هي دائما هكذا الجزائر لا تنتصر إلا بعد أن تنكسر، وإن هي انتصرت فإنها لن تتمسك بانتصارها ولا تستثمر فيه فتضرب موعدا مجددا مع الانكسار... ولا تقوم إلا بعد قعود، وإن هي قامت فإنها تفتقد القعود بسرعة، فتعود وتقعد أو تُقعد.. إنه حنين غريب للسقوط وعدم الابتعاد عنه كثيرا في مختلف الميادين، وعلى كل المستويات، وفي كل الأوقات.. فلماذا هذه الجدلية اللعينة تطاردنا أو بالأحرى تجري في عروقنا فتبقينا في آخر الركب دائما... فكما لم يكن للجزائر أن تفوز مساء الخميس على مالي في مباراة الكرة إلا بعد هزيمة مالاوي النكراء وغير المنتظرة، كذلك كانت من قبل فلم تفلح في الحفاظ على تقدمها أمام مصر في لقاء القاهرة فسقطت في آخر لحظة ولم تنهض إلا في مباراة الفصل على أرضية ملعب المريخ بالسودان.. وهكذا كانت سيرتها طيلة التصفيات، ومن قبلها في مختلف المواعيد والكؤوس.. فلم تجدد العهد مع نهائيات كأس العالم وانتصارات الثمانينات إلا بعد إقصاء وهزائم دامت أكثر من عقدين... ولم تفز بكأس إفريقيا إلا مرة واحدة وبعد محاولات فاشلة عدة، وبعدها لم تُعِدْ الكَرَّة إطلاقا وجددت العهد مع العجز في الظفر بالسيدة الكأس.. المجتمع.. القاعدة والاستثناء ولم تكن الكرة ميدان الانكسارات الوحيد بل لم تكن إلا مجرد مرآة أو انعكاس شرطي لما يحدث فيما دونها من الميادين، على اعتبار أن الرياضة بصفة عامة لا يمكنها إلا أن تكون في مستوى انجازات المجتمع بصفة عامة وإلا كانت استثناء سرعان ما يفسح المجال إلى القاعدة لتعود الأمور إلى نصابها وينسجم الوضع العام سواء بالانتصار أو الانكسار.. فإن هو كان المجتمع حيا متطورا ومتقدما ومنتجا للأفكار والبدائل كذلك سيكون حاله في مجال الرياضة فإن هو انتكس فسرعان ما يجدد عهده مع الانتصار.. وإن هو كان متخلفا ومضطربا وغير منتج للأفكار والخيرات المادية حبيس الجمود والقهر كذلك سيكون حاله في باقي المجالات ومن بينها الرياضة، فإن هو حقق انتصارا أو انتصارات فسرعان ما يَجُبُّها بهزيمة أو هزائم تجعل الانتصار حدثا فارقا ومعزولا يسجل كنشاز في تاريخ هذا المجتمع.. فرحة.. مهربة من عالم الحزن فالكرة في الجزائر أضحت المجال الوحيد الذي يصنع بين الفينة والأخرى الانتصار وبالتالي الفرحة، أي الذي يصنع الاستثناء ويخرج عن القاعدة. وهذا ما جعل الجميع يلتف حول الفريق الوطني ويترقب نتائجه ويتطلع إلى انتصاراته. رغم أن المسار الكروي الجزائري الدولي لم يتوج بالفرحة النهائية إلا مرة واحدة في تاريخ الجزائر المستقلة عندما فازت الجزائر بدورة كأس الأمم الإفريقية التي نُظمت في الجزائر عام ألف وتسعمائة وتسعين.. أما ما دون ذلك فقد كانت إنجازات محدودة في الزمان والمكان لم تسم لتثري سجل الجزائر بأي لقب.. إفريقيا وباستثناء عام تسعين لم تصل الجزائر المباراة النهائية إلا مرة واحدة في لايْغُسْ النايجيرية خسرتها أمام فريق البلد المنظم. ولم تشارك في نهائيات كأس العالم إلا مرتين في تاريخها، قبل هذا التأهل الثالث إلى دورة جنوب إفريقيا، لم تحقق فيهما إنجاز تجاوز الدور الأول.. وظلت هذه وتلك مجرد لحظات مؤقتة للفرحة مهربة من عالم الحزن والبؤس الشامل الذي يلازم الجزائريين في كل مكان وزمان.. هل يتحول المنتوج إلى عامل إنتاج الرياضة إذن مرآة لما يحدث في المجتمع ومنتوج محلي بوسائل إنتاج أخرى، ولم تكن في أي يوم من الأيام أداة من أدوات الإنتاج التي تحرك المجتمع الخامل وتدفعه إلى الإنتاج والتحرك في ميادين إنتاج الأفكار والخيرات المادية، فهل ستنقلب الآية في الحالة الجزائرية، بعد أن أصبحت الرياضة هي سبب الفرحة الوحيد والاجتهاد الوحيد الذي يحقق بعض الانجازات وإن لم تكتمل، ويقدم محاولات جادة لصناعة الفرحة والانتصار، فتؤدي أي الرياضة هذا الدور الذي لم يسبق لها وأن أدته في أي مكان من العالم، ولم تكن في أي يوم من الأيام مطالبة بأدائه.. بالمنطق الاقتصادي بمقدور المنتوجات أن تتحول إلى وسائل أو أدوات إنتاج تكون سببا في تحريك عجلة الاقتصاد، لذا ومع الاختلاف في القياس فإن نتائج الكرة بمقدورها أن تتحول إلى عامل من عوامل تحريك آلة الإنتاج الفكري والثقافي والمادي ولو بالإسهام المعنوي شريطة تثمين إنجازاتها وتدعيمها وتقديمها كقدوة على الجميع أن يقتدي بها، وعدم الاكتفاء بتوظيفها سياسيا... الهزيمة مسؤولية من صنعوها فمن غير المعقول أن يكتفي الجميع بالهوس بالرياضة والهروب إليها، دون أن يتخذها مدعاة يقتدي بها في تغير ما بنفسه، ومن غير المعقول أن ينتقد الجميع مخطط الطاقم الفني وخطته وبرنامجه ويناقشه فيها، ويرفض أن يغير مخططاته ويُناقَشَ فيها، ومن غير المعقول أن نطالب الفريق بالنتائج ولا نطالب أنفسنا بذلك.. ومن غير المعقول أن تحيا الجزائر بالكرة فقط "وان تو ثري فيفا لالجيري" تعني أن الجميع يدخل في معادلة "الوان تو ثري" وليس الفريق وحده لأنه عندما ينهزم الفريق فهي في الحقيقة هزيمة الجزائر كلها، هزيمةٌ آخر من يتحمل وزرها هو الفريق الوطني مدربون ولاعبون، لأن الهزيمة في الجزائر تصنع أسبابها وتضبط تفاصيلها، وتسوق خارج ميادين الكرة ومن ثم يراد لميادين الكرة أن تغطي عليها، وإن هي عجزت تحمل مسؤولية الانكسار العام الذي يعيشه الجزائريون وهي بريئة منه براءة الذئب من دم يوسف...