موازاة مع ترقب إعلان عبد العزيز بوتفليقة ترشحه لعهدة جديدة مساء اليوم بالقاعة البيضاوية، سارعت باريس إلى التأكيد بأنها تتابع باهتمام ما ستسفر عنه العملية الانتخابية خلال الرئاسيات المقبلة، حيث أوردت الخارجية الفرنسية أنها حريصة على مواصلة مسار بناء علاقات استثنائية مع الجزائر في المرحلة المقبلة. اختارت باريس آخر يوم قبل إعلان عبد العزيز بوتفليقة ترشحه رسميا للانتخابات الرئاسية للكشف عن موقفها من الحيثيات التي تحيط بهذا الاستحقاق، وهو الموعد الذي قالت إنه تترقبه باهتمام وتحرص على أن تجري انتخابات التاسع من شهر أفريل المقبل في ظروف مقبولة، ويحمل هذا الموقف إشارات إلى أن السلطات الفرنسية تتابع عن قرب كل التطورات السياسية الحاصلة في الجزائر بحكم المصالح التي تربطها بها. وفي هذا السياق قال الناطق الرسمي باسم الخارجية الفرنسية "إننا حريصون على تمتين الديمقراطية في الجزائر وعلى السير الحسن للانتخابات القادمة"، قبل أن يضيف إيريك شوفالييه بأن بلاده حريصة على مواصلة بناء الشراكة الاستثنائية التي تتسم بها علاقات باريس مع الجزائر، دون أن يحمل التصريح المقتضب للمتحدث الذي نقلته على لسانه وكالة الأنباء الفرنسية أي إشارة لدعاة المقاطعة الذين يتزعمه سعيد سعدي رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية. ويعتبر تصريح الناطق الرسمي للخارجية الفرنسية أوّل موقف رسمي تبديه باريس بشأن الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو في الواقع يؤكد حرص فرنسا على بناء علاقات متينة مع الجزائر رغم الحساسية التي فرضتها الكثير من الملفات في السنوات الأخيرة خاصة ما تعلق منها بالماضي الاستعماري الفرنسي، لكن منذ وصول الرئيس نيكولا ساركوزي إلى قصر الإليزيه حاول إعطاء هذه العلاقات صبغة "براغماتية" لا تتصل بخلافات البلدين تاريخيا. وكانت قضية اعتقال الدبلوماسي الجزائري محمد زيان حساني، مدير التشريفات بوزارة الشؤون الخارجية، آخر الملفات محل خلاف بين الجزائر وباريس، حيث وصل الأمر إلى أن السلطات الجزائرية قدّمت إلى الفرنسيين "مذكرة تعدّد الانتهاكات" التي صاحبت اعتقال دبلوماسيّها، ولا تزال المعركة القضائية متواصلة في هذه القضية، وذهب مراد مدلسي في تعليقه على القضية إلى اتهام باريس بارتكاب "سلوك يخرق المبادئ العالمية لحقوق الإنسان وافتراض البراءة" رغم اعترافه بأنها بلد شريك وصديق. ولكن بالمقابل فإن الخلافات التي عرفتها العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة وخصوصا مرحلة الفتور التي مرّت بها سياسيا لم تؤثر على وتيرة التعاون لأن فرنسا تأتي في صدارة الشركاء الاقتصاديين للجزائر إلى جانب كونها أكبر بلد له نسبة استثمارات خارج قطاع المحروقات ببلادنا، حيث أن العديد من الشركات الفرنسية كما هو الحال بالنسبة ل "غاز دو فرانس"، "ألستوم" و"توتال" وقعت اتفاقيات شراكة نهاية 2007 بقيمة إجمالية وصلت إلى 5 مليار أورو تتويجا للزيارة التي قام بها الرئيس نيكولا ساركوزي إلى الجزائر. وبالتزامن مع كل هذه التطورات ألغيت زيارة كانت مقرّرة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى باريس مطلع الشهر الجاري، وحتى الآن لم يتم الكشف عن الأسباب المباشرة التي تكون وراء هذا الإلغاء على الرغم من أن الكثير من الأوساط الفرنسية أشارت إلى أن قصر الإليزيه قد أعطى الضوء الأخضر بشأن زيارة بوتفليقة. إلى ذلك فإن الانتخابات الرئاسيات في الجزائر تبقى محل اهتمام ومتابعة من الشركاء الفاعلين خصوصا بعد إقرار الرئيس بوتفليقة دعوة مراقبين دوليين للمشاركة في مراقبة الاستحقاق المقرّر في التاسع من شهر أفريل المقبل لضمان "سير العملية الانتخابية في ظل الشفافية والانتظام"، كما أمر الحكومة أيضا ب "تقديم التماس إلى المسؤولين الأوائل عن منظمة الأممالمتحدة والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وكذا الاتحاد الإفريقي من أجل إيفاد مراقبين بمناسبة الانتخابات الرئاسية".