بعودة الذكرى المزدوجة لما يعرف ب »هجوم الشمال القسنطيني« وكذا انعقاد مؤتمر الصومام التاريخي الذين يتزامنان مع يوم 20 أوت، تعود معهما إلى الواجهة مطالب الجزائريين بضرورة أن تقدم فرنسا على إعلان اعترافها بالجرائم التي اقترفتها في حق الجزائريين طيلة 132 عاما من الاحتلال، وهو ما يبدو أنه سوف لن يتحقّق إلا إذا ضغطت الجزائر أكثر عل الطرف الفرنسي لافتكاك هذا الحق. ينفرد هجوم الشمال القسنطيني الذي شنّه الثوار المجاهدون الجزائريون في 20 أوت 1955 وكذا انعقاد مؤتمر الصومام في نفس التاريخ من العام الذي أعقبه، بخصوصية كبيرة في مسار ثورة التحرير، فالأوّل شكّل تطوّرا نوعيا في طبيعة العمل العسكري لجيش التحرير الوطني رغم محدودية إمكاناته زيادة على أنه إشارة قوية إلى الانتشار التدريجي للثورة والتنسيق الحاصل فيها، أما الثاني فإنه يمثّل نقطة تحوّل هو الآخر في المسار النضالي خاصة من حيث التنظيم الذي خرج بها سياسيا وعسكريا رغم الحديث الحاصل عن إفرازه خلافات بين قادة الثورة. لقد جاء انعقاد مؤتمر الصومام في مرحلة مفصلية من عمر ثورة التحرير، وليس أدلّ على ذلك أكثر من الصعوبات التي وجدها القادة في الوصول إلى الصومام مكان انعقاد المؤتمر التاريخي من أجل مناقشة كافة الجوانب المتعلقة بالثورة بما في ذلك الصعوبات التي تعترضهم ميدانيا، ولم يكن غريبا أن يكون ظل هجوم الشمال القسنطيني حاضرا خلال هذا المؤتمر بالنظر إلى نوعية العمليات العسكرية التي شملت 39 مدينة، وتزامن ذلك مع مساعي الاستعمار الفرنسي كسر شوكة الثوار والمجاهدين. وفي الواقع فإن هجومات 20 أوت 1955 ساعدت كثيرا على تهيئة الأجواء والتسريع بانعقاد مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956، فالخناق الذي فرضته فرنسا على الثورة كان نتاج تلك الهجمات التي قادها الشهيد البطل زيغوت يوسف مما أدى إلى صعوبة الاتصال بين القادة خصوصا وأن الثورة كانت في تلك الفترة بأمسّ الحاجة إلى السلاح لتكثيف عملياتها النوعية، بالإضافة أيضا إلى حاجتها إلى توحيد منهج سياسي ثابت بشكل يجعل الشعب يحتضنها مثلما قالها الشهيد العربي بن مهيدي في عبارته الشهيرة. كما يبرز ارتباط الحدثين في أن مؤتمر الصومام كان من المقرّر أن ينعقد في العام 1955 إلا أن الكثير من الظروف دفعت إلى تأجيله إلى العام الموالي ومن ذلك تأثيرات هجوم الشمال القسنطيني في حدّ ذاته، فقد كان من مخلّفاته المباشرة أن أظهرت فرنسا الاستعمارية أبشع صورها في ارتكاب جرائمها ضد الجزائريين انتقاما من الخسائر البشرية والمادية التي لحقت بها بعد مرور عام واحد فقط عن انطلاق الثورة، إلى جانب عوامل أخرى مثل استشهاد بعض القادة مثل ديدوش مراد، واعتقال البعض الآخر على غرار رابح بيطاط ومصطفى بن بولعيد، إضافة إلى الصعوبات التي لم تكن متوقعة كشراء الأسلحة وإدخالها إلى الجزائر. وزيادة على أهمية الحدثين بالنسبة إلى الجزائريين باعتبارهما كان من بين البوابات التي انتهت إلى استرجاع السيادة الوطنية، فإن الاحتفال بهما اليوم يطرح مجدّدا مسألة المطالبة من فرنسا بضرورة أن تعترف بجرائمها التي ارتكبتها في حق الجزائريين وأن تقدّم اعتذارها على الوحشية التي تعاملت بها معهم. ورغم ذلك فإن الأنظار متجهة أيضا إلى السلطات الرسمية في بلادنا من أجل ممارسة مزيد من الضغوط على باريس واستعمال كل الأوراق التي بحوزتها قصد تحقيق هذا الهدف، وبالتالي عدم الاكتفاء بإطلاق خطابات رسمية من دون اتخاذ خطوات ملموسة في سبيل افتكاك هذا المطلب.