يجب منع تونس من السقوط في يد الجماعات الإرهابية، ويجب مساعدتها على عدم اتخاذ سياسة تعاون عسكرية أثبتت فشلها وخطورتها على الاستقرار والاستقلال والسيادة والوحدة والأمن والسلم في العراقوسوريا واليمن، فالحديث عن تونس هو في النهاية حديث عن الجزائر كلمة بكلمة، وجملة بجملة. لايمكن للمتتبعين بأي حال من الأحوال أن يتركوا العملية الإرهابية التي وقعت في بن قردان يوم 7 مارس أن تمر دون مزيد من التحليل وتسليط الضوء من مختلف الجوانب والزوايا لاستخراج الأبعاد والدلالات نظرا لكونها ثالث وأهم أخطر عملية إرهابية تستهدف تونس بعد عملية الباردو وسوسة. ذلك أن الإعتداء الإرهابي في بن قردان بتونس إلى مجموعة من الدلالات السياسية والأبعاد الإستراتيجية أهمها: 1 - إن الإرهاب دخل مرحلة خطيرة في تطوره النوعي، فهو لم يعد يمارس حرب العصابات (اضرب واهرب) أو التفجيرات الانتحارية وحتى التفجيرات عن بعد وزرع الألغام والاغتيالات والاختطاف والحواجز المزيفة والتهديد برسائل مجهولة وإرسال طرد يتضمن الكفن والصابون كما عهدناه في الجزائر على سبيل المثال، بل دخل مرحلة المواجهة المفتوحة جهرا مع قوات الجيش والأمن والمواطنين داخل المدن وليس مثلما كان في أطرافها وفي التحصينات الريفية والجبلية. 2 ? إننا أمام إرهاب جديد مزود بأسلحة غربية متطروة، أي أنه مدعوم غربيا، ولا ينكر ذلك إلا الأغبياء، فبمجرد مشاهدة أنواع السيارات والأسلحة والألبسة التي يمتلكها الإرهابيون حتى نشعر أن هناك فرقا كبيرا بين الإرهاب الذي كان في البداية يستخدم أسلحة بسيطة والإرهاب المدجج بأنواع من الأسلحة ربما لا تمتلكها حتى الدول الإفريقية جنوب الصحراء. 3 - إن الإرهاب الجديد لديه القدرة على الاختراق، بدليل أن تونس شيدت حاجزا أمنيا بينها وبين ليبيا على طول 500 كلم، ومع ذلك لم تتمكن من وقف تسلل الإرهابيين، إذا صحت الرواية القائلة أن الإرهاب دخل من ليبيا. 4 - وإذا صحت رواية الإرهاب تسلل إلى بن قردان من ليبيا، حيث توجد عدة وحدات عسكرية غربية، والسطح الليبي مراقب بطائرات بدون طيار غربية، فضلا عن حديث إعلامي عن قرب تنفيذ تدخل عسكري غربي في ليبيا، فربما يمكن القول أن هذه المعطيات جعلت الإرهابيين يستعدون لمغادرة ليبيا والتوجه نحو الدول المجاورة، وهذا يعطينا مؤشرا واضحا عن مستقبل دول الجوار في حالة أي تدخل عسكري محتمل في ليبيا. 5 - إن التفاف المواطنين التونسيين حول قوات الأمن والجيش التونسي في معركة بن قردان، تشبه التفاف المواطنين الجزائريين حول قوات الجيش خلال الإعتداء الإرهابي على مجمع الغاز تيغنتورين، وتؤكد تجنّد الرأي العام في تونسوالجزائر على محاربة الإرهاب. 6 - إن انتصار قوات الأمن والجيش التونسية على الإرهابيين في بن قردان تدل بوضوح على قدرة جيوش المنطقة التصدي للإرهابيين بدون تدخل أجنبي، وهذا يؤكد أن ليبيا بحاجة عاجلة جدا لإنشاء حكومة توافق وطني، تستطيع بموجبها تجنيد الطاقات المحلية وكسب دعم الدول الجارة في محاربة الإرهاب ودحره في ليبيا ومنعه من التمدد لدول الجوار. 7 - إن الاعتداء الإرهابي في بن قردان يشير بوضوح إلى أن المخاوف في الجزائر حقيقية وليست وهمية، وهي رد صريح على بعض السياسيين الذين لا يفكرون إلا في الكراسي وبعض الإعلاميين المتعاطفين معهم، الذين يعتقدون أن الدعوة لتقوية الجبهة الداخلية والابتعاد عن تبادل التهم والمس بمصداقية الدولة، ما هي إلا تهرب نحو الإمام، معتبرين داعش ولواحقها مجرد مشجب تعلق عليه المخاوف لاستمرار النظام. 