آخر ثلاثة رؤساء لفرنسا، بمن فيهم الرئيس الحالي فرانسوا أولاند، كانت هواتفهم تحت مراقبة وكالة الأمن القومي، وهي أهم أجهزة الاستخبارات الأمريكية، وقد أثار نشر ويكيليكس لوثائق تثبت هذا التجسس ردود فعل غاضبة على مستوى الحكومة والمعارضة في فرنسا. الصحافة الأمريكية بدت صريحة وهي تتناول الخبر، لقد قالت إن تجسس الأصدقاء على بعضهم البعض ليس أمرا جديدا، بل يعود إلى آلاف السنين، وهذا قد يكفي للرد على الوزير الأول الفرنسي مانويل فالس الذي دعا إلى اعتماد قانون لحسن السلوك بين الحلفاء، وهذه الدعوة هي مجرد محاولة لتحسين صورة الجهات الرسمية الفرنسية أمام الرأي العام الذي يشعر بالإهانة لأن دولة كبرى عاجزة عن تأمين اتصالات المسؤولين على أعلى مستوى في الدولة. كل هذا الضجيج هو مجرد محاولة لإنقاذ الواجهة، لأن الحقيقة التي يعلمها الفرنسيون، وقبلهم الألمان، وسائر الدول الأوروبيين، هو أنهم في حالة انكشاف أمني تام أمام الولاياتالمتحدة، وهذا منذ عقود، كما أن العلاقات بين أجهزة الأمن والمخابرات الأوروبية ونظيرتها الأمريكية لا تترك كثيرا من الأسرار بعيدا عن متناول السيد الأمريكي الذي يفضل أن يكون القائد المسيطر بدل الشريك أو الحليف، وهي مكانة منحتها له قوته الطاغية، وتوليه مهمة إعادة بناء أوروبا، وحماية أمنها بعد الحرب العالمية الثانية. دروس التجسس الأمريكي على الأصدقاء تبدو مفيدة لحكومات العالم الثالث، فالحديث عن علاقة متميزة مع الولاياتالمتحدة، أو تحالف معها يعكس سذاجة كبيرة، فالأولى أن تركز هذه الحكومات على تحسين وضعها الاقتصادي، والتوجه نحو بناء سياسات استقلالية تقوم على الاعتماد على الذات، لأن أمريكا لا تؤمن بالحلفاء، نعم هي لديها أصدقاء تتعاون معهم، لكنها لا تثق في أحد، بل إنها تسعى إلى إضعاف الجميع وإبقائهم تحت السيطرة. لقد كان منع الحلفاء من الوصول إلى مصادر مستقلة للطاقة أحد أهم ركائز الاستراتيجية الأمريكية خلال النصف الثاني للقرن العشرين، ولا يزال هذا الهدف قائما إلى اليوم، وإذا كان هذا هو وضع الحلفاء أو الأصدقاء، فلنا أن نتصور كيف تنظر أمريكا لمن هم دون مستوى الصداقة والتحالف، فضلا عن كونهم لا يملكون شيئا من القوة.