يستعيد الماضي الجميل لمدينة سيدي عبد الرحمان في حديثه مع كل من يقصده ، لا يمكن أن يكتب بمعزل عن خبرات الماضي التي تلقاها من الشيخ مصطفى بن دباغ رحمه الله بكل تراكماتها وتنوعاتها وخصب مجالاتها، ولعه بالتراث الجزائري جعل من السيد علاك كريم الملقب ب"شيخ المحروسة" أن ويفتح باب الذاكرة على وقائع طفولته وصباه في بلدة المحروسة التي تتلمذ وعمره لا يتجاوز الرابعة على يد شيوخها فأضحى يطل علينا في مختلف البرامج التي تهتم بالتراث الجزائري الأصيل سواء عبر أثير الإذاعة الوطنية أو شاشة التلفزيون حبا وشغفها منه لنقل ما تركه الأجداد للأجيال القادمة ، لم يفوت فرصة حلول شهر رمضان ليحدثنا عن كل ما يتعلق بعادات هذا الشهر الكريم. نجمة وهلال في مدينة سيدي عبد الرحمان"هو شعار شيخ المحروسة المستمد من التاريخ الجزائري ورجاله الأبرار الذي يعتبر جزءا من كيانه ، في لقاء جمعنا مع السيد كريم علاك المختص في التراث الجزائري القديم لم يخف محدثنا ل»صوت الأحرار «ولعه بكل ما يتعلق بتراث مدينة سيدي عبد الرحمان الثعالبي. فهو يبدع في دور الحكواتي الذي يسترجع يوميات ناس القصبة خلال الشهر الكريم ،يقول انه لا يمكن أن نتحدث على عادات العاصميين في رمضان دون تسليط الضوء على حي القصبة العتيق الذي كان يفوح بعبق روائح الأطباق المتنوعة التي تعدها ربات البيوت من بينهن الجدة التي تعلب دورا كبيرا في تكريس العادات من خلال لم شمل الأسرة الكبيرة وتدبيرها المحكم لشؤون البيت خلال الشهر الكريم و التي تكون قد أعدت أهم اللوازم قبل حلوله من خلال تنظيف البيت وإخراج الأواني التي تستعمل في رمضان منها »قدرة الفخار وطواجن و براد الشاي وكل ما يستعمل خلال هذا الشهر الفضيل« يضيف شيخ المحروسة أن بابا سيدو هو الذي يتسوق خلال هذا الشهر ، عند عودته من السوق يضع القفة وسط الدار ويقصد سريره ليستريح، لتقوم نسوة المنزل بالدخول إلى المطبخ لإعداد الفطور الذي تشرف عليه الجدة شخصيا، وتلقّن الفتيات بعض أسرار وفنون الطبخ التقليدي. وبعد صلاة العصر تدبّ الحركة بأزقة القصبة؛ إيذانا باقتراب موعد الإفطار، حيث يتأهب بابا سيدو للذهاب إلى المسجد، وينتظر الكل سماع طلقة المدفع. وبعد عودته يجد كل أفراد عائلته في انتظاره، إذ لا يجوز الإفطار إلا بحضور كبير العائلة. أين تكون المائدة منصوبة وبها شوربة الفداوش وليس شوربة الفريك، وطبق ثاني مثل الدولمة أو المتوم أو السفيرية و طبق لحم لحلو كتحلية ، ويتم الإفطار على أنغام الأغاني التي تبث على المذياع و الجد جالس يرتشف قهوته في انتظار حلول موعد صلاة التراويح». لا يمكن أن تمر سهرة رمضان دون البوقالة فهي زينة قعدة السهرات يؤكد شيخ المحروسة ،حيث يتم تحضير القعدة بتفريش وسط الدار ووضع المائدة للجلوس أمام إبريق الشاي و الحلويات مثل المحنشة و الصامصة للتسامر واستقبال الضيوف والجيران، ويواصل محدّثنا قائلا: »لعل أهم ما كان يميّز سهرات رمضان بالقصبة قعدات البوقالات، التي كانت تأمل من ورائها الفتيات في الزواج، حيث يقمن بوضع خاتمهن في البوقالة المصنوعة من الفخار، المملوءة بالماء الذي جلب من سبع ديار ويبدأ في عقد البوقالات ثم قراءتها وإخراج الخاتم وهنا تنسب البوقالات و الفال على صاحبة الخاتم وبعد أن يفرغن من اللبعة يقدَّم للصبية ويُطلب منهن رميه في أسوار المدينة ، فإن تخطّاه الشاب يكون لها نصيبا، أو تشربه الفتاة وتنام، فإن رأت الزغاريد في منامها فهذا يعني أنها على موعد مع فرح، أو سمعت صوتا في الليل . ومن ميزات رمضان بالقصبة أيضا هو صيام الأطفال ليلة 15 أو 27 من رمضان وإعداد أطباق مميزة و الشربات التي يفطر عليها الطفل الصائم لأول مرة ، أما البنت تساهم في إعداد طبق و في السهرة يقوم باستضافة الجيران في وسط الدار و قيام بسهرة مميزة على نغمات الدربوكة والأغاني العاصمية. وما يمز رمضان أيضا يضيف محدثنا حلق شعر الأطفال من طرف حلاق الحي أو كما كان يسمى الحجّام، ويتم إخفاء الشعر المحلوق إلى يوم زفافه، حسب شيخ المحروسة، الذي قال: »يشرف أيضا الحجّام على ختان الأطفال. ولعل من العادات التي كانت راسخة آنذاك، أن تقوم الأم بوضع أقدامها في الماء وفي فمها سكين تضغط عليه، وما إن يباشر الحجام عملية الختان حتى تتعالى زغاريد البنات، كي لا تشعر والدته بألم ابنها، فيما يقوم بابا سيدو بحمله إلى فراشه. وليلة السابع والعشرين تنظم حفلة على شرفه وتقدم له »التاوسة»، وهو مبلغ مالي يتم جمعه بمناسبة ختانه. لا يمكن أن يمر شهر رمضان بمدينة القصبة دون تنظيم موعدا مع العلم والعلماء، حيث كان علماء الأقطاب يقطعون مسافات كبيرة بغية التفقه في الدين وتكوين الأطفال في الأمور الدينية، حيث كانت مدينة سيدي عبد الرحمان قبلة الزوار من كل حدب وصوب، وكانت تسمى ببلاد الأمان، الحرية والرجال. للإشارة، يعتبر شيخ المحروسة العاشق الولهان بمدينة سيدي عبد الرحمن، فرغم إقامته ببريطانيا لمدة طويلة ، إلا أن عودته إلى الديار جعلته يمزج كل تلك الطاقة الخارقة التي يكتنزها من الحب و الامتنان لرجال إيكوزيوم الذين جعلوا منها مفخرة المتوسط بدءا من العهد العثماني ووصولا بثورة نوفمبر.