حاولت أن أناقش المحاضر، في بعض القضايا الخطيرة التي طرحها، لكن لم يعط لي الوقت الكافي ، وأنا أورد ما وددت قوله للمحاضر ولم يسمح لي. ومثلما قلت للمحاضر أنا لست إسلاميا بل مسلم ممارس، بل أنا قومي عضو بالمؤتمر القومي العربي. بقلم الدكتور عثمان سعدي: رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية بالمكتبة الوطنية الجزائرية يوم 13/10/ أولا : ما أثاره أدونيس من مسائل كعدم وجود ديمقراطية ، ووجود تسلط حكام منذ الخلفاء الأمويين وحتى الآن، نتفق معه في ذلك . ثانيا: لكن كلامه عن الإسلام غير مسلّم به، يلح الشاعر على عنصر الممانعة أي مقاومة الظلم والتسلط، لكنه يحصر الإسلام في مجرد طقوس فردية لا علاقة له بالمجتمع، وأقول له بأنه يحاضر في بلد لعب الإسلام فيه دور الممانعة أو المقاومة لأبشع استعمار استيطاني ديني ثقافي عرفته البشرية دام قرنا وثلث قرن، وبفضل هذا الإسلام حافظت الجزائر على كيانها الاجتماعي والثقافي، وتخلصت من الاستعمار بتضحيات نصف الشعب في حروب المقاومة التي استمرت 75 سنة. ومليون ونصف مليون شهيد وشهيدة في ثورة التحرير، لقد جمعت جزءا من ملحمة الثورة التي تعد أبيانها باٍلآلاف وهي جزلية ببدأها الجزّال بما يلي: حزب الثورا الله ينصر حزب الثوار شوفو التيعاد رجّاله من كل بلاد تلاقوا للجهاد على دينك يا بو الانوار وأبو الأنوار هن محمد صلى الله عليه وسلمز . وقد كان حافظ حزب عمّا قادرا على تجنيد الجماهير للثورة أكثر من حامل الدوكتوراه من السوربون. ثالثا : يحاول أدونيس تبرير مطالبته بفصل الدين عن الدولة بالوطن العربي بالاستشهاد بتسلط الكنيسة فى المجتمعات الأوروبية في القرون الوسطى، وتحرر أوروبا بفصل الدين عن الدولة. وأحب أن أوضح له بأنه لا مجال للمقارنة مع وضع الدين الإسلامي ، فلم يسجل التاريخ أن المسجد كان متسلطا، بل إن المسجد لعب دور المدرسة والجامعة والبحث العلمي، والرعاية الاجتماعية والصحية. ربعا: يمكن للمحاضر كشامي أن يبرر فصل الدين عن الدولة في الشام بل وفي المشرق العربي، نظرا لوجود أقلية مسيحية والعديد من الطوائف حتى طائفة عبدة الشيطان، لكن بالمغرب العربي الوضع الديني صاف، لا توجد لدينا أقلية من المواطنين المسيحيين ولا طوائف ، الإسلام بالمغرب العربي سني ، وحتى المذهب الإباضي مذهب يعتبره العديد من علماء الإسلام المذهب الخامس السني. خامسا: اسم ادونيس كنعاني فينيقي ، وأوضج بأنه كان المغرب العربي قبل الإسلام مطبوعا بالطابع الكنعاني الفينيقي أكثر من الشام، كانت اللغة الكنعانية العروبية قبل الإسلام هي اللغة الفصحى لغة الخضر والعبادات والدواوين للدول الأمازيغية البربرية، محاطة باللهجات الأمازيغية البربرية القحطانية، ودام هذا الوضع مدة سبعة عشر قرنا، وعندما جاء الإسلام بالعدنانية لغة القرآن الكريم حدث الربط بين الكنعانية العروبية والعدنانية العربية وهذا هو الذي يفسر انتشار العربية بسرعة. حقا إن روما دمرت قرطاج سنة 146 قبل الميلاد وسيطرت على المغرب العربي ، لكنها فشلت في القضاء على تأثير قرطاج ولغتها الفينيقية الكنعانية وثقافتها وعباداتها في الأمازيغ العروبيين سكان المغرب، واستمر ذلك حتى الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي. ولا زال حتى الآن فلاحو المغرب العربي يسمون الأراضي الزراعية التي تعتمد على المطر الأرض البعلية أي التي يرعاها بعل وهو الله في التراث الكنعاني الفينيقي. فحتى المذهب الدوناتي المسيحي المغربي الأمازيغي في العهد الروماني كان مطبوعا بالطابع الكنعاني. ففي القرن الرابع الميلادي، ثار أسقف مسيحي أمازيغي هو الأب دونا الذي ولد بمدينة نقرين شرق القطر الجزائري الحالي، ضد استغلال الرومان للمسيحية لتثبيت استعمارهم بالمغرب العربي، وأسس المذهب الدوناتي المسيحي الذي يمثل المسيحية المغاربية الأصيلة، فسجنه الرومان ومات في سجونهم بإسبانيا سنة 355 م. واستمر بعده مذهبه يناضل بسائر أنحاء المغرب العربي ضد الاستعمار الروماني، جند ثورة الفلاحين الأمازيغ ضد سرقة أراضيهم وتكوين مستوطنات منها كانت تسمي اللوتيفوندات. وسمي