ليبيا الحرّة لن تكون للظواهري أو لليفي.. هكذا أعلن معارض ليبي، ومسؤول رفيع سابق في نظام القذّافي، عّما يدور من أحاديث حول برنار هنري ليفي الفرنسي اليهودي المتعصّب، مستشار الرئيس الفرنسي، وزياراته المتكررة لمدينة بنغازي ودوره فيما يحدث، وحول ما يشاع أيضا من قصص حول مجموعات مسلحة متشددة تنشط بشكل ملحوظ بين صفوف الثوار الليبيين. لقد شبّه ذلك السياسي الليبي ما يحدث في بلاده، خاصة عند بداية الأزمة، بمشهد المنزل الذي شبّت فيه النيران وأدرك صاحبه خطورة الموقف ما لم يسابق الزمن وينادي القريب والبعيد من الجيران، ويستنجد حتى بخصومه من أهل الحيّ وغيرهم، ويقبل على مضض مساعدة بعض المشبوهين والانتهازيين وعَبَدة المصالح الخاصة. إن الرؤية واضحة بالنسبة لصاحب المنزل في ذلك الظرف الصعب، وهي إخماد الحريق بأي ثمن، وبعدها يمكن الالتفات إلى الذين قدموا يد المساعدة وتمييز الطيب من الخبيث بينهم، ومن هناك يتم إسداء الشكر والعرفان إليهم كلٌ حسب مكانته ومنزلته وما قدم من جهد، وفي المقابل سوف يهرع صاحبنا إلى التخلص من الدخلاء الانتهازيين ومن على شاكلتهم. لقد أوضح السياسي الليبي، ونتمنى أن يكون صادقا، أن الأولوية بعد هدوء الأوضاع في البلاد هي لمصلحة الشعب وأرضه أولا وأخيرا، وهكذا لن يكون هناك متسع إلا للأحرار من أبناء الشعب الليبي الغيورين على مصلحته والساعين لرفعته ورفاهيته والمؤمنين بأهمية العيش المشترك والتسامح والوصول إلى دولة يحلّ فيها الجميع خلافاتهم عبر آليات الديمقراطية الحديثة التي تضمن مسارا سلميا لكل أشكال التنوع العرقي والديني والإيديولوجي والثقافي والجهوي والمناطقي والقبلي. إن المجلس الوطني الانتقالي ضمّ شخصيات لا تخفي علاقتها الشديدة بالغرب وإيمانها به وليس بمجرد الديمقراطية والدولة المدنية، وتلك الشخصيات، ومن ورائها حلف الناتو الذي كان يضرب جوا وربما يقدم المشورة أرضا، غضّت الطرف عن مجموعات ووجوه (إسلامية) شاركت في الثورة بالساعد والسلاح وربما خاضت العبء الأكبر من الحرب في جبهات وصفوف القتال الأولى، ولا عيب في ذلك فالجميع اشترك في هدف واحد هو الوصول إلى مرحلة (ليبيا الغد)، لكن تلك الجماعات، كما يرى البعض على الأقل، تحمل أفكارا تتجاوز القذافي وعائلته ونظامه إلى ما بعد ذلك وهو (الفكر الجهادي) الذي يعتقد أن التحرك عبر كامل المنطقة جهادٌ أوجبته الشريعة الإسلامية، كما ترى ضرورة (قتال الصليبيين) الذين ظلت أياديهم واضحة في البلاد الإسلامية بعد أن غادروها من الباب وعادوا إليها من النافذة في صورة حكومات موالية وشركات متعددة الجنسيات تسعى لنهب كل ما تصل إليه أياديها فوق الأرض وتحتها. وربما يكون أمر هؤلاء (الجهاديين) مقصودا من البداية حيث يتم التغافل عنهم وهم يحملون السلاح ويشاركون في المعارك، خاصة أن كثيرا منهم مؤهلون لذلك نفسيا، وربما عسكريا، حيث قاسوا الكثير في سجون القذافي أو في المنافي القريبة والبعيدة.. وبعد تجربة حمل السلاح وانتشاره في الأراضي الليبية الشاسعة سوف تنشأ جيوب مسلحة ونواة معارضة من نوع آخر تؤمن بالسلاح و(الجهاد ضد الصليبيين) الذين سيكون لهم تواجدهم الاقتصادي والسياسي في ليبيا الجديدة.. وعندها سيقول الغرب، وفرنسا، نحن هنا لمكافحة التطرف والإرهاب. نعم.. ربما يصعب الجزم بأن ما دار في ليبيا كان مخططا غربيّا خالصا منذ بدء المظاهرات السلمية؛ لكن ما يسهل الجزم به أن الغرب استغل الوضع ودخل بقوة على الخط وخطط لمصالحه في ليبيا والمنطقة بكاملها، وهذا أمر ليس غريبا على القوى الكبرى، ولا سبيل لدفعه في الحالة الليبية وغيرها إلا بتلاحم الحكومات مع الشعوب والإسراع في الإصلاحات وبلوغ دولة القانون وسلطة الشعب الحقيقية، أما إذا استمرت عمليات الدفع والردّ بالبكاء والعويل والشعارات المستهلكة فإن النتائج ستكون معلومة للخاص والعام، وقبل انتهاء الأحداث الحالية أو المتوقعة. لقد أوردت وسائل إعلام مغاربية تقارير متداولة، بين مصالح أمن دول الساحل، مفادها أن مائة شابّ هناك وثمانين هنا ومجموعة جهادية في المكان الفلاني وأخرى تتحرك على الحدود الغربية أو الجنوبية.. ومجموع ما ذكرت تلك التقارير لا يصل إلى الخمسمائة فرد، لكن (أصحاب التقارير) يخلصون إلى أن هؤلاء الشباب يعدون العدة لما بعد القذافي لينخرطوا في حرب ضد فرنسا ومصالحها، وبلدان المنطقة بالضرورة، خاصة تلك الدول التي تحارب ما يسمى بالقاعدة أصلا ونسجت، أو ما زالت تنسج، تحالفات إقليمية ودولية في إطار تلك الحرب الضبابية. لقد بات معلوما للجميع أن الولاياتالمتحدةالأمريكية حاولت، مع بعض الدول الغربية، تضخيم ملفّ القاعدة خلال السنوات الأخيرة، وكان الهدف واضحا وهو الحصول على موطئ قدم في دول المغرب العربي ولو على شكل مقرّ للقيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا، لكن الرفض كان حاسما من دول الساحل وعلى رأسها الجزائر. قال نزار قباني: لو لم يكن الحب موجودا لاخترعناه.. ولسان حال أصحاب المصالح في الدول الغربية يتحدث بهذه اللغة أيضا: لو لم يكن الإرهاب والعنف والكره موجودا لاخترعناه.. وهكذا دأب هؤلاء على البحث عن كل ما يشبه القاعدة ليتبعوا أثره ويجعلوا منه ذريعة للضغط على الحكومات.. لكن الأمل معقود على النخب الليبية التي ظهرت واعية خلال إدارة المعركة، وبمساعدة الدول المجاورة سوف يتم تفويت الفرصة على صيادي المياه العكرة سواء من الغربيين الكائدين أو المتشددين المستغفلين.. لأننا في زمن الشعوب وبطولاتها الخارقة، ولا مكان لمجموعات مسلحة كانت تَستثمرُ، أو تُستثمَر، في أجواء الإحباط واليأس والمهانة التي عاشتها الشعوب تحت حكم ثالوث الاستبداد والعمالة والفساد.