أدرج المُؤرخ الدكتور محمد القورصو زيارة الوزير الأول الفرنسي السابق، جان بيار رافاران، إلى الجزائر ضمن إطار حملة مُسبقة يخوضها نيكولا ساركوزي استعدادا لخوض الانتخابات الرئاسية 2012، وعلى الرغم من إشارته إلى وجود الكثير من القضايا الخلافية التي لا تزال بحاجة إلى التسوية بين البلدين، فإن القورصو أكد في المُقابل بأنه من شأن هذه الزيارة المُساهمة نسبيا في إذابة الجليد في علاقات باريس مع الجزائر. لم ينف الدكتور محمد القورصو، الرئيس السابق لجمعية 8 ماي 1945، الطابع السياسي وراء قدوم المبعوث الشخصي للرئيس الفرنسي إلى الجزائر، معتبرا أنه من شأن زيارة جان بيار رافاران أن »تفتح آفاقا جديدة لعلاقات التعاون بين البلدين على كافة المستويات«، ومع ذلك فقد تساءل عن طبيعة هذه الآفاق التي اشترط ألا تنحصر فقط على الجانب الاقتصادي دون الخوض في بقية الملفات الحسّاسة، ومن دون ذلك يرى بأن الجزائر ستكون الخاسر الأكبر في إطار هذه المُعادلة. وبحسب القراءة التي قدّمها العضو السابق في مجلس الأمة، في تصريح خصّ به »صوت الأحرار«، فإن المبعوث الشخصي للرئيس الفرنسي جاء إلى الجزائر من أجل ضمان المزيد من الاستثمارات التي من شأنها »تعزيز الاقتصاد الفرنسي الذي يمرّ بأزمة خانقة في الفترة الأخيرة«، ووفق اعتقاده فإن هذا الخيار أصبح حتميا بالنسبة إلى الحكومة الفرنسية لأنها »ترغب في إقناع المُستثمرين الفرنسيين بالقدوم إلى الجزائر واستغلال الفرص المتوفّرة..«. ولكن أكثر ما لفت الدكتور القورصو في هذه الزيارة هو تزامنها مع التعديل الحكومي الأخير الذي أجراه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، حيث لم يُفوّت مُحدّثنا الفرصة من أجل التأكيد على الطابع السياسي للزيارة، واستند في ذلك إلى طبيعة التغييرات التي حصلت على طاقم الوزير الأول »فرانسوا فيون« بوصفها »أصبحت أكثر الحكومات تطرّفا في عهد الجمهورية الفرنسية الخامسة على الإطلاق«. وفي هذا الشأن بالذات تابع أستاذ التاريخ بجامعة الجزائر بالإشارة إلى أن »التعديل الحكومي الأخير هو مسألة فرنسية بحتة، ولكن من جهة ثانية هناك بعض القضايا الرمزية التي تهمّنا كجزائريين..«، واستطرد موضحا بأنه لا يجب إغفال قضية أن ساركوزي قد دخل فعليا حملة رئاسيات 2012، بما يعني أن الجزائر أصبحت من بين الأوراق التي يعتمد عليها لكسب رهان الفوز بعهدة جديدة في قصر الاليزيه »لأنه يلعب على وتر المصالح المُشتركة التي لا يُمكن لنا أن ننفيها، وفي المُقابل فهو يلعب على وتر أبناء الحركى وأيضا على اليمين المتطرّف الذي برز إلى الواجهة في عهد ساركوزي«. وأكثر من ذلك فإن المُؤرخ الدكتور محمد القورصو توقّع أن يُقدّم الرئيس الفرنسي مزيدا من التنازلات لصالح أبناء الحركى في المرحلة المُقبلة من أجل كسب رضاهم، وبالتالي »سيدفعهم ذلك إلى مُهاجمة الجزائر من جديد والمُطالبة بالعودة إليها وكذا الحصول على تعويضات وما إلى ذلك..«، مُنتقدا على هذا المستوى سلسلة الإجراءات التي اتخذتها باريس في الأشهر القليلة الماضية وفي مُقدّمتها إنشاء مؤسسة ذاكرة الحرب في 18 أكتوبر الأخير، وذلك تطبيقا للبند الرابع من قانون 23 فيفري 2005، لافتا إلى أن مهمة هذه المُؤسّسة ستكون كتابة تاريخ الجزائر«، قبل أن يخلص إلى أن زيارة رافاران لها حسابات خاصة »وهي لا تُقابلها ليونة في المواقف الفرنسية حيال الملفات الحساسة مع الجزائر..«.