المؤرخون الرومان هذه الثورة بالثورة الدائرية Circoncellions التي تدور من لوتيفوندة إلي لوتيفوندة تثوِّر الفلاحين الأمازيغ الأقنان ضد الكولون. واستمر المذهب الدوناتي المغاربي يناضل، وقامت ثورات ضد الرومان تحت المظلة الدوناتية طوال القرنين الرابع والخامس الميلاديين منها ثورة غيلدون سنة 396 م التي سجلها الشاعر الروماني كلوديان Claudien في قصيدة طويلة وصف فيها الأهوال التي عانتها روما نتيجة لهذه الثورة. وعندما ظهر القديس الروماني أوغستين (اليد اليمني للاستعمار الروماني بالمغرب العربي) حاربه الدوناتيون وحاربوا مذهبه الكاثوليكي مذهب الاستعمار الروماني، فتآمر عليهم وكان السبب في منع الامبراطورية الرومانية للدوناتية إلي أن جاء الوندال سنة 430 م فعاد الدوناتيون لعملهم العقائدي النضالي. وبعد قرن سقط الوندال وعاد البيزنطيون فاحتلوا المغرب العربي، فمنعوا المذهب الدوناتي ، وببقي الدوناتيون يتعبدون سريا وفقا لطقوس مذهبهم المبنية على الطبيعة الواحدة للمسيح حتى مجيء الإسلالم فاعتنقوه، ويقول سانتاس المؤرخ الفرنسي أن المذهب الدوناتي كان عاملا قويا في نشر الإسلام بالغرب العربي. وهذا هو الذي يفسر لماذا اختفت المسيحية من المغرب العربي. اللغة التي يصلي بها الدوناتيون في كنائسهم هي الكنعانية الفينيقية ، بينما لغة الكاثوليكية الرومانية كانت اللاتينية. وهذا رد قوي على الشاعر أدونيس الذي يحصر الدين في الطقوس الفردية ، فالدين بالمغرب العربي حتى قبل الأسلام كان عاملا قويا في التحرر والنمو الاجتماعي . سادسا: كنت أنتظر من المحاضر أن يتناول ما بقي للعرب من رابط والمتمثل في اللغة العربية. لكن خاب انتظاري، فأقرب للشاعر أدونيس هي اللغة التي يكتب بها وليس الدين. ليعلم السيد أدونيس أن اللغة العربية هي الرابط القوي الذي بقي يربط العرب مشرقا ومغربا، وأن الفضل في بقاء هذا الرابط هو القرآن الكريم. وأن الصهيونية العالمية وحاميتها الإمبريالية الأمريكية والغربية أدركت خطورة هذا الرابط من خلال تمويل النوادي الفرنكفونية الأنجلوفونية بالأقطار العربية، وسيطرة اللهجات على الفضائيات العربية ، وجعل لغة العلم والتكنولوجيا الإنجليزية مشرقا باستثناء سوريا طبعا، والفرنسية مغربا، وحصر اللغة العربية في التعليم الأدبي والاجتماعي . هل عدم تحدث المحاضر عن لغة الضاد راجع إلى إقامته بباريس عشرين سنة طغت عليه الفرنكفونية وأنسته لغة شعره؟ سابعا: انتقد ادونيس في ألإسلام حتى الخلفاء الراشدين، فأبو بكر الصديق ارتكب خطأ جسيما في نظره عندما فرض على المسلمين الذين توقفوا عن أداء الزكاة بعد وفاة الرسول أداءها. الزكاة ضريبة يدفعها المسلم، ونحن نسأله وهو المقيم في فرنسا منذ عشرين سنة هل تتسامح الحكومة الفرنسية مع رافض دفع الضريبة أم تفرض عليه دفعها مع الغرامة؟...ليكن المحاضر نزيها في الإجابة عن هذا السؤال. سابعا: يزعم الشاعر أدونيس بأنه موضوعي ، لكنه كان أبعد عن الموضوعية عندما اتهم باطلا الشاعر الكبير أبأ الطيب المتنبي بأنه سمى اسمه لا حتى يدعي النبوة. والحقيقة التاريخية أن شخصا نكرة بالجزيرة العربية ادعى النبوة وسمى نفسه لا فقال: لا نبيٌّ بعدي فحول الحال في الحديث النبوي الشريف إلى خبر لمبتدأ. ثامنا: عدت لكتابي (الثورة الجزائرية في الشعر السوري) الذي جمعت فيه شعرا عن الثورة الجزائرية عندما عملت سفيرا في دمشق بين 1974 و 1977 ، تضمّن 64 شاعرا وشاعرة من عشرين مدينة وقرية سورية غنوا 199 قصيدة في ثورة أول نوفمبر ، بحثت فيه فلم أجد اسم الشاعر أدونيس الذي كان عمره عند اندلاع الثورة 24 سنة ، بينما وجدت اسم الشاعر عيسى درويش من مدينة اللاذقية مدينة أدونيس ، وكان عمره أثناء اندلاع الثورة 13 سنة. كلمة أخيرة أود أن اهمس بها في أذن الدكتور الزاوي المدير العام للمكتبة الوطنية ، من حقك أن تدعو أدباء وعلماء لإلقاء المحاضرات ، ومن حقهم أن يقولوا ما يريدون، لكن ليس من حقك أن تمنع من يناقش المحاضر في مسألة تمس قيم الشعب الجزائري ، وتمنعه من تفصيل نقاشه وبخاصة إذا كان يدافع عن أهم قيمة وهي الإسلام وقد حدث هذا معي !!! .