تزامن الإعلان عن صدور المرسوم الرئاسي الذي يدعو البرلمان بغرفتيه للانعقاد يوم الأربعاء القادم للنظر في مشروغ تعديل الدستور، مع تأكيد مدير ديوان الرئاسة أحمد أويحيى ما سماه "حل" جهاز المخابرات المعروف باسم مديرية الاستعلامات والأمن، أو الدياراس اختصارا. الإصرار على استعمال كلمة "حل" أو "نهاية" الدياراس، كما جاء على لسان أويحيى، يوحي بالرغبة في تقديم ما يجري على أنه إنجاز سياسي كبير، وهو أمر يبدو متناقضا تماما مع التقاليد التي درجت عليها السلطة حيث كان المسؤولون يرفضون التعليق على الأخبار التي تتناول الأجهزة الأمنية، هذا من حيث الشكل، لكن في المضمون أيضا هناك رسالة أخرى، فلقد تحول جهاز المخابرات إلى ثلاث مديريات ملحقة برئاسة الجمهورية، في حين أن من كان يرأس جهاز المخابرات صار مستشارا لدى الرئاسة مكلفا بالتنسيق بين المديريات الثلاث، وهذا يعني أنه لا سلطة فعلية له على هذه المديريات. الإشارات السياسية هنا تكاد تفقأ العيون، وأهمها على الإطلاق القول بأن الرئاسة، وهي مؤسسة مدنية، أو غير عسكرية تحديدا، في ظاهرها، أنهت سيطرة جهاز المخابرات على الحياة السياسية، وأنه لم يعد لهذا الجهاز أي دخل في صناعة الرؤساء، وتوجيه الأحزاب، والتحكم بمصائر المسؤولين، وإملاء ما يجب أن تقوله وسائل الإعلام. الرسالة الموجهة للجزائريين واضحة تماما ومفادها أن البلاد دخلت مرحلة جديدة، ولعل هذا الإعلان المدوي عن "حل" أو "نهاية" الدياراس هو بمثابة تأكيد رسمي لبداية عهد جديد عنوانه الدستور المعدل، لكن تفصيلا بسيطا، وقد يكون مهما، قد يشوش على الرسالة ويجعلها غير ذات مصداقية، فقد اختارت السلطة أن يمر تعديل الدستور من خلال البرلمان، وهو ما يعني أن العهد الجديد سيدشن باختزال الإرادة الشعبية في رأي البرلمان الذي يطعن في مصداقيته وتمثيليته كثير من الناس، ومن ضمنهم بعض أعضاء البرلمان. إن تحويل كل المشاريع السياسية، والقرارات الحساسة إلى أوراق سياسية، يجعل من كل ما قيل عن خطة الإصلاح السياسي العميق مجرد تفاصيل في خدمة هدف آخر هو تسيير المرحلة، واحتواء كل مطالب التغيير، وتأجيل عملية بناء الدولة.