم من العدو حيث استفقنا على دوي الرشاش على الساعة الرابعة صباحا و تهاطل علينا وابل من الرصاص من كل جهة مما أدى إلى استشهاد 13 من رفقائنا«، وبفضل قوة عزيمة قائدنا أحسن ايسيغاد الذي تمكن من وقف تقدم العدو استطعت أنا و بعض رفقائي يقول يخلف من الفرار و الاختباء قبل أن تتم قنبلة المنطقة كلها بواسطة الطائرات، حيث واصل الفريق طريقه عبر مناطق سكيكدة وعزابة ليواجه هجوما مماثلا بجبل الدوغ بالقرب من عنابة. وهنا يتذكر المجاهد أن كل أعضاء السرية كانوا جد متعبين ويعانون من الجوع، مضيفا كنا لنموت جميعنا لولا حدوث عاصفة رعدية وسقوط أمطار كثيرة حجبت الرؤيا لدى العدو وسمحت لكل منا بالاختباء وراء الأشجار والتوزع عبر الغابة، ليواصل سرد ذكرياته قائلا » أضاع الكثير منا الطريق بسبب عدم معرفته المنطقة فيما مرض آخرون لذا بقينا بتلك الغابة عدة أيام لاستعادة قوانا قبل مواصلة طريقنا إلى غاية مركز القيادة بالمنطقة بعد قدوم الملازم عباس الذي نقلنا إلى هناك شهر جوان من نفس السنة«، وهناك بمركز القيادة المعني انتظر الناجون الذين انخفض عددهم إلى ثلثين فقط من عدد الجنود الذين انطلقوا من بجاية عدة أشهر حيث شاركوا في عدة معارك وغارات ضد العدو سيما بمنطقة خرازة في منتصف أكتوبر، وفي معارك أخرى في عين الكرمة، زيتونة وعين السلطان، ليتمكن في شهر ديسمبر من نفس السنة أولى أعضاء فريق المهمة من المرور بسلام عبر أسلاك موريس وشال لبلوغ تونس أخيرا ، حيث بلغ السرية حينها أمرا بتوقيف نقل السلاح. وبحسب علي أوشيش إسماعيل مسؤول مكتب المنظمة الوطنية للمجاهدين ببجاية قامت 18 سرية من الولاية الثالثة التاريخية بهذه الرحلة، و كانت أشهرها تلك التي قادها السيد موراح مقران الذي قام بنفس المهمة ثلاث مرات على التوالي ذهابا – إيابا، حيث وتوصل موراح في آخر مهمة له إلى جلب 37 رشاشا إضافة إلى البنادق التي كان ينقلها أفراد فريقه.