النيران "الصديقة" التي يتعرض لها حزب جبهة التحرير الوطني في هذه الأيام تكشف فيما تكشف أن بعض المنافسين في الساحة السياسية هم بصدد التحول إلى خصوم بعد أن استعصى عليهم النيل منه بالإحتكام إلى قوانين اللعبة السياسية وبالاعتماد فقط على سنن المغالبة والتدافع الشريف. الخرجات الأخيرة لبعض الأصوات وزعمها أنها تشكل التنظيم السياسي الأقوى في الساحة السياسية الوطنية، وأنها إنما تستمد شرعيتها من "التصدي" للإرهاب الأعمى تنم بقدر كاف، أن هذه التنظيمات بدأت تشعر بالقلق وبدأ الشك يقترب إليها من حيث مقدرتها على منافسة حزب جبهة التحرير الوطني -عشية انتخابات مجلس الأمة- في لعب الأدوار الأولى على الساحة الوطنية، وفي افتكاك الشرعية الشعبية عبر صناديق الإقتراع وليس عن طريق البحث عن أبوة مفقودة. إن حزب جبهة التحرير الوطني الذي يعلن صراحة، شجرته العائلية النوفمبرية دون أن يدعي احتكاره لها وحده، قد آلى على نفسه منذ عقدين من الزمن على الأقل بأن تكون لبوسه هي الشرعية الشعبية وحدها، وحرص في كل موعد انتخابي أن يعرض برنامجه ومرشحيه على الناخبين أسوة بكل التنظيمات الحزبية، ولا ذنب له إذا كان الجزائريون قد انحازوا إلى طروحاته ومبادئه ومناضليه. وإذا كان البعض يشعر بالعياء ودبت إليه الشيخوخة دون أن يحقق آماله وطموحاته في رؤية حزب جبهة التحرير الوطني يتراجع عن قيادة المسيرة فليس عليه سوى أن يراجع رهاناته ويصحح رؤيته. إن حزب جبهة التحرير الوطني وجد ليس فقط ليبقى، ولكن ليظل قائدا لمسيرة ومنارة تهتدي بها الأجيال في شق طريقها لتحقيق الجزائر التي حلم بها الشهداء، وذلك بفضل الاستشعار المسبق لمناضليه وقيادته لنبضات الشعب الجزائري ولاتجاهات الريح في هذا العالم. إذا كانت بعض الأحزاب والتنظيمات لا تمتلك النفس الطويل للمنافسة ولمسيرة البناء الشاقة والعسيرة، إما لكونها قد جاءت إلى هذا الوجود لحاجيات ظرفية طارئة، وإما للتغطية على واقع معين، فإن حزب جبهة التحرير الوطني قد ولد من رحم هذا الشعب، وشهادة ميلاده مسجلة بأحرف من نور في جبين ثورة نوفمبر، تلك الشهادة التي تتأكد اليوم في كل استحقاق انتخابي وعبر شرعية شعبية ليس بإمكان أحد أن يطعن فيها أو ينال من صدقيتها. ولأنه هكذا تنظيم وهكذا حزب، فإنه لن يتوقف ولن يلتفت لسماسرة السياسة والمتاجرين فيها وبها ولأولئك الذين يعانون من أمراض فقر الدم وفقر الشرعية الشعبية وفقر الأفكار خاصة.