أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، أمس، بباريس رسميا ميلاد الاتحاد من أجل المتوسط، وقد بدا واثقا إلى أبعد الحدود في نجاح هذه المبادرة الجديدة التي جاءت على أنقاض مسار برشلونة، مركزا على مقاربة السلام بالدرجة الأولى عندما قال "معا سنبني السلام في المتوسط كما شيّدنا بالأمس السلام في أوروبا"، وانتقد ساركوزي في المقابل منتقدي عضوية إسرائيل في الاتحاد الذي اعتبره مرحلة لاستعادة الثقة والشروع في حوار بإمكانه إحلال السلام. دافع الرئيس الفرنسي باستماتة عن خيارات بناء الاتحاد من أجل المتوسط الذي تم الإعلان عنه زوال أمس بشكل رسمي بالعاصمة باريس، وهي المناسبة التي قال فيه ساركوزي مخاطبا 43 رئيس دولة وحكومة من ضفتي المتوسط الجنوبية والشمالية بأنه واثق من أن يذهب الاتحاد بعيدا لتجسيد الأهداف التي رسمها الشركاء. وقد تناول ساركوزي في جوانب من خطابه بعض العراقيل التي واجهته قبل انعقاد قمة باريس، وذكر من ذلك المساعي الفرنسية لإقناع البلدان المعنية بالمشروع للحضور، حيث أكد هنا بأن دول الضفة الجنوبية من المتوسط كانت بحاجة إلى شجاعة أكبر لحضور القمة، ليضيف كذلك "فتحمّل قادتها المسؤولية أكثر من بلدان الضفة الشمالية، وفي إشارة واضحة إلى احتفائه بنجاح قمة باريس واصل نيكولا ساركوزي خطابه بالقول "هذا هو التحدي أي أن نعمل في سلام، أما الخطر الحقيقي والمجازفة الحقيقية هو ألا نواجه هذا الخطر..". ولم يستثن ساركوزي مخاطبة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي عارضته في البداية لتجسيد فكرة الاتحاد المتوسطي، وجاء على لسانه "أقول للسيدة ميركل إن كل دول أوروبا لديها المصلحة في أن تنجح الاتحاد من أجل المتوسط"، وخاطب في المقابل الوزير الأول الإسباني ثابتيرو مؤكدا له "إننا لسنا لنمحو مسار برشلونة يا ثابتيرو"، مشيرا إلى أن "العالم أجمع ينظر إلينا ويتساءل إن كان هذا الجيل من القادة سيصل إلى السلام، وبالتالي لا بد أن نتجاوز الخلافات لنبني السلام في البحر المتوسط". وعلى هذا الأساس فقد تبنى نيكولا ساركوزي في خطابه الافتتاحي لأشغال قمة باريس المقاربة الأمنية، حيث أشار إلى أن شعوب المتوسط كثيرا ما انقسمت وتقاتلت وتمزقت، ليس لكونها كثيرة الاختلاف فيما بينها ولكن، في الواقع، لأنها متشابهة جدا، ليضيف بأنها "تجتمع اليوم لأنها تعلم بأنها تتقاسم حلم الحضارة نفسه وتريد أن يتحقق هذا الحلم.. لدينا حلم الحضارة وكل واحد منا يريد أن تنتصر الحياة، وكل منا يحمل في نفسه بعض الذكريات عن الظلم والمعاناة ولا بد أن ننسى الماضي وننظر إلى المستقبل حتى يكون عظيما..". ومن هذا المنطلق تابع رئيس الاتحاد من أجل المتوسط قائلا "ومن أجل ذلك على كل واحد من أن يبذل جهدا لتحقيق أهدافنا كما فعل الأوروبيون من قبل"، بل إنه بدا أكثر ثقة لدى تأكيده "وباستطاعة شعوب المنطقة أن تحقق ما حققته أوروبا لأن الحلم الأورو المتوسطي لا ينفصل عن الحلم الأوروبي، وعليه لا بد أن عمل سويا ليس لأننا جيرنا فقط ولكن لنكون أيضا شركاء". وأشار الرئيس ساركوزي في هذا الشأن إلى أن مسار برشلونة لم يعرف الفشل بقدر ما علم شعوب المنطقة الأورو متوسطية كيف تتعاون بشكل أكبر، مشددا على ضرورة "أن نعمل أكثر حتى نكتب تاريخنا المشترك في إطار مساواة بين الشمال والجنوب ونحقق التضامن الذي يفرضه التاريخ والجغرافيا والثقافة"، دون أن يغفل توجيه الدعوة إلى "تقاسم المسؤوليات والاعتراف لكل منا بالمسؤوليات"، فالمهم بحسب تعبير الرئيس الفرنسي "ليس من يقرر ولكن هناك التزامات وواجبات يجب أن نتحملها سويا، وهذا هو الخيار التاريخي للمتوسط المتمثل في المساواة وسلطة القرار". والأكثر من ذلك فإن الرئيس الفرنسي أوضح "لن نفلح في بناء مستقبل أفضل إلا من خلال تقاسم السلطة في جو من التضامن الحقيقي.. هذا هو الخيار السياسي والأخلاقي والتاريخي الأساسي للاتحاد من أجل المتوسط"، قبل أن يؤكد وجوب اتخاذ القرار على قاعدة الوفاق المشترك. إلى ذلك قال ساركوزي الذي تتولى بلاده حاليا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي بأنه تم الحرص على أن تكون الشراكة في الرئاسة متقاسمة بين دولة من الشمال وأخرى من الجنوب، مضيفا "سنقوم بممارسة هذه المسؤولية متحدين معبرين عن المصلحة العامة لجميع"، مؤكدا أيضا أن البحر المتوسط يتميز بالتنوع وعليه، يقول الرئيس الفرنسي، يجب أن تتعايش كل الشعوب بسلام واحترام وبوعي متبادل، معا سنبني السلام في المتوسط كما شيدنا السلام في أوروبا بالأمس..".