تحدث مصطفى فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها في حوار ل"صوت الأحرار" بمناسبة مرور 10 سنوات على تبني الجزائريين الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية، عن نتائج هذه السياسة واعتبر المصالحة الوطنية منتوج جزائري دون تدخل أطراف خارجية، وقال إن الشعب الجزائري قادر على بناء دولة القانون بعدما استطاع تطبيق المصالحة ، وأكد أن الميثاق يسمح بمعالجة قضايا الأطفال المولودين في الجبال، والمغتصبات ومعتقلي الصحراء عبر اتخاذ إجراءات تكميلية مستقبلا. بعد 10 سنوات من إصدار الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية، ماتقييمكم للتجربة؟ المصالحة الوطنية حققت أهدافها بنسبة 95 بالمئة، وأذكر هنا أنها كانت في البداية ثقيلة ومعقدة لكن بفضل رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة الذي بادر بها وتم تطبيقها مع الهيئات الوطنية على رأسها الجيش الوطني الشعبي وقوات الأمن، بدأت تؤتي أكلها، حيث أصبحت المصالحة حقيقة في الميدان باعتراف البلدان، وتحققت في فترة قصيرة جدا، كانت جزائرية محضة دون تدخل أطراف خارجية. هل حقق ميثاق السلم والمصالحة غرضه في تقويض الإرهاب وعزله؟ فعلا، تبني الشعب الجزائري المصالحة الوطنية بأغلبية ساحقة في استفتاء 29 سبتمبر 2005 ، والعمليات العسكرية التي شنتها قوات الجيش جعل الإرهاب يتراجع و ينكمش وأصبح معزولا، إضافة إلى هذا فإن سياسة المصالحة الوطنية منعت الشباب من الالتحاق بالجماعات الإرهابية وهو ما ساعد على الحد من عدد الإرهابيين اليوم . أشرتم في حوارات سابقة لصوت الأحرار إلى أن الميثاق أغفل الحديث عن فئات مستهم المأساة الوطنية على غرار أطفال الجبل، المغتصبات ومعتقلي الصحراء، ما هي الاقتراحات التي تقدمتم بها لحل هذه القضايا؟ تخوّل المادة 47 في الميثاق لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة اتخاذ إجراءات وتدابير تكميلية، أتوقع أن يقوم الرئيس بذلك لتشمل هذه الفئات مما يسمح بطي هذه الملفات نهائيا وجعلها تندمج في المجتمع بصفة طبيعية، كما لاننسى المواطنين الذين تكبدوا خسائر مادية جراء الأزمة الأمنية، فهم كذلك يحتاجون إلى تعويضات. مازالت أطراف خارجية تستغل ورقة المفقودين لتشويه صورة الجزائر، ماردكم؟ ما تتحدث عنه أطراف أجنبية عن المفقودين لايهمنا، ونحن قادرين على الاعتماد على أنفسنا لحل قضايانا ، نحن لسنا بحاجة إلى دروس من الخارج، 95 بالمئة من عائلات المفقودين وافقت على التعويض من أصل 7 آلاف و200 مفقود، والشعب الجزائري يتميز بصفة التسامح، صحيح انه حدثت تجاوزات لكنها كانت فردية ومعزولة من قبل أشخاص استغلوا الفوضى التي كانت تعيشها البلاد آنذاك. ماتعليقكم على إعلان مدني مزراق تأسيس حزب سياسي؟ نص الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية واضح، وهو يمنع عودة من تسببوا في المأساة الوطنية من العودة إلى الساحة السياسية، ورئيس الجمهورية قال كلمته في الرسالة التي بعث بها بمناسبة مرور 10 سنوات على إصدار الميثاق، من المستحيل أن ترجع هذه الشخصية إلى ممارسة النشاط السياسي. هناك من يدعو إلى الاقتداء بتجربة المصالحة الوطنية لحل بعض الأزمات الدولية، هل ممكن أن تعطي ثمارها في نظركم؟ بدون شك، لدين خبرة في هذا المجال ويمكن الاستفادة من تجربة المصالحة الوطنية في دول شقيقة على غرار مالي وليبيا، دول كثيرة اعترفت بخبرة الجزائر في المصالحة التي جنبت البلاد الدخول في متاهات كبيرة. هل أصبحت المصالحة الوطنية ثقافة راسخة في المجتمع؟ الشعب الجزائري يبقى متفتحا على الحوار والتسامح، فهو المحرك الأساسي للمصالحة الوطنية وقد أعطى صورة تعكس قيمه ومبادئه التي نشأ عليها. في ظل هذه المعطيات هل تستطيع الجزائر التوجه إلى العفو الشامل؟ يمكن أن نتجه إلى العفو الشامل من اجل وحدة الجزائر وتماسك شعبها، والقرار الأخير يعود إلى رئيس الجمهورية فهو الذي يملك هذه الصلاحية. في كل سنة تتهم تقارير دولية الجزائر بعدم احترام حقوق الإنسان، ماتعليقكم؟ اعتبر هذه التقارير دعايات ليست لها أي أساس، فإذا كانت هناك تجاوزات نحن أول من نتكلم عليها، هم يستندون إلى معلومات مغلوطة يستمدونها من جهات من داخل الوطن تسعى إلى التشويش وإثارة البلبلة، هذه التقارير ليس لها أي وزن ولا نعير لها أي اهتمام، نحن نعمل في الميدان ونقدم تقاريرنا بكل موضوعية، أقول أن حقوق الإنسان في الجزائر تتحسن ولكن تبقى متواضعة، بلادنا سبقت دولا ونحن نسعى لأن تكون في المستوى. هناك تحسن في الحقوق الاجتماعية وحقوق المرأة تتدعم، معركة حقوق الإنسان لاتنتهي، هناك كل يوم عمل ينجز وهناك إرادة سياسية ومجتمع مدني ينادي بتطبيق دولة القانون، نحن في الاتجاه الصحيح، الشعب الذي طبق المصالحة الوطنية يستطيع بناء دولة القانون. ما هو الجديد الذي حمله التقرير السنوي للجنة الاستشارية لحقوق الإنسان هذا العام؟ تحدثنا في التقرير المرفوع إلى رئيس الجمهورية عن الحقوق الاجتماعية والمرأة والطفل، كما تطرقنا إلى واقع الصحة والتربية وحق المواطن في الإنتاج، على الدولة أن تقدم مساعدات إدارية وقانونية للمواطنين من اجل القضاء على التبعية للخارج، وأقول هنا حذار من الاستيراد، فهذه السياسة تؤدي إلى الهلاك. على الجزائر بذل مزيد من الجهود لترقية الحقوق في شتى الميادين مما يمكنها من احتواء المشاكل بطريقة سلسة وسهلة. التقيتم مؤخرا بمديرة صندوق الأممالمتحدة للديمقراطية، ما هي فحوى المحادثات؟ لقد دار الحديث عن واقع حقوق الإنسان في الجزائر،وتطرقت إلى النقائص الموجودة والإجراءات المتخذة لمعالجتها وأبرزت الايجابيات، جزائر 2015 ليست جزائر الثمانينات، وبالمقابل المسؤولة الأممية أخذت نظرة على هذا الواقع واعترفت بالتطور المسجل بخصوص الحقوق التي تتمتع بها المرأة الجزائرية، إلى جانب الحقوق المسجلة في المجال التربوي. التزم رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة بتعديل الدستور في حملته الانتخابية، ماهي الأسباب في رأيكم لعدم الإفراج عنه بعد إلى غاية اليوم؟ صراحة، أنا لا اعرف الأسباب التي تقف وراء تأخر الإعلان عن تعديل الدستور، لكن نص التعديل جاهز وهو في انتظار الطريقة التي يمر بها، إما البرلمان أو الاستفتاء، أنا أفضل تمرير المراجعة الدستورية عن طريق الاستفتاء وترك الشعب الجزائري يقرر بكل حرية واستقلالية وهذا حتى يعطي شرعية أكبر للقانون الأسمى في البلاد. عادت ظاهرة اختطاف الأطفال في الجزائر بشكل ملفت، ما هي التدابير الواجب اتخاذها للحد منها في نظركم؟ على العدالة أن تضرب بيد من حديد من يقومون باختطاف الأطفال وأن تكون صارمة مع هؤلاء المجرمين، وتسليط عقوبات ردعية ضدهم، كما أحمّل العائلات مسؤولية مراقبة وحراسة أطفالهم وعدم تركهم بمفردهم، هذه الظاهرة خطيرة وعلى المجتمع لعب دوره الذي يقع على عاتقه على أكمل وجه. أدعو الى تطبيق السجن المؤبد في حق مختطفي الأطفال بدون استفادة من أي عفو كان، باعتبار السجن المؤبد للمجرمين في الحقيقة هو أشد عقوبة من الإعدام. أخذت ظاهرة العنف في المدرسة الجزائرية تعرف منحى تصاعديا، ماهي العوامل التي تقف وراءها؟ ظاهرة غريبة، بدأت تستفحل في مدارسنا للأسف، وشرعت اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان في دراسة هذه الظاهرة مع الهيئات المعنية لتدوين التقرير السنوي وإبراز الأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة وكيفية معالجتها والقضاء عليها وتحصين المدرسة الجزائرية من هذه الممارسات المشينة. استعمال التلاميذ الأسلحة البيضاء داخل المدرسة أمر منبوذ، والظاهرة مخيفة تنذر بانحطاط قيم مجتمعنا. تتحدث أوساط عن اضطرابات اجتماعية محتملة في ظل تدهور أسعار النفط، كيف يمكن للحكومة أن تتجنبها؟ لمواجهة أزمة انهيار أسعار النفط، يجب تسيير الأمور بعقلانية لتجنيب الشعب صدمة، نحن نستطيع معالجة الأزمة وعلى الحكومة اتخاذ الإجراءات اللازمة وشرحها علانية وبكل وضوح ليفهمها الشعب الجزائري وعدم ترك الفرصة لترويج الإشاعات التي قد تؤدي إلى إثارة الفوضى. كما يجب على الحكومة أن تتخذ تدابير تسمح بحماية الاقتصاد الوطني وبالتالي عدم ترك أي ثغرة يمكن أن تؤثر على القرارات السيادية.