لا أعرف بلدا في العالم، ليست عيونه معلقة على نسبة النمو السنوية التي تحققها حكوماته، والمحددة بالنهاية لموقف المواطنين أو بالأحرى الناخبين، من حكامهم ومسؤوليهم، بينما عندنا في الجزائرالعيون كلها مثبتة على ما يسمى احتياطي الصرف، الذي غطى من شدة تداوله ولفت الانتباه إليه، على ما سواه من المؤشرات الاقتصادية، حتى وقر في ذهن الكثير من الجزائريين، أن تضخم احتياطي الصرف الذي لا يكف محافظ بنك الجزائر عن التذكير به، إنما يعد إنجازا من الإنجازات الكبرى في عالم الاقتصاد. أتساءل أحيانا كثيرة، عن مغزى مدلول تعلق الجزائريين بمعرفة الرقم الذي بلغه احتياطي الصرف، وعما إذا لم تكن هناك جهة من الجهات، تريد صرف أنظار الجزائريين عن واقع نسبة النمو المتواضعة جدا، التي تحققها بلادنا، على الرغم من توفر كل الشروط لتحقيق نسب محترمة، خاصة وأن السلطات العمومية لا تبخل في ضخ مئات الملايير على مستوى الهياكل الأساسية وفي الجوانب الاجتماعية، لكن كل ذلك لم ينعكس على الماكينة الإنتاجية، التي بقيت مشلولة وعاجزة عن استقطاب اهتمام رجال المال والأعمال أو بوجه أصح رجال المال. لقد أشاع الفهم الخاطيء لمصطلح احتياطي الصرف، انطباعا زائفا لدى قطاع واسع من الجزائريين، وساهمت صحافة معينة في الترويج له من خلال مقولة "الجزائر بلد غني وشعبها فقير" بينما الحقيقة والواقع، أن الجزائر ليست بلدا فقيرا وشعبها يعيش عيشة الأغنياء• فالجزائر ليست بلدا فقيرا لأنها بالفعل تتوفر على إمكانيات وفيرة، ولكنها غير مستغلة الاستغلال الجيد، سواء من حيث توفر الإمكانات الطبيعية أو وفرة الأيدي العاملة• وشعب الجزائر، شعب يعيش عيشة الأغنياء، لأنه يأكل ويلبس ويغطي أغلب حاجياته دون أن يعمل• فالقسم الأهم من نشاط الجزائريين أو لنقل عملهم، إنما يتمثل في تحويل نسبة هامة من مداخيل المحروقات إلى عملة صعبة لاستيراد ما هم في حاجة إليه »وهم بالحقيقة في حاجة إلى كل شيء« ثم تدوير هذه السلع عدة مرات قبل أن تصل المستهلك، ذلك المستهلك الذي هو في الأغلب الأعم أجير ضعيف الإنتاج والإنتاجية أو موظف لدى القطاع العام يتقاضى مرتبا من خزينة الدولة، التي تشكل المحروقات 56% منها. الاقتصاد أو النشاط الاقتصادي يكاد يتمحور كله حول المحروقات، التي تضمن الغذاء والملبس والعلاج والتعليم والسفر، بينما نسب التنمية التي تحرزها الجزائر، تتآكل وتذوب كلها في الزيادة الديموغرافية وفي متطلبات اجتماعية عاجلة لا تقبل المراوحة والتأجيل• كل هذا ومع ذلك فإن الضخ الإعلامي لا يتوقف عن الحديث عن احتياطي الصرف، وعن الجزائر الغنية والشعب الفقير• يقول الاقتصاديون العارفون بحقيقة احتياطي الصرف في الجزائر، أن الأمر لا يتمثل في مبلغ مالي بالعملة الصعبة موضوع في الأسواق الأوروبية أو الأمريكية كما يتبادر إلى ذهن الكثيرين، ولكن في مجرد قيمة إسمية وحق افتراضي في تحويل الدينار الجزائري إلى عملة صعبة، ذلك أن ال 160 أو ال 170 مليار دولار التي تتحدث عنها الصحافة ويحلم بها الجزائريون، موجودة هنا في السوق الجزائرية بالدينار الجزائري وهي تشكل جزءا هاما من الكتلة النقدية المتداولة في السوق، أي أننا حينما نتحدث عن احتياطي الصرف في الخارج، وكأنه فائض صاف، نقع في مغالطة كبيرة، لكوننا نحتسب المبلغ المذكور مرتين، مرة بالعملة الصعبة وأخرى بالدينار الجزائري• وعلى افتراض أن الاحتياطي الأجنبي في الخارج هو بحدود 165 مليار دولار بسعر تحويل نحو الدينار بحدود 80 دينارا، مقابل دولار واحد، فمعنى ذلك أن الاقتصاد والسوق الجزائرية والخزينة العمومية تتوفر حاليا على المقابل المعادل الذي هو 000. 