كشفت وفاة الروائي الكبير الطاهر وطار أن الصحافة الجزائرية المفرنسة لا تقدر ولا تحترم كل ما هو »إبداع« بالعربية أو »مبدع « باللغة العربية، بدليل أن وفاة هذا العملاق مرت مرور الكرام في بعض الصحف الناطقة بالفرنسية، حيث كتبت عنها مثلما تكتب عن »المنوعات« في صفحاتها الداخلية وفي بضعة أسطر، أي نشرت الخبر مجردا، لا فرق بينه وبين أي خبر آخر يحدث في أي مجال من المجالات ، بينما صحف أخرى لم تنشر الخبر أصلا، وكأنه لا حدث. وفي قصر الثقافة عندما نقلت جثمان الفقيد لإلقاء النظرة الأخيرة عليه من قبل رجال الفكر والأدب والثقافة، كان الكاتب الفرانكوفوني مميزا بالغياب. فحتى لو كانت هناك ملاسنات أو خصومات أدبية وفكرية، فإن للوفاة منطق آخر يختلف عن منطق الحياة الدنيا.. لكن بالنسبة للفرانكوفونيين كل ما هو »بالعربية« لا يستحق التقدير والتحية ولا حتى العزاء والنظرة الأخيرة. ألهذا الحد، توجد قطيعة فكرية وثقافية للمعرب من قبل الفرانكوفونيين في الجزائر؟ كنا نلاحظ ونعيش قطيعة للإنتاج الفكري والأدبي باللغة العربية في الصحف الفرانكوفونية ، لم تكن الصحف الفرانكوفونية تنشر أي خبر عن أي كتاب يصدر باللغة العربية ، وقلنا ربما بسبب العجز عن الترجمة، والتمسنا لها بعض الأعذار.. أما أن تمر وفاة روائي كبير بحجم ووزن الطاهر وطار، فهذه خطيئة لا تغتفر، تنم عن وجود شرخ فكري كبير أملته » اللغة« ، فوجود لغتين إعلاميتين أفرز وجود ثقافتين مختلفتين، وعندما توجد لغتين رسميتين فلابد من وجود دولتين مستقلتين. أنا لم أكن أبدا أتصور أن يحظى موت المغني الأمريكي الأسود مايكل جاكسون، بتغطية إعلامية واهتمام إعلامي أكبر من وفاة الطاهر وطار في الصحافة الجزائرية المفرنسة، حتى لو كان للطاهر وطار من المواقف المؤيدة للغة العربية والمعارضة للفرنسة، فهذا لا يجب أن يكون إطلاقا مبررا لعدم الاهتمام برحيل أديب يستحق أرقى الأوسمة والجوائز الثقافية العربية وحتى العالمية. لقد ظل أصدقاؤنا المفرنسون في الإعلام والجامعة يتهمون المعرب بالمتخلف والمعادي للغات الأجنبية، لكن الممارسات المختلفة كشفت عيوبهم، كشفت أنهم هم معادون لكل اللغات بدءا باللغة الأم، وليسوا متفتحين على لغات العالم، ماعدا لغة المستعمر، لغة موليير.. فأصبحوا أسرى منطوون ومنغلقون على ذواتهم ومعادون لكل أنتاج بغير إنتاج لغة المستعمر .. ولا يؤمنون بالآخر أصلا ، فهل هناك تعصب أكثر من هذا ؟ لقد أكدت وفاة المرحوم الطاهر وطار هذه الحقائق، أكدت أنه لكي تكتب عن انتاجك الفكري أو عن وفاتك أي جريدة مفرنسة، يجب أن تكون إما علمانيا أو مفرنسا. ولهذا اهتموا بوفاة »مايكل جاكسون« أكثر من اهتمامهم بوفاة عمي الطاهر رحمه الله.