لأول مرة منذ 23 عاماً يتوجه التونسيون إلى صلاة الجمعة دون خوف من أن يكلفهم هذا وظائفهم أو حريتهم، وتحررت خطب أول جمعة بعد رحيل الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي من الرقابة والتوجيه المسبقين، كما خلت من ذكر اسمه. فللمرة الأولى منذ الإطاحة ببن علي يتوجه التونسيون إلى صلاة الجمعة دون خوف من الشرطة السرية التي كانت تتسلل -في عهده- إلى المساجد وتكتب تقارير أمنية عن أولئك الذين كان يبدو عليهم المداومة على الصلاة بشكل لافت أو الخشوع فيها. فعلى مدى 23 عاماً هي فترة حكم بن علي، كان التونسيون يؤدون صلاتهم في خوف، فلم يكن أحد يتحدث مع أحد، ولم يكن بوسع النساء ارتداء الحجاب في الشارع، كما لم يكن يجرؤ الرجال على ترك لحاهم طويلة خشية الاعتقال. وقال عبد القوي (59 عاماً) الذي كان يتحدث أمام مسجد القدس في العاصمة تونس بينما تدفق مئات من التونسيين -معظمهم يرتدون سترات وسراويل جينز- على المسجد لأداء صلاة الجمعة، »لم نكن نقدر على الصلاة بحرية من قبل«. وبدأ تطبيق العلمانية بصرامة في تونس منذ عهد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة الذي أغلق المحاكم الشرعية وكرس قوانين الأحوال الشخصية العلمانية، في حين حرمت المحجبات في عهد بن علي من التعلم والوظائف. وقالت كثيرات من النساء إن الشرطة كانت تستوقفهن في الشوارع وتنزع حجابهن وتجبرهن على التوقيع على وثائق تنبذ الحجاب، كما كان الملتحون من الرجال يلقون معاملة مشابهة، وكان معظم الرجال خارج المسجد من حليقي اللحى. وشهدت الخطب تغيرا في مفرداتها وتحررت لأول مرة من الرقابة والتوجيه بعدما كان على الخطيب في الماضي أن يعرض خطبة الجمعة على السلطات قبل إلقائها، كما يقول مؤذن بأحد المساجد رفض ذكر اسمه. ودعا أئمة المساجد إلى مباركة انتفاضة الشعب التونسي ضد النظام السابق وحثوا المصلين على انتهاز فرصة التغيير الحالي والمضي قدما نحو الانتخابات، وعدم الانشغال بالانتقام من حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الذي كان يقوده بن علي. واكتفى آخرون في خطبهم بالدعوة إلى أن يعود الأمن والاستقرار إلى تونس، والترحم على أرواح الذين سقطوا خلال الاحتجاجات الشعبية والذين بلغ عددهم حسب حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة 78 قتيلا، بينما تقدرهم منظمات حقوقية بأكثر من مائة. وكانت وزارة الشؤون الدينية في الحكومة المؤقتة قد دعت في بيان وزعته الجمعة الماضية، كافة الأئمة والخطباء بمساجد البلاد إلى إقامة صلاة الغائب بعد صلاة الجمعة على أرواح ضحايا الانتفاضة الشعبية التي أطاحت ببن علي.