أخد الجدل المحتدم منذ مدة حول المد الإسلاموي في المنطقة وإمكانية اكتساح إسلاميي الجزائر للبرلمان القادم، منحى تصاعديا في الآونة الأخيرة، حيث ظهر اتجاهان رئيسيان، أحدهما يقلل من وزن الإسلاميين والثاني يدعي أن هذا التيار يمثل القوة الضاربة، فيما تحاول السلطة طمأنة الجميع، فما حقيقة الوضع السياسي القائم؟. يمكن اعتبار تصريحات الوزير الأول أحمد أويحيى وإن جاءت تحت قبعة أمين عام الأرندي، أن السلطة حسمت موقفها من احتمال وصول الإسلاميين إلى الحكم، من خلال التعامل بواقعية وموضوعية مع ما تفرزه نتائج الانتخابات التشريعية المقبلة، وتجد السلطة مبررات موقفها المطمئن للرأي العام الوطني والنخب السياسية بمختلف تياراتها في كون مؤسسات الدولة اليوم مؤهلة للتصدي لأي انزلاق سياسي، فضلا عن كون ترسانة التشريعات والقوانين المتوفرة بإمكانها القيام ب»فلترة استباقية« لأي انجراف على المبادئ العامة للدولة الجزائرية ومنها النظام الجمهوري وثوابت الشعب، وهي المعايير التي تحدث عنها الوزير الأول باستفاضة، بل ذهب الرجل إلى أبعد من ذلك حين اعتبر قادة الأحزاب الإسلامية النشطة في الساحة أو تلك التي تتأهب لإعلان تأسيس أحزاب جديدة مستعدة للعمل في إطار القانون ونبذ العنف. إلا أن الرسالة الأخرى المستقاة من تعاطي أويحيى مع موضوع الإسلاميين تتمثل في كونه قلل من الحجم المتداول لهذا التيار، فحسبه قد لا تتمكن الأحزاب الإسلامية مجتمعة من تحقيق الأغلبية الساحقة في الانتخابات المقبلة، وهو بذلك قد يتفق مع الأمين العام للأفلان عبد العزيز بلخادم الذي قدر حجم هذا التيار بنحو 35 بالمائة على أكثر تقدير. وفي نفس الاتجاه يذهب بعض المحللين إلى التأكيد أن واقع التيار الإسلامي في الجزائر يختلف عن واقعه في بلدان الجوار وحتى بعض البلدان العربية، سواء تعلق الأمر بالانقسامات التي تنخر هذا التيار، وتضارب مناهجه بين مختلف أحزابه وجماعاته أو لحرب الزعامة التي تعصف برموزه، وكذلك لعلاقة هذا التيار أو ذاك بالسلطة ومدى احترامه للمسافة الفاصلة بينه وبين النظام. وهنا يقول هؤلاء المحللون أن التيار الإسلامي في الجزائر عكس دول الجوار متواجد في الحكم منذ عقدين من الزمن، وقد أظهر خلال هذه الحقبة الزمنية عدم وجود فوارق بينه وبين أحزاب السلطة، بل كان في مناسبات عدة محل اتهام بالفساد، شأنه شأن باقي مكونات السلطة، في حين تعاني باقي الفصائل من تشتت وعائها الانتخابي لما من شأنه التأثير السلبي على نتائج هذا التيار في الاستحقاقات القادة، وفوق هذا وذاك تبقى فئات واسعة من الشعب الجزائري تنظر بعين الريبة إلى الإسلاميين باستحضار إرهاصات الأزمة الأمنية التي ضربت الجزائر في الصميم. في الجهة المقابلة، يظهر زعماء التيار الإسلامي ثقة كبيرة في إمكانية تحقيق نتائج جد طيبة في الانتخابات القادمة التي تعتبر حاسمة في مسار التعددية الديمقراطية في الجزائر، بل يؤكد البعض منهم أن هذا التيار هو البديل الوحيد المطروح في حال إجراء انتخابات شفافة ونزيهة، إلى درجة أن رئيس جبهة العدالة والتنمية عبد الله جاب الله صرح قائلا أنه على استعداد لاستلام الحكم، فيما يرى أبو جرة أن حزبه قوة سياسية أولى بدون منازع، يحدث هذا في الوقت التي تتعالى دعوات باقي فصائل هذا التيار للتكتل لتحقيق الفوز المرجو ومواجهة التشتت. وبعبارة جامعة، فإن حسابات كل طرف سواء المقلل من وزن الإسلاميين أو المرافع لحجمهم وتجذرهم في المجتمع، تبقى مجرد دعاية سياسية قبيل الحملة الانتخابية تستمد قوتها من محاولة كل تيار التأثير على الناخب في حين تبقى المعطيات الحقيقية عن حجم كل تيار في الشارع مجهولة أو على الأقل نسبية، وهو ما يعني أن الانتخابات المقبلة تحمل مفاجآت كثيرة.