8 - إن سقوط تونس ? لا قدر الله- في يد الجماعات الإرهابية على طريقة سورياوالعراق واليمن يعطينا صورة للوضعية الحقيقية للجزائر، حيث تصبح محاطة بمخاطر ومصادر تهديد حقيقية وليس افتراضية عبر كامل الحدود، من الغرب والجنوب والشرق وذلك على طول 7 آلاف كلم، لذلك يجب أن تلقى تونس من الجزائر كامل الدعم حتى تبقى واقفة، وتشكل الظهر الشرقي الذي يحميها. 9 - إن الاعتداء الإرهابي على بن قردان، يشير إلى مخاطر استراتيجية كبيرة، وهي بداية تمدد الجماعات الإرهابية الداعشية إلى خارج ليبيا بعد تمددها من العراق إلى سوريا ثم ليبيا، وربما تكون الجزائر مستهدفة بهذا التمدد أيضا. 10 - لأن داعش مشكوك في نشأتها، يمكن القول أن الإرهاب أصبح وسيلة في خدمة السياسات الغربية، فإن الاعتداء على بن قردان هو عملية تاكتيكية نحو جر الجزائروتونس نحو المستنقع الليبي واستهلالك القليل الذي يملكونه من المال في حرب عسكرية لا يبدو أنها رابحة على المدى الطويل. 11 - إن تصريح وزير الدفاع التونسي فرحات الحرشاني مباشرة بعد الاعتداء على بن قردان القائل أن تونس بصدد التحضير لإطار قانوني يتيح لجيوش أجنبية من بلدان وصفها بالصديقة بالتواجد في تونس من أجل تكوين قوات عسكرية تونسية ومراقبة الحدود البرية والبحرية والجوية لتونس، يمكن أن يشير بوضوح ? إن حدث هذا- إلى أن عملية بن قردان الإرهابية حققت الأهداف الاستراتيجية للدول الغربية، وهي وضع قدم عسكرية في تونس، وتهديد الجزائر بشكل مباشر. ويتزامن ذلك مع دخول تونس مرحلة خطيرة في التعامل مع صندوق النقد الدولي الذي سيضع شروطا قاسية على الاقتصاد التونسي مثلما وضعها في وقت سابق على الجزائر. 12 - إن دخول قوات عسكرية أجنبية إلى تونس بحجة حمايتها، لا يؤدي بالضرورة إلى تحقيق الهدف المعلن، بدليل أن قوات حلف الناتو قالت أنها تتدخل في ليبيا لحماية الشعب الليبي من الطاغية معمر القذافي، فأصبح المحمي الوحيد في ليبيا هو الإرهاب. وسمعنا بعدها، وتحديدا في مطلع شهر مارس الجاري تصريح سفير الولاياتالمتحدة في إيطاليا يؤكد أن التدخل في ليبيا والإطاحة بالقذافي كان خاطئا ومتسرّعا مثلما قال توني بليير الوزير الأول البرطاني الأسبق أن التدخل في العراق والإطاحة بصدام حسين كان قرارا غربيا خاطئا. وهناك دليل قاطع أيضا يؤكد أن التدخل العسكري لمساعدة تونس قد يأتي بنتائج عكسيبة، فالقوات الأمريكية الموجودة في العراق، والتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب في العراق، المتكون من الدول الغربية بكل قوتها وجبروتها العسكري لم يستطع القضاء على نحو 500 داعشي في العراق، بل إن داعش هي التي تبسط سيطرتها هناك. أضف إلى ذلك أن التواجد العسكري الأجنبي في سوريا (روسي إيراني وحزب الله) لم يحسم المعركة لصالح الأسد، والدعم العسكري والدبلوماسي للمعارضة السورية من تركيا وأمريكا ودول الخليج ودول أوروبية كثيرة لم تحسم الأمور لصالح المعارضة. وكذلك التحالف العربي في اليمن بقيادة السعودية لم يحسم المعركة ضد الحوثيين منذ مارس 2015، وحتى الدعم العسكري الذي تحظى به قوات حفتر في ليبيا لم تتمكن من حسم الأمور ميدانيا. ولو تم منح تلك الملايير من الدولارات كمساعدات اقتصادية وعسكرية للدول والحكومات لكان أفضل وأحسم، لكن بات واضحا أن الهدف الغربي ليس هو الهدف العربي في النهاية. وبالمحصلة نقول أن التجند الشعبي والالتفاف القوي حول الدولة ومؤسساتها وعلى رأسها قوات الجيش في تونسوالجزائر، فضلا عن تعاون الدولتان سياسيا واقتصاديا وعسكريا واستخباراتيا هي حصن الدفاع الأول والأمثل لمواجهات التحديات الخطيرة القادمة، فهي لم ولن تنتهي في بن قردان.