رغم محاولات بعض الأطراف الطعن في مصداقية الاستحقاقات الرئاسيات بدعوى أنها سيناريو شكلي لفائز معروف مسبقا، والترويج لخيار المقاطعة بحثا عن مبررات للتغطية على الفشل المحتمل، مثلما فعل الأرسيدي والأفافاس وجاب الله فإن القاطرة لم تتوقف عند هؤلاء وسارت في اتجاه الموعد بألوان الطيف السياسي وبحضور الديمقراطيين والإسلاميين والوطنيين. بدأت ملامح المشهد الانتخابي للاستحقاق الرئاسي تتضح، وخلال أيام معدودة ستتحدد قائمة المتنافسين على كرسي المرادية الذين نجحوا في تجاوز العقبة الأولى، ويستعدون لخوض المعركة الموالية وهي إقناع الناخبين ببرامجهم ومقترحاتهم لإدارة شؤون البلاد، وحسب المعطيات الأولية ومؤشرات الساحة السياسية فإن المنافسة ستكون مفتوحة على جميع التيارات، وهو ما أسقط طروحات هؤلاء الذين اختاروا إقصاء أنفسهم من السباق، والقول بأن المنافسة في الرئاسيات مغلقة، ومعروف الفائز فيها مسبقا، والادعاء بأن الانتخابات الرئاسية وفي سابقة أولى ستجري في غياب ممثلين عن تيارين أساسيين، وهما الإسلاميين والديمقراطيين، في تصنيف غريب للتشكيلات السياسية التي تنشط في الساحة الوطنية، وكأن التيار الديمقراطي لا يمثله حسب دعاة هذا الطرح سوى الأرسيدي والأفافاس والتيار الإسلامي لا يمثله سوى عبد الله سعد الله جاب الله الرئيس الأسبق لحركتي النهضة والإصلاح. فأن يحظى أحد المترشحين بدعم من كبرى التشكيلات السياسية والفاعلين في المجتمع المدني والحركة الجمعوية لا يعني من وجهة نظر المحللين غلق اللعبة السياسية، مثلما يدعي المتخوفون من المنافسة الذين راحوا يبحثون عن مبررات يعلقون عليها عجزهم وفشلهم المحتمل بعد أن استنفذوا جميع الشروط التي كانوا يضعونها لدخول المنافسة، فالأرسيدي ظل يتشبث بحضور المراقبين الدوليين كشرط للمشاركة في الرئاسيات قبل أن يختار المقاطعة رغم قرار رئيس الجمهورية تنفيذ هذا الشرط واستدعاء مراقبين من 4 منظمات دولية وإقليمية، ولعل الطرح الأغرب الذي لجأ إليه هؤلاء للطعن في مصداقية الاستحقاق الرئاسي هو اعتبار غيابهم عن المنافسة هو غياب للتيار الديمقراطي منصبين أنفسهم أوصياء عن هذا التيار، ونفي صفة الديمقراطية عن غيرهم من الفاعلين في الساحة الوطنية، رغم أن تمثيل الأرسيدي والأفافاس لا يتجاوز منطقة القبائل. قائمة المتخوفين من المنافسة لم تقتصر على حزبي الدا الحسين وسعدي بل امتدت إلى الرئيس الأسبق لحركتي النهضة والإصلاح والذي راح بدوره يصنع من مقاطعته للاستحقاق حدثا وطنيا وذهب إلى اعتبار غيابه غياب للتيار الإسلامي من الرئاسيات، متجاهلا وجود حركة مجتمع السلم التي تصنف في خانة التيار الإسلامي، والأفلان الذي يحسب جزء هام من وعائه الانتخابي على نفس التيار، وهو ما ينطبق أيضا على حزب العمال وعلى الأرندي والمرشح الحر محمد السعيد، وإلى جانب حضور هؤلاء في المشهد الانتخابي لرئاسيات أفريل المقبل جاء قرار غريمه جهيد يونسي الرئيس الحالي لحركة الإصلاح الوطني بدخول المنافسة ليعصف نهائيا بأوهام المراهنين على غياب الإسلاميين عن الاستحقاق الرئاسي. وبإطلالة سريعة على قائمة المترشحين للسباق الرئاسي والتي بلغت إلى غاية أمس 20 اسما بين مرشحين أحرار وممثلين لتشكيلات سياسية نجد حضورا لجميع الأطياف والألوان السياسية، وأن تميل الكفة مسبقا لصالح أحد المترشحين فإن هذا لا يمس بمصداقية العملية الانتخابية ولا يعني أن يتراجع بقية المترشحين عن خوض المنافسة، وحتى في الديمقراطيات العريقة كثيرا ما تأتي نتائج الانتخابات عاكسة لاستطلاعات سبر الآراء.