رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إن تصويت السويسريين بالموافقة بنسبة 57.5 بالمئة على مشروع القانون الذي يحظر بناء مآذن للمساجد في سويسرا، الذي تقدم به حزب الشعب السويسري اليميني المتطرف إلى البرلمان، يعد بادرة خطيرة، لأنها تكشف ما توارى في العقول؛ واحتبس في الصدور، ومن أهم ما تعبر عنه هذه البادرة : إن تهمة الإرهاب التي ألصقتها الإدارة الأمريكية البوشية بالإسلام، على إثر أحداث 11/09/2001، قد آتت أكلها، ونجحت في زرع الخوف في نفوس الأوروبيين، إلى درجة أن الشعوب والدول التي اشتهرت بالتسامح والحياد مسها هي الأخرى هذا الخوف، فانحاز أبناؤها إلى معاداة الإسلام ورموزه. وهي تدل أيضا، على أن الخوف من الإسلام، أو ما اصطلح على تسميته بالإسلاموفوبيا، أصبح حالة عامة، ولم يعد مجرد حالة معزولة، تخص بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة. وهي تبرز أن الدعوة إلى حوار الحضارات والأديان، التي رفع شعارها الأوروبيون، من ساسة، ومفكرين، ورجال دين، أصبحت في خطر بفعل شيوع الخوف من الإسلام، إلى درجة حملت بعضهم، على الموافقة على حظر رموزه. وهي تشهد أن المسيحيين ليسوا أقل تعصبا لدينهم من المسلمين، الذين طالما رماهم الأوربيون بتهمة التعصب، واتهموهم بها، وعدوها منقصة ورذيلة، ودعوهم إلى التحرر منها. وهي تؤكد على أن مدّ الأحزاب اليمينية المتطرفة، آخذ في التصاعد في أوروبا، وهو يوشك أن يعمها، وهو أشد خطرا عليها من الإسلام، حيث سيجرفها إلى الشوفينية والفاشية، ويعود بها إلى تلك العهود المظلمة، التي كانت شعوبها، تحارب فيها بعضها البعض، فضلا عن أن ذلك يدفع بالشعوب غير الأوروبية، إلى التحفظ في التعامل والتعاون معها. ولذلك نرى أن أوروبا مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى، لمحاربة الأفكار والاتجاهات والثقافات المناهضة للتسامح الديني والثقافي، حفاظا على علاقاتها الدولية، ومصالحها الاقتصادية. ونرى أن العالم الإسلامي هو الآخر، مدعو بقوة، لتبديد تلك المخاوف من الإسلام، التي عششت في قلوب وأذهان الأوروبيين، وذلك عن طريق قنواته الدبلوماسية، وأدواته الثقافية والإعلامية من جهة، ومن جهة ثانية ضرورة تفعيل علاقاته الاقتصادية، في الدفاع عن مصالح الجاليات الإسلامية المقيمة في الدول الأوروبية، وفرض احترامها، في ممارسة شعائرها الدينية بحرية تامة غير منقوصة. وختاما نقول للسويسريين دولة وشعبا، ولكل الأوروبيين المتخوفين من الإسلام، إنكم بموافقتكم على مشروع قانون حظر بناء مآذن للمساجد في سويسرا، قد أسأتم لأنفسكم أبلغ الإساءة، إذ أبديتم بذلك انحيازكم، وعدم حيادكم، كما أنكم أسأتم للمسيحية والمسيح ذاته، عليه السلام، الذي بشر بمحمد- عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام- ورحم الله أستاذنا الإمام محمد البشير الإبراهيمي، الرئيس الأسبق لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، الذي نبه إلى هذه الحقيقة، في سمو وتسامح إسلاميين عظيمين، أن الإساءة لمحمد - صلى الله عليه وسلم - هي إساءة للمسيح ذاته، عليه السلام، مشيرا إليها في خطبته التي ألقاها في أول جمعة أقيمت بمسجد كتشاوة في 02 نوفمبر1962، بحضور وفود عربية وإسلامية غفيرة، ذلكم الجامع الذي حوله الاستعمار الفرنسي إلى كاتدرائية عند احتلاله للجزائر فأعادته الدولة الجزائرية، في الاستقلال، إلى سابق عهده جامعا للمسلمين، فقد قال في خطبته تلك: » قد يبغي الوحش على الوحش فلا يكون ذلك غريبا، لأن البغي مما ركب في غرائزه، وقد يبغي الإنسان على الإنسان فلا يكون عجيبا، لأن في الإنسان عرقا نزاعا إلى الحيوانية، وشيطانا نزاعا إلى الظلم، وطبعا من الجبلة الأولى ميالا إلى الشر، ولكن العجيب الغريب معا، والمؤلم المحزن معا، أن يبغي دين عيسى روح الله وكلمته، على دين محمد الذي بشر به عيسى روح الله وكلمته«. والإمام الإبراهيمي يشير بقوله هذا، إلى ما جاء في القرآن والسنة، في هذا المقام، فالله تعالى قال في الآية السادسة من سورة الصف على لسان عيسى عليه السلام ) وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ( وقد جاء في مسند الإمام أحمد –رحمه الله - رواية عن أبي أمامة - رضي الله عنه - أنه قال:»قلت يا رسول الله، ما كان بدء أمرك؟ قال: دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي أنه يخرج منها نور أضاءت له قصور الشام«. والله يقول الحق ويهدي السبيل.