رغم تعدد أماكن الحوار لجمع شمل الفرقاء الليبيين من أجل إيجاد حل سلمي للأزمة الليبية، فإن كثيرا من المراقبين يراهنون على الحوار الجاري في الجزائر ويعلقون عليه آمالا كبيرة، لأن استمرار صراع الديكة بين جماعة طبرق وجماعة طرابلس وصل إلى طريق مسدود. لماذا تعتبر الوساطة الجزائر مثالية؟ إن للجزائر تجربة في الوساطة الدولية خاصة في إفريقيا، آخرها اتفاق السلام بين حكومة ومالي والمسلحين في الشمال، فضلا عن فهم الجزائر لحقيقة الأوضاع في ليبيا، مقارنة بدول أخرى تحاول أن تطرح نفسها بديلا قويا لمبادرة الجزائر مثل المملكة المغربية، والأهم من ذلك هو محافظة الجزائر على مسافة واحدة بين كل الفرقاء في ليبيا، فهي لم تدعم لا حكومة الحاسي في طرابلس، ولا حكومة الثني في طبرق، ولا تؤيد لا برلمان طرابلس ولا برلمان طبرق، وعدم تورط الجزائر في دعم أي طرف في ليبيا على حساب طرف آخر، وتحاول أن توحد جميع الليبيين بدون استثناء ما عدا الجماعات والشخصيات المصنفة إرهابية، على العمل السياسي من أجل بناء الدولة الليبية. ومن زاوية أخرى، فإن معظم الليبيين ينظرون إلى الموقف الجزائري ببعض الإرتياحية خاصة فيما يتعلق برفض الجزائر التدخل العسكري في ليبيا، أو المساس بالسيادة الليبية ووحدة التراب الليبي، وهو ما يضعها في موقع أفضل للعب دور الوساطة من دول أخرى في المنطقة. والأكثر من هذا أن الليبيين يدركون جيدا أن الجزائر ليس لديها أي أطماع في ليبيا، بل تحرص أكثر من غيرها على استقرار ليبيا للارتباط الوثيق بين الوضع في ليبيا واستقرار الجزائر، وهذه هي المصلحة الإستراتيجية الوحيدة للجزائر في الوقت الراهن. ولهذا الغرض فقد اقترحت الجزائر على الليبيين أكثر من مرة أن تساهم في تكوين الجيش والشرطة والحماية المدنية. ومن هنا يمكن أن نستنتج أن الوساطة الجزائرية في الملف الليبي هي وساطة مثالية. عوامل مشجعة على النجاح إلى جانب العوامل السابقة التي يمكن تصنيفها ضمن عوامل نجاح الحوار الليبي الليبي في الجزائر، فإن هناك بواعث أخرى من شأنها أن تدفع إلى التفاؤل، منها أن معظم الفاعلين في الساحة السياسية في ليبيا شاركوا في الحوار في الجزائر، واتخذ الإتحاد الأوروبي قرارا مشجعا لنجاح الحوار عندما شطب اسم قذاف الدم ومسؤول أمني آخر من قائمة المطلوبين، ما يسهل مشاركتهم في الحوار بوصفهم يمثلون »جماعة النظام السابق«، وتلعب تونس دور إيجابي كذلك من خلال ضغط حركة النهضة بقيادة الغنوشي على جماعة طرابلس الإخوانيين لعدم الأخذ بمسألة العزل السياسي. كما يمكن للجزائر أن تستعين بدول أخرى للضغط على الأطراف الليبية التي يدعمونها مثل قطر وتركيا والسعودية والإمارات وحتى مصر وفرنسا والولايات المتحدة وغيرهم. وفي ذات السياق، يمكن كذلك للجزائر أن تطلب من بعض الدول الشقيقة والصديقة الضغط على دول أخرى يمكن أن تشوش على حوار الجزائر، مثل المغرب، خاصة أن المغرب ليست متضررة أمنيا مما يحدث في ليبيا وبالتالي ليست أحرص من الجزائر على استقرار هذا البلد والحفاظ على وحدته الترابية. ومن بواعث الأمل أيضا أن الحوار الذي رعته الأممالمتحدة في وقت سابق قد حقق بعض النتائج، لا سيما في الشق الأمني، حيث تمت مناقشته بين قادة المجموعات المسلحة، وهم قادة ميدانيون وضباط عسكريون، وعقدت هذا الحوار قبل أسبوعين في مدينة زوارة وكانت نتائجه جيدة، أي بمعنى أن قادة المجموعات المسلحة على استعداد لأي تفاهم توافقي يخرج ليبيا من وضعها الحالي. صراع الديكة: لا غالب ولا مغلوب وهناك نقطة أخرى يجب أن نشير إليها، وهي أن الفرقاء الليبيين لم يعد أمامهم خيارات كبيرة، فالمواجهات المسلحة عمقت الجراح، ووسعت الهوة بين المجتمع الليبي ومكوناته السياسية والقبلية، وحطمت المؤسسات، وأنتجت حكومتين وبرلمانين، وهددت بالتدخل العسكري الأجنبي، وتهدد الوحدة الترابية لليبيا، وفتحت ليبيا واسعة أمام الجماعات الإرهابية وعلى رأسها داعش، ولم يتمكن أي فريق عسكري من التغلب على الآخر رغم العدد الكبير من الضحايا، وحدث لهم مثل صراع الديكة، حيث خسر كل ديك ريشه، ثم استسلم للواقع، وبالتالي لم يبق أمام هؤلاء إلا الحوار من أجل بناء الدولة الليبية كما يحلمون بها، دولة لجميع الليبيين بدون استثناء. وبفعل صراع الديكة هذا، يجب أن نشير إلى أن الطريق ليست معبدة بالسجّاد الأحمر ومحاطة بالورود، بل هناك عوامل عديدة وأطراف عديدة مستفيدة من الوضع الليبي الحالي ولا تريد للحوار أن ينجح، أمثال تجار السلاح الدوليين، وأصحاب المطامع الاقتصادية في ليبيا، فضلا عن مخططات تفتيت الوطن العربي إلى دويلات. وأيضا، هناك أطراف ليبية لا تملك قرارها، بل وضعت قرارها في الخارج بين ايدي دول أجنبية. كما تعمل بعض الممارسات الداخلية على التأثير السلبي على الحوار، مثل تنصيب خليفة حفتر قائد أركان الجيش الليبي، وأدائه اليمين الدستوري قبل يوم واحد فقط من انطلاق حوار الجزائر، فضلا عن قصف مطار معيتيقة الدولي من قبل قوات حفتر. وفي مثل هذه الظروف، ينبغي الصبر الدبلوماسي، فضلا عن ضرورة الضغط على كل الأطراف الليبية لتقديم تنازلات لصالح ليبيا، بهدف التمكن من إنشاء حكومة وحدة وطنية، وبعدها تنظيم اتنتخابات برلمانية، وتحقيق وحدة الجيش والشرطة، وسحب سلاح الميليشيات وغيرها من الأمور الضرورية لبناء الدولة المستقرة.