تتحول ليالي بعض شوارع العاصمة إلى عالم آخر يشبه شوارع "بيقال" بفرنسا أو "بيفرلي هيلز" بالولايات المتحدةالأمريكية .عالم ليلي يرفع شعار البزنسة في الهوى وبيع الجسد .لكن بطلاته الغانيات لسن لا أمريكيات ولا فرنسيات، بل جزائريات عجزن عن إيجاد مكان لهن في عالم النهار ودفعت بهن الظروف أو الطموح الزائد إلى احتراف أقدم مهنة في التاريخ . سمية ب فتيات في عمر الشباب دفعت بهن ظروف الحياة أو حب المادة مع نقص الوازع الديني والأخلاقي إلى ولوج عالم الليل بكل ما يحمل من أغوار وأسرار ومتاهات. فقد ترى الواحدة منهن واقفة في أحد الأمكنة الخاصة بهذا العالم فلا تتفطن لهويتها . بينما يتعرف عليها زبائن الليل من اللباس الذي يكشف أكثر مما يستر لأن هذا النموذج من الفتيات في الغالب "كاسيات عاريات" يتفنن في إبراز مفاتنهن للإغراء والفوز بزبون من أصحاب "الشكارة " وما أكثرهم الذين يحومون حول فندق السفير بالعاصمة أو على امتداد الساحل الغربي خاصة في هذه الصائفة .حيث الفنادق التي تأوي مثل هذا النشاط دون ترخيص أو ضرائب ،لكنها تجارة رائجة رغم تحريمها وتجريمها من شرائع السماء والأرض . بل أنها اليوم وأكثر من أي وقت مضى واقع فرض نفسه علينا .وساهمت في إفرازه سنوات الإرهاب وظهور البورجوازية الجديدة و"البقارة" الذين يضخون المال "بالشكارة" دون حساب لصالح العاهرات اللواتي صارت لهن مميزات خاصة اليوم ولا تستغرب إن وجدتهن ذوات مستوى تعليمي وعلى قدر من الجمال .ولا تشبهن بتاتا الصورة التقليدية لمحترفات البغاء .فغانيات اليوم تبحثن عن تحقيق المستوى الاجتماعي وليس القوت لسد رمق الجوع أو إعالة الإخوة أو اليتامى .علاوة على أنهن صاحبات طموح، لكنه طموح غير مشروع يسعين إلى تحقيقه عن طريق الربح السريع والسهل على حساب إنسانيتهن وكرامتهن التي في الواقع صارت منعدمة في عالم العرض والطلب ولا حتى المشاعر والعواطف لها وجود في عالم يباع فيه الحب فيدفع الزبون وتقبض الفتاة حق معاشرته لها . لكن ظاهرة بيع الهوى لم تعد مقتصرة على شارع بورسعيد بالعاصمة أو فندق "لاليتي " فحسب ، بل امتدت إلى جل أحياء العاصمة .وكما أن بطلات هذا العالم من المتأنقات تجد بالمقابل بائعات هوى أخريات .على النقيض تماما .وهؤلاء هن نسوة شابات متسولات في النهار.لكن بمجرد أن يرخي الليل سداله على العاصمة ،حتى يتحول نشاطهن من التسول إلى الدعارة، لكن أمثالهن كما قال عمي رابح صاحب محل بالعاصمة لا يطمعن إلا في 200 دج على أقصى تقدير فزبائنهن من الفقراء والمشردين والسكارى . وكثيرا ما تتعرضن للاغتصاب دون الحصول على سنتيم واحد في الأخير أو يوعدن بالمال مقابل اللقاءات الغرامية ويكون نهايته إشباعهن ضربا إذا طالبن بالمال. ويضيف عمي رابح الذي يقول أنه بحكم موقع محله بقلب العاصمة أنه يعتبر شاهد عيان على هذا العالم الليلي الذي تعيشه أحياءها كل ليلة . ومن أغرب ما رواه لنا هو تحول المراحيض العمومية بالعاصمة على قلتها إلى أوكار للدعارة ولقاء العشاق الذين لا يملكون ثمن غرفة في فندق أو سهرة حمراء في أحد الملاهي الليلية .لكن هذا النموذج الذي حدثنا عنه عمي رابح لا يتوفر فيه حسن المظهر ،لذا فهو غير جدير بالفنادق والمركبات السياحية . لكن المؤكد أن الدعارة قد توسعت رقعتها وارتفعت معدلاتها في أوساط الطالبات الجامعيات أيضا وبشكل مخيف، خاصة وكثيرا ما تقع في شراكها من يتخوفن من البطالة بعد نهاية الدراسة ولهذا فيقعن في شباك يمارسن عالم الليل وبيع الهوى كوسيلة لكسب المزيد من المال أو الحصول علي منصب مهم في احدي المؤسسات الكبرى، وقد توسعت الظاهرة في النشاط التجاري والإشهار حيث توجد المكاسب الخيالية . وتقول بعض المصادر أن هناك 33 شبكة دعارة تنشط في الجزائر، وهي تستغل الملاهي وبيوت اللهو الليلية كمراكز تمارس فيها تجارتها، وتشير مصادر رسمية أخرى أن هناك أكثر من 37 ألف طفل غير شرعي يولدون سنويا ، مما اضطر الحكومة إلي تخصيص ميزانية كبيرة لبناء مراكز استيعاب هؤلاء الأطفال، ناهيك علي انتشار السيدا الذي بدأت ترتفع معدلات المصابين به داخل المجتمع الجزائري. وتتفاقم مشكلة الدعارة ببلادنا في ظل الثغرات القانونية التي تزيد من تفاقم الوضع بلادنا . فحسب المحامية والناشطة في مجال حقوق الإنسان فاطمة بن براهم أن لا وجود لنص قانوني في التشريع الجزائري يعاقب على الدعارة .فقط إذا تعلق الأمر باستخدام القصر فيها حيث يعاقب هؤلاء من سنتين إلى 5 سنوات سجنا أي أن القانون الجزائري ينظر إلى الأمر على أنه جنحة وليس جريمة . هذا وأكدت دراسة أجرتها الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان أن 95 بالمائة من النساء اللواتي لجأن إلى ممارسة الدعارة لم يفعلن ذلك بحثا عن المتعة أو اصطياد الرجال، وإنما لأسباب مادية وأوضاع اقتصادية متردية هي التي دفعتهم إلى دخول هذا العالم . كما جاء في بيان لها عقب مطالبة بن براهم بتقنين بيوت الدعارة مؤخرا .أن هذه الأخيرة مساس بكرامة المرأة وهي من قبيل التجارة بالرقيق والعبودية مشيرة في ذات البيان الى أن الجزائر قد وقعت عدة اتفاقيات في هذا الشأن تدعو إلى مكافحة استغلال المرأة وتوفير محيط مهني شريف لمن سقطن في فخ الدعارة اضطرارا لكسب القوت