000. 000. 13200 دينار، التي هي موجودة فعلا وأصدرها البنك المركزي الجزائري بدل ال 165 مليار دولار المرصودة في السندات الفدرالية الأمريكية والحكومية الأوروبية وعملات آسياوية• وعلى افتراض أن الحكومة الجزائرية قررت لسبب أو آخر استرجاع الأموال المودعة في الخارج، فإنه يتعين عليها أن تسحب من السوق ومن الخزينة ما يعادلها بالدينار، وهو مبلغ ضخم جدا لا تحتمله السوق الداخلية التي تعاني أصلا من عجز في السيولة المالية• أما الافتراض الآخر فهو، أن تسحب الحكومة ما يعادل المبلغ المذكور أي 165 مليار دولار، من الأوراق النقدية بالدينار، وهو ما يعني الدخول في دوامة تضخم رهيب تعاني منه السوق الجزائرية ابتداء• يخطئ ويخلط الكثيرون بين احتياطي الصرف الذي هو مجرد حق في التحويل، وبين الودائع الصافية أو الفائض الصافي، الذي لم يتم سحب المقابل له من العملة المحلية، الذي هو بحق يعد من المدخرات ومن الثروة••• فهل يا ترى الأموال الجزائرية المودعة بالخارج تم طرح ما يقابلها في الجزائر بالدينار، أم أن الجزائريين يعيشون مغالطة كبرى ويعيشون على حلم لا يلبثوا أن يكتشفوا بطلانه، بحيث أنهم احتسبوا مرتين نفس المبلغ، مرة في صندوق ضبط الموارد، ومرة أخرى في السندات المرصودة خارجيا• في الوقت الذي تتحدث الأمم الأخرى ويحتدم الجدل بين الفاعلين السياسيين والاقتصاديين حول وتائر النمو ونسبة التنمية المحققة التي قد تبلغ لدى الدول الصاعدة الرقمين، ينصب النقاش عندنا في الحديث عن مبلغ احتياطي الصرف، بل أن النقاش العقيم وصل بالبعض إلى حساب الاحتياطي المذكور، على أنه واردات، بحيث يحلو لهم التذكير وإعادة التذكير، بأن المبلغ المرصود في الخارج بإمكانه تغطية حاجيات الجزائر من الواردات كذا سنة• وكأن الجزائر والشعب الجزائري ليس لهما من مستقبل مادامت الحاجيات الأساسية مضمونة من هنا إلى السنة التي يعينونها، وهو ما يشيع اطمئنانا زائفا واتكالية مقيتة في أوساط الشعب، الذي يروج بين مختلف فئاته، أن الجزائر غنية ولا حاجة لديها إلى نشاط وسواعد أبنائها وبناتها، وهو ما يفسر إلى حد بعيد، لجوء المستخدمين في قطاعات البناء والفلاحة خاصة، إلى اليد العاملة الأجنبية، بينما البطالة المفضوحة والمقنعة تضرب أطنابها في المدن والأرياف• البحبوحة المالية التي تستفيد منها الجزائر هذه الأيام، بفضل الرياح الاقتصادية المواتية، مازلنا لم نستطع تحويلها إلى اقتصاد ونشاط اقتصادي مجز وتنافسي، واحتياطات الصرف بقدر ما هي دليل على أن الجزائر ليست فقيرة من حيث وفرة الإمكانات، فهي بذات الوقت أيضا دليل إثبات على عجزنا وعدم مقدرتنا في ترجمتها إلى اقتصاد مربح، يعتمد الإنتاج وتغطية الحاجيات، بدل اللجوء إلى الحلول السهلة وفي مقدمتها الاستيراد ثم الاستيراد... ولكن ماذا لو انخفضت أسعار المحروقات، أو قرر المستوردون للبترول، مقاطعة بترولنا لسبب أو لآخر... فهل يبقى مجال للحديث عن الجزائر الغنية وأغنية احتياطي الصرف...