حدّدت اتفاقيات ايفيان قبل نصف قرن بصفة نهائية مصير أكثر من 7 سنوات من حرب التحرير بالجزائر وأنهت 132 سنة من الاستعمار الفرنسي في إطار استفتاء تقرير المصير المكرس للوحدة الترابية للبلاد ووحدة الشعب الجزائري والاستقلال التام. اعتبر رضا مالك الناطق الرسمي باسم وفد الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بإيفيان أن التوقيع يوم 19 مارس 1962 على هذه الاتفاقات الذي تم الحصول عليه »بعسر« يعد حدثا تاريخيا لأن الجزائريين كانوا انتزعوا نصرا كرس المبادئ المتضمنة في إعلان أول نوفمبر 1954. وقال إن الاتفاقات لم تكن فقط وسيلة لوضع حد لحرب ضروس دامت 7 سنوات وثمانية أشهر وإنما كان الأمر يتعلق أيضا بفرصة لنبين جليا أن الجزائر أصبحت ناضجة وأنه يحق لها أن تسترد سيادتها. من جهته يرى بلعيد عبد السلام عضو في الحكومة المؤقتة وممثل جبهة التحرير لدى هذه الهيئة الانتقالية المنبثقة عن اتفاقات ايفيان المكلف بالمسائل الاقتصادية أن إبرام هذه الاتفاقات سمح للشعب الجزائري بوضع حد لمخطط تقسيم البلاد الذي كانت السلطات الاستعمارية ترغب في فرضه على جبهة التحرير. واعتبر بلعيد أنه بفضل هذه الاتفاقات سمحت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية »للشعب الجزائري بدفن مخطط تقسيم الجزائر وفرض الاستقلال التام والوحدة الترابية الوطنية«، قائلا إن هذه الاتفاقات شكلت »النموذج الحقيقي للتوافق الثوري« الذي انتزعه الشعب الجزائري بعد كفاح مرير ضد الاستعمار. واعتبر المؤرخ المختص في علم الاجتماع الجزائري حسان رمعون أن اتفاقيات ايفيان شكلت توافقا تاريخيا »لصالح« الشعب الجزائري الذي سمح له بالتعبير بحرية من خلال استفتاء تقرير المصير المنتزع بعد كفاح مرير. ويرى الباحث في مركز البحث في الأنتروبولوجيا الاجتماعية والثقافية بوهران أن هذا النصر لا »يقدر بثمن« بما أنه كان يجب إقناع الرأي العام الدولي بعدالة القضية الجزائرية ومواجهة القوى المتطرفة للاستعمار التي كانت تعصف بالجزائر والتشكيك في النظرية الخيالية التي طورها الاستعمار لأكثر من قرن ألا وهي أن »الجزائر منطقة فرنسية«. وأشار الباحث إلى أن هذه الاتفاقيات تعرضت لآثار التطور التاريخي في الجزائر، واستشهد رمعون بالرحيل الجماعي »للأقدام السوداء« التي تعود مسؤوليتها المباشرة حسب هذا المؤرخ إلى العنف الشديد الذي مارسته منظمة الجيش السري. وفسر المرحوم سعد دحلب وزير الشؤون الخارجية في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية الثانية موقف الحكومة الفرنسية هذا عندما انتابت لوي جوكس رئيس الوفد الفرنسي في ايفيان بعض الحيرة، ويقول دحلب في مذكراته »بالنسبة لاستقلال الجزائر فالمهمة منتهية« وقد صدرت منه هذه المقولة ليجد ما يستطيع أن يسمي به هذه الاتفاقيات. وكتب يقول »كان لا ينبغي تسميتها باتفاقيات لأن ذلك قد يوحي إننا على قدم المساواة مع الوفد الفرنسي وكان يعني أيضا أن الحكومة الفرنسية تعترف بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية«. وبقطع النظر عن مراوغات الجانب الفرنسي في هذه المفاوضات يبدو جليا من وجهة نظر مؤرخي الضفتين أن وقف القتال المعلن في 18 مارس 1962 وتنظيم فترة انتقالية تؤدي إلى تنظيم استفتاء لتقرير المصير في 1 جويلية 1962 جاء نتيجة مفاوضات عسيرة غير رسمية ورسمية لينتهي بها المطاف الي ما اتفق علي تسميته ب»اتفاقيات ايفيان«.