تبدو الأوضاع متشابهة في كل الدول التي تمر بالمراحل الانتقالية بعد انهيار الأنظمة السائدة كما هو الأمر في دول »الربيع العربي« إذ تنشأ المقاومة الداخلية وأشكال الرفض والتحلل من قيود وقوانين تلك السلط الصاعدة أو الناشئة بسلط موازية ومقاومة، وهي في الأصل لم تكن لتقوم إلا بسبب الفراغ بعد انهيار تلك الأنظمة أو هوانها وضياع هيبتها، ناهيك عن المد الإرهابي وأفكار الغلو والتطرف. أن الأمر لا يتعلق فقط بالأوضاع في كثير من الدول العربية، بل في الدول التي تضعضعت فيها هذه الأنظمة وأصابها الضعف والهوان حتى في رموزها الأكثر قوة كالحكومة وأعوان الأمن وضباط الجيش.. ! فإهانة الرموز والتحلل من السلطة وقوانين الدولة يُراد لها أن تكون فعلا معزولا مع أن الأمور تجاوزت فعلا دائرة المسموح وصارت تعدد السلم الأهلي وتنذر بسقوط سقف البيت على رؤوس ساكنيه جميعا. الذي يحدث في المنطقة العربية منذ مدة وعلى جميع الأصعدة، يؤشر للخراب، وتبدو أشكال التجاوزات والإساءات والتطاول على الدولة بكافة سلطاتها وأعوانها من مختلف المستويات »نهاية الدولة« بكل المقاييس. في الجزائر مثلا، لا يمكن الاستخفاف ببعض ما يحدث، أوالتهوين من الخطر على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولا يمكن بأي حال من الأحوال مواجهة الأخطار بمعالجة أمنية فقط تجعل من الجيش مؤسسة الصد الأخير في ظل هذا الفراغ.. !! إذا كان من المعلوم بالضرورة أن »الطبيعة تأبى الفراغ« وإلاّ أن الأمر بالتأكيد لا يقتصر كما قد يتبادر إلى الذهن على الطبيعة في شكلها التضاريسي والمناخي والجيولوجي فحسب، بل على طبيعة الأشياء عموما في الكون والحياة لأن التغير لا يتم إلا بالامتلاء والتحول.. لعل أمرا كهذا يدعو إلى التأكيد بأن المجتمعات البشرية والجماعات تحتاج إلى سلطة الدولة لا الفرد، وأن »العدو« الأساسي للسلطة ليس القوى المعارضة بمختلف أحزابها وجمعياتها، بل العدو الحقيقي هو الديكتاتورية والفساد والفوضى.. أما بعد: " لستٌ حرّا إذا ما أجبرتُ على الحرية " سارتر