الأساليب التي لجأت إليها بعض الأحزاب التي لعبت على وتر المقاطعة طيلة الحملة الانتخابية وعشية الانتخابات الرئاسية من قبيل ما فعله الأرسيدي بانتكاس العلم الوطني، يؤكد مرة أخرى أن المعارضة في الجزائر وصلت مرحلة متقدمة من اليأس والفشل، ومع اختلاف وتباين الأوراق التي راهنت عليها مع اقتراع من حجم الانتخابات الرئاسيات فإن النتيجة في النهاية كانت دائما واحدة وهي الفشل. منذ رئاسيات 1999 وهو العام الذي انتخب فيها عبد العزيز بوتفليقة رئيسا للجمهورية خلفا لليامين زروال، ظهرت أولى أشكال المعارضة للتشويش على استحقاق انتخابي من هذا النوع، حيث كانت البداية حينها بإعلان ستة مرشحين كانوا إلى جانب بوتفليقة في السباق انسحابهم عشية الانتخابات، ورغم أن المبررات الشكلية كانت حينها بأن الإدارة لم تلتزم الحياد وأن هناك مؤشرات لحدوث تزوير كاسح فإن ما كانوا يعرفون ب "الفرسان الستة" وفي مقدمتهم زعيم الأفافاس حسين آيت أحمد حاولوا التأثير على مصداقية النتائج التي سيخرج بها الصندوق، وكان كل ما يخشاه مولود حمروش، أحمد طالب الإبراهيمي، يوسف الخطيب، عبد الله جاب الله ومقداد سيفي هو أن يفضحهم الصندوق فانتظروا حتى آخر لحظة ليخرجوا إلى الجزائريين مخاطبين إياهم بأنهم غير معنيين بالانتخابات. ورغم كل ما قيل عن تلك الخطوة التي أقدم عليها المرشحون الستة حينذاك فإن عددا كبيرا من الجزائريين أدلوا بأصواتهم وانتخبوا بوتفليقة ليكون رئيسا لهم لخمس سنوات في أول امتحان له عقب عودته إلى السلطة، وبذلك سقط الرهان على فشل الاستحقاق الرئاسي لأن هناك من المواطنين من منحوا أصواتهم إلى بوتفليقة غير آبهين بالدعوة إلى المقاطعة، وكانت تلك أولى الضربات الموجعة التي تلقتها المعارضة من طرف الناخبين. وبعدها جاء موعد رئاسيات أفريل 2004 التي راهنت فيها المعارضة على "التغيير" فوضعت منذ البداية كل أوراقها في يد المؤسسة العسكرية وحاولت الزج بها في أجواء الانتخابات عندما أخذ عدد من المترشحين الذين أعلنوا وقوفهم ضد بوتفليقة، بمن فيهم زعيم الأرسيدي، يسوّقون فرضية أن الجيش لا يريد بقاء الرئيس المنتهية عهدته في الحكم، وكان للشعب في الأخير القول الفصل عندما انتخب بقوة لصالح بوتفليقة الذي خرج أقوى مما سبق وحصل على الضوء الأخضر لاستكمال مسار استتباب الأمن ونهج المصالحة، وعاد "المراهنون" على الفشل أدراجهم حاملين أذيال الهزيمة. فالتبريرات التي حاولت الأطراف التي خسرت كل شيء في 2004 لم تتعد حدود التزوير، حيث أطل علينا المنهزمون حينها ليتهموا السلطة بتضخيم نسبة المشاركة مثلما فعلت مع النسب التي تحصل عليها المرشحون، والواقع أنه هؤلاء لم يجدوا أكثر من ذلك محاولة لحفظ ماء الوجه لأن الدرس الذي قدمه الشعب كان مدويا بعد أن قرر اختيار رئيسه بعيدا عن كل أشكال المساومة والابتزاز. وإن اختلف الأسلوب الذي لجأت إليه المعارضة، التي لم يبق منها الآن سوى الاسم، خلال الانتخابات الرئاسية 2009 فإن النتيجة التي آلت إليها واحدة وهي الفشل الذريع، فنسبة المشاركة التي كشفت عنها وزارة الداخلية ضربت عرض الحائط رهانات الأرسيدي والأفافاس بشكل خاص لأنه حتى منطقة القبائل خرجت وعبرت عن صوتها حتى وإن كانت نسبة المشاركة لم تصل مستوى كبيرا مقارنة مع باقي ولايات الوطن، لكنها في العموم أخذت منحى تصاعديا بالنظر إلى ما كانت عليه في الاستحقاقات السابقة. والخلاصة التي يمكن الوصول إليها من خلال قراءة في الأساليب التي استعملتها المعارضة منذ عشرة أعوام، أنها عجزت عن تقديم البديل الذي يقنع الجزائريين وكان رهانهم الدائم على مهاجمة السلطة، بل إن هذه المعارضة قد حاولت دوما وضع آمالها في الشعب في وقت كان عليها العمل على إثبات وجودها في الميدان حتى يثق الشعب في المسوقين لهذا التغيير الموعود، وفي كل مرة يقدم الجزائريين صفعة قوية للمحاولين المتاجرة به والظهور في المواعيد الانتخابية، وكان درس هذه المرة المشاركة القوية التي أسقطت أوراق المراهنين على صيام غير مسبوق عن التوجه إلى صناديق الاقتراع في انتظار أن تكشف نتائج الاقتراع التي يعلن عنها وزير الداخلية صباح اليوم مزيدا من الدروس التي ستدفع المقاطعين حتما إلى مراجعة أوراقهم من جديد.