عاد إلى واجهة القضاء هذا الأسبوع أحد الملفات الهامة في الفساد و يتعلق بما يعرف بسوناطراك 1 وفي انتظار سوناطراك 2 ربما، وملفات أخرى. إن محاربة الفساد في أي بلد تتطلّب قضاء مستقلا ، وبهذه السلطة القضائية المستقلة فعلا يمكن مواجهة قضايا الرشوة وتبييض الأموال والتهرّب الضريبي والجمركي واستغلال النفوذ والمحسوبية والزبائنية في الصفقات العمومية والتحالفات المافيوية المالية والسياسية والغش والاحتكار والتهريب وتبديد المال العام وما إلى ذلك. المشكلة في الجزائر أن التشريعات وتفعيل هيئات الرقابة ومكافحة الظاهرة وقمعها أخذت وقتها مع تصاعد رهيب لها، إلى درجة أن الدولة تبدو عاجزة أو قاصرة عن مواجهتها حسب الخبراء والملاحظين، وحسب المواطنين الذين لا يؤمن معظمهم بجدية إرادة الدولة وأعوانها في محاربة هذا الوباء..! السؤال الذي يبدو مجرد طرحه غريبا: لماذا ليس هناك إجماع بين الرأي العام والخبراء حول جدية وجدوى الإجراءات المتخذة حتى الآن لمواجهة هذا الداء الخطير الذي ينخر البلد ومقدراته وأهله؟ أليس غريبا أن تقف الدولة في موقف المدافع عن نفسه حتى تقنع الناس وأهل الاختصاص بحسن إرادتها في محاربة الظاهرة وفاعلية سياستها في مكافحة أسبابها وآثارها؟ لماذا تتذيّل الجزائر الترتيب العالمي كل سنة في قائمة البلدان التي تعاني من الفساد من قبل المنظمات الدولية؟ وهل يكفي الخطاب من قبل بعض المسؤولين لتأكيد الجدية؟ إذا كان الفاعلون داخل الجزائر من الملاحظين والخبراء ومختلف المتعاملين الاقتصاديين ورجال المال والأعمال وحتى الجمعية الوطنية لمكافحة الفساد يشككون في جدية المسعى وينبهون لخطورة الآفة، فإن ذلك يؤشر فعلا إلى مستوى التحدي الذي باتت تفرضه هذه القضية التي صار خطرها يهدد الأمن القومي للبلد واستقراره ومناعة جبهته الداخلية، والجزائريون جميعا يدركون مخاطر التهديد في ظل الظروف الإقليمية والدولية الآن. لم يعد يقتنع كثيرون بأن مجرد وجود هيئة للوقاية من الفساد أو ديوان لقمع الفساد وفتح ملفات الفساد امام القضاء كفيل بمواجهة الخطر، لأن الجميع يعلم بأن الفساد نتيجة وليس سببا..نتيجة كريهة لعدم استقلالية القضاء وغياب الدمقرطة الحقيقية في جميع المؤسسات وفي مختلف مستويات التمثيل والتعيين في المناصب والمسؤوليات، وقد يتغوّل المفسدون ليخنقوا إرادة الدولة وأعوانها المخلصين مهما كان وزنهم، والنتيجة ستكون كارثية حتما. أما بعد: "بعض الهم أهون من بعض" مثل عربي