دفعت الانتقادات الكثيرة التي طالت مجموعة ال 19، سواء من الموالاة أو حتى بعض أطراف المعارضة، والتشكيك في النوايا الحقيقية لأعضائها وحتى في خلفياتهم، عدد من الشخصيات المتزعمة للمبادرة وعلى رأسها الأمينة العامة لحزب العمال إلى تصعيد اللهجة والكشف عن مواقف تكون أحيانا مناقضة لتصريحات سابقة صدرت عنها وعن بعض أعضاء المجموعة فيما يتعلق بالأسباب الحقيقية التي تقف وراء طلب لقاء رئيس الجمهورية، ومدى تبنيهم للأطروحات التي تحاول الاستثمار فيما يسمى بالحالة الصحية لرئيس الدولة لطلب تطبيق المادة 88 من الدستور أو الدعوة إلى استحقاقات رئاسية مسبقة تدخل البلاد مجددا في حكم الفراغ والمؤقت. تواجه مجموعة ال 19 بعدما فقدت ثلاثة من أعضائها، تحديات حقيقية للثبات على نفس النسق والاستمرار في سياسة المغالبة والدفاع عن مواقفها السابقة فيما يتصل بالوضع العام للبلاد أو بمؤسسة الرئاسة وشخص رئيس الجمهورية تحديدا، فالانتقادات التي طالت المجموعة، سواء من الموالاة أو حتى من الكثير من أقطاب المعارضة، ومن فاعلين في الحقلين السياسي والإعلامي، أدخل أصحاب المبادرة في سجال لا ينتهي ومحاولات للدفاع عن النفس من شبهة التبعية لجهات ما في السلطة أو خارجها، أو أداء مهام بالنيابة عن أطرف تحاول، وفق البعض طبعا، تصفية حاسباتاها مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عبر توظيف أسماء لها رصيد تاريخي ونضالي أو محسوبة على اقرب المقربين من رئيس الجمهورية. أول ملاحظة يمكن تسجيلها على مجموعة ال 19، وفضلا عن عدم تجانسها سواء فكريا ومن ناحية المرجعيات السياسية والإيديولوجية، أو من حيث المسار السياسي والشخصي، هو اختلاف مواقفها وتناقض أهدافها، فليس هناك ما يجمع بين أطراف هذا الحلف في تحليل واقع البلاد ومما يسميه البعض بالأخطار التي تهدد الجزائر، مما يطرح علامات استفهام كبيرة حول طبيعة ومضمون الرسالة التي تريد المجموعة ايصلها إلى الرئاسة، أم أن المسألة تتعلق بالأحرى برسائل كثيرة وربما متناقضة، تناقض أصحاب المبادرة التي تضم لويزة حنون التي دافعت بشراسة عن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في مرحلة معينة، وخليدة تومي المحسوبة هي الأخرى على اقرب المقربين من رئيس الجمهورية، وتضم أيضا أسماء لا أحد يعلم كيف وطأت ساحة السياسية وبأي خلفيات فعلت ذلك، على غرار الأديب اليساري المثير للجدل رشيد بوجدرة. ولما يصرح القيادي بالولاية الرابعة التاريخية والعضو في مجموعة ال 19، لخضر بورقعة قائلا: »كل من ساهم في دعم العهدة الرابعة للرئيس بوتفليقة يكون قد أخطأ ويتحمل الكثير مما تعيشه البلاد اليوم من انتكاسات..« فهذا يشير صراحة إلى التناقضات الكبيرة التي تميز المجموعة، بل ويطرح علامات استفهام كبيرة حتى على الجهات التي قربت بين أعضائها وجعلتها تنصهر في بوتقة واحدة، فكيف ترضى حنون أو خليدة تومي أو حتى عضو مجلس الأمة زهرة ظريف بيطاط، بأن تنسق في نفس المبادرة مع شخصيات تعارض الرئيس وقد وقفت من قبل في طريق ترشحه لعهدة رئاسية رابعة؟ المجاهد لخضر بورقعة ربط المبادرة بالتعديل الدستوري والجدل الذي أثير مؤخرا حول حضور وزير الطاقة السابق شكيب خليل الاحتفالات المخلدة لذكرى ثورة نوفمبر بسفارة الجزائر بأمريكا، حرص على التوضيح بأن تحرك المجموعة ليست له علاقة بالتغييرات التي أجراها بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة ومست مديرية الاستعلامات والأمن، أما وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي فتقول من جهتها »نحن لم نطلب زيارة الرئيس للتحقق من صحته، هذا ليس من مهامنا، ونحن نحترم مؤسسات الجزائر ونحترم الدستور..ومناصب المسؤولية«، في حين نسمع من أسماء أخرى، وعلى رأسها الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، كلام أخر أكثر قساوة يذهب في اتجاهات أخرى خطيرة تحاول من خلالها رسم صورة قاتمة عن وضعية البلاد، وصورة أخرى أكثر قتامة عن الوضع الصحي لرئيس الجمهورية. حنون التي أطنبت في وقت سابق في الحديث عن بعض القرارات التي اعتبرتها أدلة على أن الرئيس غائب أو مغيب، وفي تقديرها طبعا بأن معاونيه لا يقومون بتزويده بالمعلومات الكافية، ثم سقطت في تناقض أخر لما صرحت بأن الرئيس يتمتع بذكاء حاد، عادت لترفع صوتها فوق الجميع مؤكدة بأن الرئيس معزول وقامت بتحميل محيطه مسؤولية حجب الحقيقة عنه، وهي وفق تعبيرها دائما، حجة أخرى تدفع بأصحاب المبادرة إلى الاستمامة في طلب لقائه. والظاهرة أن زعيمة مجموعة ال 19 مصرة على تبني أي وسيلة وركوب أي موجة لتحقيق ما تصبو هي إليه، راحت تتحدث عن مكالمة من مسؤول على أعلى مستوى يخبرها بأن الرئيس »تعبان«، ومثل هذا الكلام الذي تناقلته بعض وسائل الإعلام يشير صراحة بأن ما يطبخ لا يرتبط لا بفلان ولا بعلان، فهو جهد أخر تبذله أطراف تعتقد بان الذهاب إلى رئاسيات مسبقة ممكن في حال تواصل الضغط وتوسعت دائرة »المرعوبين من مستقبل البلاد«، لكن هل يطرح هؤلاء على أنفسهم السؤال بخصوص الآثار التي ستترتب عن رئاسيات مسبقة على استقرار المؤسسات بل وحتى على أمن البلد في هذا الظرف الخطير والحساس المتميز بالمؤامرات الكثيرة والمحاولات المستمرة لجر الجزائر إلى مستنقع الفتان والفوضى.