تستقبلك هذي الدشرة المسمّاة مجازا العاصمة بكل أنواع الجحود وصور التخلّي والإهمال.. تستقبلك عن رغبة في الإمعان بإيذائك والتعجيل بكسر ما تبقى من نسق وجدانك.. هي أشبه بعاصمة لكنها ليست كالعواصم، وإذا دخلتها من الغرب ترى مظاهر النعمة الجديدة على ناسها هناك إلاّ أن تأتي من الشرق. من الشرق.. يأتي الموت والبؤس وتأتي العتمة.. يأتي المعذّبون في أرضهم من الخوف والفاقة ومن أحياء الصفيح.. وإذا أقبلت على هذي الجزائر من هناك يستقبلك المرسى الكبير وجسر البارونات حيث يعبر كل شيء إلى حيث يجب أن يعبر.. هناك على عتبات المرسى يقف الحرس من بوليس وعسكر..ويقف أيضا شباب يتطلّعون من وراء السور والسياج ونباح الكلاب إلى مكان في مركب أو حاوية أو مدخنة.. هي الحرقة وركوب الموت فرارا من جحيم عدم الانتماء إلى غربة اللا انتماء.. الموت واحد إذا كنت ميتا..! هناك على عتبات المرسى حكايا تتردّد عن موح ليفيي و مصطفى لبلان وكمال موستاش ورفيق لا تشيشي..ثُلّة نجحوا في الوصول إلى الضفة الشمالية وآخرون بالمئات فعلوا الشيء نفسه ولا يزالون بلا "كواغط" يشتغلون في العتمة.. وعلى عتبات المرسى لا تزال الأسوار الحديدية التي لا تحمل أي بعد جمالي تفصل الطريق عما يحدث بالداخل.. و لا تزال تلك الأسوار البائسة تختزل على صفحتها معاناة بلد مفتوح على مأساة التفاوت الطبقي والتهميش.. لا تزال تلك الأسوار تختزل معاناة شباب حرّاق واتهم في وطنيته وقلة صبره.. بتلك الأسوار تستقبل هذي الدشرة المسمّاة مجازا العاصمة زوّارها، وعلى تلك الأسوار البائسة كُتبت شعارات كثيرة وبخطّ رديء لعلّ أهمّها عبارة كادت تتحوّل إلى شعار صمد طويلا في وجه الطبيعة والأيدي التي تُغطّي الوجع الاجتماعي بداعي تزيين المحيط..! هذه العبارة تقول: أوروبا ولا انتوما.. برغم كل الوجع الذي كتب به أحد الشباب الحرّاقة أو الحالمين بها لا تزال كلكاته تنبض بالوطنية لمن يفقه أسرار ومعاني اللغة العربية..! أما بعد: "عندما تتسع الرؤيا تضيق العبارة". الإمام الصوفي النّفّرى [email protected]