قد تشهد خارطة منطقة الساحل وشمال إفريقيا عملية إعادة الترسيم وفق أجندة غربية، فرنسية وأمريكية بالدرجة الأولى، وهذا بعدما بدأت معالم سيناريو التفتيت تظهر بوضوح بالمنطقة وما يحيط بها، وما يعرفه شمال مالي، والوتيرة السريعة التي يشهدها انقلاب الأوضاع هناك ينبئ بأيام عصيبة ، وربما سنكون أمام سنوات عجاف سياسيا وأمنيا تتغير فيها الكثير من المعالم. كان متوقعا أن تصل كمشة توارق الأزواد الانفصاليين إلى ما وصلت إليه من انتصارات عسكرية ميدانية على شبه جيش، عوده رئيسه السابق الانقلابي هو الأخر، أمادو توماني توري على الاتكال على الفرنسيين وحتى على الجيش الموريتاني الهزيل في مكافحة القاعدة، جيش انقلب على قائده بأربع دبابات وبضع آليات متهرئة يقودها ضباط من الصفوف الدنيا، مهدت لهم الاستخبارات الأمريكية طريق الحكم، وزرع الفوضى في البلد، فأتاحوا للمتمردين الفرصة ليزحفوا على شمال البلاد، وكان على زعيم الحركة الانقلابية أن يحمد الله لأن هذه الحركات المتمردة اكتفت بالشمال ولم تزحف على باماكو، مع أن حركة »أنصار الدين« و»حركة الجهاد والتوحيد بغرب إفريقيا« تحلمان بأن تكون مالي كلها إمارة للقاعدة، ويكون لسكانها المشغولين بقوتهم، شرف بناء أول »خلافة إسلامية« في العصر الحديث يكون منطلقها الساحل الصحراوي. إن ما تسميه حركة الأزواد انتصارا، شاركت فيه في الواقع تنظيمات إرهابية مرتبطة بالقاعدة، فأبو الهمام وأبو زيد وأبو العباس، كلها كنيات مستعارة لقادة الفرع المغاربي للقاعدة الذين تحولوا فجأة من قتلة وقطاع طرق وأباطرة التهريب إلى »ثوار فاتحين«، ختموا مسيرتهم بخطف دبلوماسيين جزائريين، ليتأكد من لديه ذرة من الشك بأن الجزائر هي المستهدف الرئيسي بكل ما يجري في المنطقة. وليس من قبيل الصدف أن يستنجد زعيم الانقلابيين في مالي بالدول الغربية لتتدخل عسكريا لملاحقة القاعدة في شمال البلاد، وتكرر ما فعلته في أفغانستان، وما يهم هذا العسكري المولوع بالغرب ليست الجرائم التي سترتكبها حتما عساكر الغرب في المنطقة، بل خدمة أمريكا وباريس وعواصم أخرى تقف وراء كل ما يتم الترتيب له من طبخات في المنطقة. لقدت مهدت حركة أزواد، والتنظيمات بالإرهابية التي ساعدتها على بلوغ هدف تشكيل كيان مستقل وتحقيق حلم الانفصال عن دولة مالي، ومهدت الثورات المفتعلة في العالم العربي، خصوصا في ليبيا والسلاح الذي تدفق على المنطقة من هذا البلد، للحالة التي وصلت إليها الأوضاع في شمال مالي، وبطبيعة الحال فإن الذي حدث لم يأت عبثا، وإنما جاء ضمن عملية ترتيب قمة في المكر والدهاء، والهدف طبعا هو من جهة السماح للتوارق في مالي من تزعم عملية التفتيت دول الساحل تحت عنوان إثني، وفصل أجزاء كبيرة منها، تنام على ثروات باطنية هائلة من نفط وغاز ويورانيوم وذهب..الخ ما يرتب لمنطقة الساحل، شرع فيه منذ مدة وجرى تنفيذه في السودان، ومطالبة قبائل »التبو« في جنوب ليبيا بحقهم في تشكيل دولة مستقلة للسود في الجنوب أسوة بجنوب السودان، لم يكن مجرد هذيان بلا معنى، والخطر القادم يتمثل في محاولة فصل أجزاء مفيدة من جنوبالجزائر عن الوطن الأم، سواء بإثارة نعرات عرقية تستند إلى »الانجاز« الذي حققه قبائل التوارق الأزواد في مالي، أو من خلال الدفع بالأوضاع داخليا في اتجاه »ثورة« على منوال »الربيع العربي« لتوفير الأجواء المناسبة من أجل تحقيق هذه الغاية، ومن لا زال في قلبه بعض الريبة ما عليه إلا أن ينظر بتمعن وتبصر كيف يتم إحاطة الجزائر بخط من النار، وإضعافها عبر إشغالها بفتن من كل جهة.