هل من المعقول في شيء أن تثار مثل تلك الضجة التي نراها أو نسمع عنها هنا وهناك حول القوائم المختارة التي تقدم بها حزب جبهة التحرير الوطني إلى الانتخابات التشريعية المقررة يوم العاشر ماي القادم؟ وهل من الموضوعية في شيء أن يعمد المحتجون على قوائم المترشحين والغاضبون عنها، إلى محاولة هدم المعبد على رؤوس كل من فيه هكذا مرة واحدة، من دون أدنى إحساس أو شعور بمدى الضرر الذي قد يلحق بالحزب الرئيسي في البلاد، ونحن على مقربة حوالي شهر واحد من أهم محطة انتخابية على الإطلاق في مسيرة الجزائر المستقلة، التي تحتفل هذه السنة بخمسينية استعادة حريتها وسيادتها الوطنية!؟ إن كل المعقولية والموضوعية تقول، أن الموعد الإنتخابي التشريعي المقبل هام جدا للبلاد، والأهم منه أن يدخل"الأفلان" معتركه وهو في كامل وحدته وتماسكه وقوته ويوظف كل ما لديه من خبرة ورصيد، ليس فقط من أجل جعل هذا الموعد عرسا للديمقراطية التعددية، بل ومن أجل تمكين "الأفلان" الذي يملك كل المقومات السياسية الشعبية من الفوز فيه، واحتلال المراتب المتقدمة والصدارة بالأخص، حفاظا على موقعه الريادي في العمل السياسي الوطني كقوة رئيسية في البلاد. حقيقة أن طموحا من هذا القبيل، كان وما يزال يوجه عمل الأفلان في القيادة والقاعدة، ومن ثمة كانت قوائم المترشحين للتشريعيات القادمة تصب بطريقة أو بأخرى في هذا المجرى وهذا التوجه، لكن ما لا يفهمه الملاحظ، وما لا يفهمه المتتبع للشأن الأفلاني أن تحدث هذه العيطة وتثار هذه »الزيطة« بعد أن خرجت قوائم المترشحين. هل كل ما يحدث اليوم داخل البيت الأفلاني سببه الغيرة على الحزب ووجوده ومكانته ومستقبله، أم مرده غضب أشخاص ومجموعات رأت نفسها خارج إطار المنافسة التشريعية الآتية، ومن ثمة تصورت أن مصالحها وامتيازاتها وطموحاتها، سواء كانت واقعية أم غير ذلك قد فقدت• إن التساؤل يطرح نفسه ها هنا حول ما إذا كان الاتفاق حاصلا في إطار "الأفلان"، قيادة وقاعدة، على حتمية التغيير باتجاه ضمان مكانة وموقع الحزب في الساحة السياسية الوطنية• ولعل التغيير المنشود داخل الحزب كما هو داخل الدولة يكون بالضرورة بإقحام وجوه جديدة وكفاءات شابة، إلى جانب الإطارات المتمرسة التي أثبتت أحقيتها في الميدان، وبإمكانها مواصلة العطاء لصالح الأفلان، والبلاد معا. إن التغيير باعتباره سنة في خلق الله، لا يمكن أن نرفعه كمجرد شعار للتباهي والتفاخر على الآخرين، دون أن نعمل على تحقيقه في حياة وواقع حزب كالأفلان يطمح على الدوام إلى أن يواكب التطورات الحاصلة في الداخل والخارج، ويساير المتطلبات الراهنة ويواجه التحديات المستقبلية. لعل الجميع يدرك أن تركيبة قوائم مترشحي الأفلان للاستحقاق الانتخابي التشريعي القادم، كانت ستحدث بهذا الشكل وبتلك الصيغة اليوم أو غدا، لأنها عملية تفرض نفسها، لكونها حتمية لتجديد الحزب ومضامين برامجه وأساليب ومناهج عمله، كما هي حتمية تقتضيها المرحلة المستقبلية من العمل الوطني الذي يتطلب في أبسط أبجدياته السياسية التكيف مع حقائق الواقع الذي تعيشه الجزائر، والتأقلم كذلك مع معطيات المحيط الإقليمي والدولي. مع كل هذا يتعين الإقرار أو الاعتراف بأن كل عمل إنساني، يحمل، شئنا أم أبينا، في جنباته احتمالات الخطأ والصواب، ومن ثمة إذا كانت هناك بعض الهفوات الناتجة عن العوامل التي أحاطت بعملية إعداد القوائم واختيار المرشحين من داخل الأفلان ومن خارجه، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون مبررا أو ذريعة لأي كان أن يلحق الضرر بالحزب ككل، لا سيما في هذه الظروف الحساسة والحاسمة• الموعد الانتخابي القادم يجعل الجميع، قيادة ومناضلين، أمام مسؤولياتهم الوطنية التاريخية، ولعل أولى المهام المنوطة بكل مناضل مهما كان موقعه ومنصبه أن يتناسى مصالحه الفردية من أجل مصلحة الحزب الجماعية، وعليه فالمطلوب اليوم، ومهما قيل ويقال عن قوائم المترشحين، أن يقف الأفلانيون صفا واحدا متماسكا، وأن يلتفوا حول حزبهم في هذه المنافسة الانتخابية، لأن الوقت لم يعد في صالح الاحتجاج، بقدر ما هو في العمل قصد إنجاح الانتخابات التشريعية أولا وفوز الأفلان فيها ثانيا. إننا لا نعتقد بأن الأفلانيين لا يدركون المخاطر المحدقة بحزبهم، وأنهم غير واعين بثقل وضخامة المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتق "الأفلان" كقوة أساسية ورئيسية في البلاد، في الفترة الحالية أو المستقبلية، ومن هذا المنطلق لا نرى أي جدوى وأي فائدة ترجى من مواصلة الاحتجاج واستمرار موجة الغضب التي تربك الصفوف وتحدث الفرقة والانقسام داخل بيت "الأفلان"، الذي مهما كان، يعول عليه في حصد الأغلبية ومواصلة المشوار على درب تجسيد الإصلاحات السياسية في كنف السلم والاستقرار.