يتجلى من خلال مؤشرات الواقع أن الدخول السياسي والاجتماعي سيكون هذا العام مميزا، كونه يتضمن في الشق الأول مناقشة جملة مشاريع القوانين التي تضمنتها حزمة الإصلاحات السياسية التي أعلن عنها الرئيس بوتفليقة، ويتضمن في الشق الثاني استكمال ضبط التشريعات الاجتماعية المهنية والقطاعية، بما في ذلك إمكانية رفع الحد الأدنى للأجر الوطني المضمون. وإذا كان البرلمان بغرفتيه السفلى والعليا في دورته الخريفية يشكل الإطار الدستوري والقانوني لإثراء مشاريع القوانين التي أعدتها الحكومة وصادق عليها مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير، فإن الملفات الاجتماعية والاقتصادية بما فيها القدرة الشرائية ومسألة القوانين القطاعية والمنح والعلاوات والتعويضات العمالية المتأخرة المرتبة على رفع الأجور، ستكون في صلب اجتماعات قمة الثلاثية المقررة في غضون هذا الشهر. وسواء كان الأمر متعلقا بالجوانب السياسية أو الاجتماعية، فإنه من الواضح للعيان، تلك الإرادة الرامية إلى تجسيد الإصلاحات في الميدان قصد إعطاء دفع قوي وإحداث ديناميكية جديدة، على صعيد الارتقاء بالأداء السياسي والاجتماعي في البلاد. إن الدورة الخريفية للبرلمان من هذا المنظور تكتسي طابعا مميزا، ليس فقط لكونها ستناقش مشاريع القوانين المطروحة عليها، بما تمثله من ثقل ووزن وأهمية، وإنما أيضا لكونها تعد دورة نهاية العهدة البرلمانية، مما يضفي على نقاشاتها روح الحيوية والجدية بين مختلف التيارات والآراء الحزبية الممثلة في قبة الهيئة التشريعية، المدعوة في هذه المرحلة بالذات إلى إصدار تشريعات ترسم معالم جزائر الغد، جزائر تجذر فيها الممارسة الديمقراطية التعددية، وتكرس خلالها الشفافية على العملية الانتخابية، كما تريدها الأحزاب والمجتمع المدني. انطلاقا من هذا المعطى السياسي، فإن مشاريع القوانين المعروضة على الدورة الخريفية للبرلمان أو تلك التي تنتظر دورها، كقانون الإعلام والجمعيات، وغيرهما، تلبي حسب الملاحظين جملة المطالب الداخلية للطبقة السياسية والمجتمع المدني وتستجيب والتحولات الإقليمية والدولية، كما أن تلك القوانين باعتراف السياسيين من شأنها أن تساهم في توسيع دائرة الحريات الفردية والجماعية وممارسة الفعل الديمقراطي في الحياة اليومية للمجتمع. ولئن كانت مؤشرات الدخول السياسي تنبئ فعلا بانطلاق التحول الديمقراطي الذي تجسده حزمة الإصلاحات المعلن عنها، فإن مؤشرات الدخول الاجتماعي توحي بقرب انفراج الاحتقان في هذا القطاع الذي ينذر بالانفجار مع كل دخول مدرسي. بالرغم من تهديد بعض النقابات بجعل هذا الموعد ساخنا بسبب النقائص والسلبيات التي ما فتئت تعتريه كل سنة، إلا أن التلويح بشن إضرابات والقيام باحتجاجات من قبل بعض الفئات العمالية والشرائح المهنية، قد يتم امتصاصه إذا ما نظرنا إيجابيا لجملة الاقتراحات التي تعتزم المركزية النقابية طرحها هذه المرة وبقوة على قمة الثلاثية للفصل فيها بصفة نهائية. لعل أول وأهم هذه المقترحات التي ينوي اتحاد العمال الإلحاح عليها، تلك المتمثلة في رفع الحد الأدنى للأجر الوطني المضمون، بما يرفع القدرة الشرائية للفئات الشغيلة الضعيفة، ويزيح عنها الغبن وشطط العيش ويجعلها قادرة على مقاومة ظاهرة ارتفاع الأسعار وموجة الغلاء التي تجتاح كل المواد بأسواقنا. إن الرهان قوي على جعل الدخول السياسي والاجتماعي، مميزا وحاسما على طريق التحول المنشود، في كنف السلم والطمأنينة، كما أن الرهان معقود على جعل هذا الموعد محطة تغيير حقيقية نحو الأفضل في الأداء والممارسة والتنظيم والتشريع. فهل يكون الأمر كذلك، ويتم قطع الطريق أمام المراهنين على المزيد من التأزم والاحتقان على أمل تحقيق حلم الانفجار بدل الانفراج.