عشية إحياء ذكرى الإسراء والمعراج المباركة يوم الجمعة ما قبل الأخير، التقت صباحا قيادتا حركتي الإصلاح الوطني والنهضة، بخطابين الاول ارتجله الدكتور جهيد يونسي، والثاني تلاه الأستاذ فاتح ربيعي، لم يختلفا أكثر من الاختلاف اللغوي لتسمية الحركتين، ولم يتطابقا أكثر من تطابق الممارسة في النشاط• مرتكزات اللقاء كانت جد هادفة، ولها من القوة ما يؤهلها أن توحد حتى بين زقزقات العصافير وحفيف أوراق الأغصان التي عليها والحبات الملتقطة بمناقرها، ولها من قوة الدوافع ما يفجر الماء من الحجارة، وفي خشوع وإجلال تنحني أمامه الأشجار حتى التي تموت واقفة• ولها من التشويق والتحبيب ما يجذب إليها ذوي القلوب المتحجرة، فتصير لينة رحيمة، والعقول الجافة فتمتلئ بالهداية وتشع بالتوبة، لأن في مكامن تلك المرتكزات من الدرّ الثمين ما يمكنها أن تقدم الأنموذج الثاني من الالتفاف حول كبريات المهام في البلاد، وأمهات القضايا التي من غير المعقول أن يختلف حولها اثنان أو يتناطح كبشان• ذلك أنه أي اختلاف حولها وأي تشكيك فيها أو غفلة أو غفوة أو تهاون أو ارتخاء يذهب الريح ويقلع الأمة من الجذور فتصبح لقمة سهلة المنال وعجنة طرية في أيدي العابثين يجسمون منها ما يشاؤون من الأشكال، ولعبة متحركة بين أحضان الأطفال يستعملونها حسب هواية مرحهم، ويوظفونها فيما يعود عليهم بالحبور والسرور دون التفكير في المآل والمصير، وورقة خريف تلعب بها يد الهواء في مداها الطويل وفي مداها القصير• هذا ما يدمي القلوب ويأتي على الحرث وعلى النسل، على الأخضر، وعلى اليابس، يجفف المنابع، يؤخر ولا يقدم، مما يسبب في وجود أجيال مليئة بالمشاكل والأمراض النفسية والانفصام في الشخصية، والتقهقر في الانتماء الى الحضارة، والتراجع في التعامل مع الواقع، فتعم الفوضى ويعلو شأن التحجر والانغلاق، وتسود الأنانية الشخصية• صدر عن اللقاء بيان توافقي جمع بذكاء بين توجه الخطابين، ووقع شيكا على بياض، يسمح لأي من الطرفين استعماله بمباني وبصمات الطرف الآخر، والاشهاد لصالحه، دون أن يطلب الادلاء بالشهادة• البيان التنسيقي المتحدث عنه ليس بدعة، ولا هو اختراق الأرض والجبال، ولم يستطع أن ينفد لا من أقطار السماوات ولا من أقطار الأرض، وما حل القضايا وما رد المظالم• هذا من حيث الجديد في إعلان المواقف، إنما كان في مجمله جامعا شاملا لكثير من القيم والمبادئ والقواسم المشتركة التي يتفق عليها جل الجزائريين والتي من شأنها أن ترعى الحرث وتبقي على النسل وتحفظ الأخضر، بل حتى اليابس• كان مولود قاسم نايت بلقاسم رحمه الله وطيب ثراه، مارا ذات سفر بين (بريان والقرارة) بولاية غرداية، ولما وصل الى أحد الوديان سأل عن إسمه؟ فقالوا له: إسمه وادي النساء، فتوجه إلى سائقه بالقول: أسرع بنا الى وادي الرجال•••!؟